الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ
وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوِ اسْتَعَطَ أَوِ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوِ اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ، أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ، أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَا يَصِلُ إِلَى دِمَاغِهِ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ]
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. الْمُفْسِدُ لِلصَّوْمِ: كُلُّ مَا يُنَافِيهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا، (وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) فَقَدْ أَفْطَرَ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الْآيَةَ، فَأَبَاحَهُمَا إِلَى غَايَةٍ، وَهِيَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا إِلَى اللَّيْلِ، لِأَنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا، وَقَوْلُ الله تعالى على لسان النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ إِنَّهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُغَذٍّ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (أَوِ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ قَالَ فِي " الْكَافِي ": أَوْ خَيَاشِيمِهِ لِنَهْيِهِ عليه السلام الصَّائِمَ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ (أَوِ احْتَقَنَ) فِي دُبُرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِلِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنَ الِاسْتِعَاطِ (أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ (أَوِ اكْتَحَلَ) بِكُحْلٍ أَوْ صَبْرٍ أَوْ ذَرُورٍ أَوْ إِثْمِدٍ مُطَيَّبٍ (بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْفَذًا فَلَمْ يُفْطِرْ بِهِ كَمَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، وَأُجِيبَ
أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، أَوِ اسْتَقَاءَ أَوِ اسْتَمْنَى، أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ. وَكَالْوَاصِلِ مِنَ الْأَنْفِ (أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ، أَوْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ مَا يَصِلُ إِلَى دِمَاغِهِ) لِأَنَّ الدِّمَاغَ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ فَالْوَاصِلُ إِلَيْهِ يُغَذِّيهِ فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ كَالْآخَرِ (أَوْ أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ) وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَهُوَ شَامِلٌ إِذَا طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ بِشَيْءٍ فِي جَوْفِهِ، فَغَابَ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ، أَوِ ابْتَلَعَ خَيْطًا وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ، وَجَزَمَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُفْطِرُ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ، وَلَا بِحَقْنِهِ (أَوِ اسْتَقَاءَ) أَيِ: اسْتَدْعَى الْقَيْءَ فَقَاءَ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ كَسَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ. وَعَنْهُ: يُفْطِرُ بِمَلْءِ الْفَمِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَيُقَدَّرُ بِمَا لَا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَعَنْهُ: أَوْ نِصْفِهِ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ، وَعَنْهُ: إِنْ فَحُشَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إِذَا قَاءَ بِنَظَرِهِ إِلَى مَا يَقِيئُهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، كَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.
(أَوِ اسْتَمْنَى) أَيِ: اسْتَدْعَى خُرُوجَ الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ بِالْقُبْلَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْإِنْزَالِ فَلِأَنْ يَفْسُدُ بِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، لَكِنْ لَوِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ، وَلَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ أَتَى مُحَرَّمًا، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا كَالْبَوْلِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ «عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي فَعَلْتُ أَمْرًا عَظِيمًا، فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إِنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؛ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: فَمَهْ» فَشَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفِطْرِ، فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ إِذَا
أَوْ مَذَى، أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَانَ مَعَهَا نُزُولٌ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إِلَى الْجِمَاعِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لَا يُفْطِرُ، وَقَالَهُ دَاوُدُ وَضَعَّفَ الْخَبَرَ السَّابِقَ، وَقَالَ: هُوَ رِيحٌ.
(أَوْ مَذَى) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ أَشْبَهَ الْمَنِيَّ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُفْطِرُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ أَظْهَرُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَقَطْ، وَإِنِ اسْتَمْنَى فَأَمْنَى أَوْ مَذَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ: فَأَمْنَى أَوْ مَذَى، رَاجِعٌ إِلَى الِاسْتِمْنَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فِطْرَ بِدُونِ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. رُوِيَ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَمَعْنَاهُ: حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا، وَقِيلَ: بِالتَّسْكِينِ الْعُضْوُ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْحَاجَةُ.
(أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ) أَيْ: مَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِفِعْلٍ يُلْتَذُّ بِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا يُفْطِرُ كَالْإِنْزَالِ بِالْفِكْرِ فَلَوْ أَنْزَلَ مَذْيًا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ بِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَاللَّمْسِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَحْتَمِلُهُ كَالْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ كَالْمَنِيِّ، وَلِأَنَّ الضَّعِيفَ إِذَا تَكَرَّرَ قَوِيَ، كَتَكْرَارِ الضَّرْبِ بِصَغِيرٍ فِي الْقَوَدِ لَكِنْ فِي " الْكَافِي ": وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ أَوِ الْمَذْيِ إِلَّا فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ، فَلَا يُفْطِرُ إِلَّا بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ. وَظَاهِرُهُ لَا فِطْرَ بِعَدَمِ الْإِنْزَالِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا إِذَا لَمْ يُكَرِّرِ النَّظَرَ لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لَا الْمَذْيِ، وَيُلْحَقُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْإِرْشَادِ " احْتِمَالًا فِيمَنْ هَاجَتْ شَهْوَتُهُ فَأَمْنَى أَوْ مَذَى أَنَّهُ يُفْطِرُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ يُفْطِرُ بِالْمَوْتِ فَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، وَبِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَنَافَاهَا الْكُفْرُ كَالصَّلَاةِ.
(أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، وَهُوَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى رُتْبَةِ الْمُسْتَفِيضِ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ غَيْرُ حَدِيثِ ثَابِتٍ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ رَافِعٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادٍ، وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَا النَّهْيَ، وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَحْتَجِمُونَ لَيْلًا، وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ مِنَ الْبَدَنِ أَشْبَهَ الْفَصْدَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ فِي فِتْنَةٍ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ كُتُبِ غُلَامِهِ أَبِي حَكِيمٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذِرٍ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَيْءٍ كَانَ وَجَدَهُ» . فَهَذِهِ تُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ، وَلَوْ سُلِّمَ التَّسَاوِي، فَأَحَادِيثُنَا أَكْثَرُ،
وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ
وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ، أَوْ غُبَارٌ، أَوْ قَطَرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَاعْتَضَدَتْ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ سَلِمَ فَحَدِيثُهُمْ فِعْلٌ، وَتِلْكَ قَوْلٌ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِعَدَمِ عُمُومِ الْفِعْلِ، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ، وَنَسْخُ حَدِيثِهِمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَنَسْخُهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَسْخِ حَدِيثِنَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ: احْتَجَمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَجَمَ، وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ لِلْخَبَرِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ إِنْ مَصَّ الْقَارُورَةَ، وَالْحَجْمُ فِي السَّاقِ كَالْحَجْمِ فِي الْقَفَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَمُعْظَمِ الْأَصْحَابِ: لَا فِطْرَ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمْعٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ. وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ لَا لِلتَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ لَمْ يُفْطِرْ. وَظَاهِرُهُ لَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَالثَّانِي بَلَى، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَعَلَى هَذَا فِي الشَّرْطِ احْتِمَالَانِ، وَلَا فِطْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُفْطِرُ إِذَا أَخْرَجَ دَمَهُ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرُّعَافِ.
(عَامِدًا) أَيْ: قَاصِدًا لِلْفِعْلِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ فَهُوَ غافل غير مُكَلَّفٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.
(ذَاكِرًا) أَيْ: غَيْرَ نَاسٍ (لِصَوْمِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ) فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا (وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ) صَوْمُهُ، وَأَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ، وَسَقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مَعْنَاهُ. وَزَادَ، «وَلَا قَضَاءَ» وَلِلْحَاكِمِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَعِيدِ، وَالْإِلْجَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى بِدَلِيلِ الْإِتْلَافِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّائِمُ إِذَا فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ كَالنَّاسِي لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فِيهِ كَالْمَرِيضِ. وَلَوْ أَوْجَرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً لَمْ يُفْطِرْ، وَقِيلَ: بَلَى لِرِضَاهُ ظَاهِرًا فَكَأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَكَالْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِجَامَةِ، وَكَالْجَهْلِ بِالْوَقْتِ وَالنِّسْيَانِ يَكْثُرُ وَفِي