الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَدَاعِ، رَجَعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا.
فَصْلٌ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْوَدَاعِ، وَقَفَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تُجْزِئُ عَنْهُمَا الْمَفْرُوضَةُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِاخْتِلَافِهِمَا كَالصَّلَاتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى بِطَوَافِهِ الْوَدَاعَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حَرَامًا عَنِ النِّسَاءِ إِنْ كَانَ قَدْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَإِلَّا فَحَرَامًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ.
(فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ رَجَعَ إِلَيْهِ) مَعَ إِمْكَانِهِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ أَوْ بُعْدِهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَلَا فَوَاتِ رُفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ، فَإِنْ رَجَعَ الْقَرِيبُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِحْرَامٌ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِإِتْمَامِ نُسُكٍ مَأْمُورٍ بِهِ، كَرُجُوعِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْبَعِيدُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَيَأْتِي بِهَا، ثُمَّ يَطُوفُ لِوَدَاعِهِ، وَلَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ إِنْ كَانَ إِلَّا مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، وَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ خِلَافٌ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) الرُّجُوعُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَلَ إِلَى بَلْده (إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا) وَلَا فِدْيَةَ لِذَلِكَ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِلنَّصِّ السَّابِقِ فِي الْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءُ مِثْلُهَا فِيمَا يَجِبُ وَيَسْقُطُ، لَكِنْ يُسَنُّ أَنْ تَقِفَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَتَدْعُو فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ اغْتَسَلَتْ، وَوَدَّعَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ فَمَضَتْ أَوْ مَضَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهَا دَمٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الرُّجُوعُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْحَضَرِ.
فَرْعٌ: إِذَا وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى، وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ، جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ غَيْرَ حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُوَدِّعُ.
[الْوُقُوفُ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ]
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ، فَيُكَبِّرُ فِي نَوَاحِيهِ، وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُو اللَّهَ - تَعَالَى - لِفِعْلِهِ عليه السلام وَالْحِجْرُ مِنْهُ. مُتَجَرِّدًا مِنَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَالسِّلَاحِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ عِبَادَةٌ، وَإِذَا نُزِعَتْ ثِيَابُهَا تُصُدِّقَ بِهَا قَالَهُ أَحْمَدُ، (وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْوَدَاعِ وَقَفَ
بَيْتُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ لِي بَيْتَكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي، فَازْدَدْ عَلَيَّ رِضًا، وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ يَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنَتْ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ، وَلَا بِبَيْتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ، وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، وَأَجْمِعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي الْمُلْتَزَمِ) وَذَرْعُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ (بَيْنَ الرُّكْنِ) وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، (وَالْبَابِ) أَيْ: بَابِ الْكَعْبَةِ، فَيَلْتَزِمُهُ، وَيُلْصِقُ بِهِ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ، وَجَمِيعَهُ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا جَاءَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلَا تَتَعَوَّذْ؛ قَالَ: نُعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسْطَهُمَا بَسْطًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ، وَهُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ، فَيَدْعُو.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا، وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَنْصَرِفُ. رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَ فِي الْتِزَامِهِ:(اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَلَيَّ رِضًا وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ) الْوَجْهُ فِيهِ ضَمُّ الْمِيمِ، وَتَشْدِيدُ النُّونِ عَلَى أَنَّهُ صِيغَةُ أَمْرٍ مِنْ مَنَّ: يَمُنُّ، وَيَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْمِيمِ، وَفَتْحُ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْآنَ: الْوَقْتُ الْحَاضِرُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ (قَبْلَ أَنْ يَنْأَى) أَيْ: يَبْعُدُ (عَنْ بَيْتِكَ دَارِي فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنْتَ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدَلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ، وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وَهَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَحَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ