الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ. وَيَلْزَمُهُمُ التَّمَيُّزُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي شُعُورِهِمْ بِحَذْفِ مَقَادِمِ رُءُوسِهِمْ، وَتَرْكِ الْفَرْقِ، وَكُنَاهُمْ، فَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَتَغْيِيرِ خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَقْتَضِي الْفَرْقَ، وَسَبَقَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
فَائِدَةٌ: مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ حُجَّةً لَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا.
[بَابُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
[مَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ]
بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.
وَأَحْكَامُهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَجِبُ لَهُمْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ عَقْدُهَا لَهُمْ (يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ) ، فَلَوْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا أُخِذَ بِهِ كَالْمُسْلِمِ (وَالْمَالِ) فَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ، ضَمِنَهُ (وَالْعِرْضِ) وَسَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ نَسَخَ كُلَّ حُكْمٍ يُخَالِفُهُ (وَ) يَلْزَمُهُ (إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ) كَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الْيَهُودِ زَنَيَا، فَرَجَمَهُمَا» ، وَلِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِهِمْ، وَقَدِ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ. وَعَنْهُ: إِنْ شَاءَ لَمْ يُقِمْ حَدَّ زِنَا بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَمِثْلُهُ قَطْعُ سَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ (دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لِلْمَجُوسِ، لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَلَأَنْ يُقَرُّوا عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إِلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ.
(وَيَلْزَمُهُمُ التَّمَيُّزُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ) فِي أُمُورٍ.
مِنْهَا (فِي شُعُورِهِمْ بِحَذْفِ مَقَادِمِ رُءُوسِهِمْ، وَتَرْكِ الْفَراقِ) أَيْ: يَحْلِقُونَ مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ، وَلَا يَفْرُقُونَ شَعْرَ الرَّأْسِ فِرْقَتَيْنِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ. (وَكُنَاهُمْ فَلَا يَتَكَنَّوْنَ
يَتَكَنَّوْنَ بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ كَأَبِي الْقَاسِمِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَرُكُوبِهِمْ بِتَرْكِ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ، وَرُكُوبِهِمْ عَرْضًا عَلَى الْأُكُفِ، وَلِبَاسِهِمْ، فَيَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُخَالِفُ ثِيَابَهُمْ، كَالْعَسَلِيِّ وَالْأَدْكَنِ، وَشَدِّ الْخِرَقِ فِي قَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ، وَيُؤْمَرُ النَّصَارَى بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ، وَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ خَوَاتِيمُ الرَّصَاصِ، أَوْ جُلْجُلٌ يَدْخُلُ مَعَهُمُ الْحَمَّامَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ، كَأَبِي الْقَاسِمِ) ؛ فَإِنَّهَا كُنْيَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ) فَإِنَّهَا كُنْيَةُ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا، كَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ، مِمَّا هُوَ فِي الْغَالِبِ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنَ التَّكَنِّي مُطْلَقًا قَالَ أَحْمَدُ لِطَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ عُمَرَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ» . وَعُمَرُ قَالَ: يَا أَبَا حَسَّانَ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ: يُمْنَعُونَ مِنَ اللَّقَبِ كَعِزِّ الدِّينِ، وَنَحْوِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَرُكُوبِهِمْ) فَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ؛ لِأَنَّهَا عِزٌّ، وَهِيَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ، وَأَفْضَلُ الْمَرَاكِبِ. وَلَهُمْ رُكُوبُ غَيْرِهَا (بِتَرْكِ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ) . وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ عَلَى حِمَارٍ. (وَرُكُوبِهِمْ عَرْضًا) رِجْلَاهُ إِلَى جَانِبٍ، وَظَهْرُهُ إِلَى آخَرَ. (عَلَى الْأُكُفِ) جَمْعُ إِكَافٍ، وَهِيَ الْبَرَادِعُ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ قَرُبَتِ الْمَسَافَةُ، أَوْ بَعُدَتْ. (وَلِبَاسُهُمْ فَيَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُخَالِفُ) سَائِرَ (ثِيَابِهِمْ كَالْعَسَلِيِّ) لِلْيَهُودِ، (وَالْأَدْكَنِ) هُوَ لِبَاسٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى السَّوَادِ، كَالْفَاخِتِيِّ لِلنَّصَارَى (وَشَدِّ الْخِرَقِ فِي قَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ) وَتَكُونُ الْخِرْقَةُ مُخَالِفَةً لَهُمَا، لِيَتَمَيَّزَ مَعَ الثَّوْبِ الْمُخَالِفِ. (وَيُؤْمَرُ النَّصَارَى بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ) لِأَنَّهُمْ إِذَا شَدُّوهُ مِنْ دَاخِلٍ لَمْ يُرَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ: لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تَشُدُّهُ فَوْقَ ثِيَابِهَا تَحْتَ الْإِزَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُدَّ فَوْقَهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَغِيَارُهَا فِي الْخُفَّيْنِ بِاخْتِلَافِ لَوْنِهِمَا، فَإِنْ أَبَوُا الْغِيَارَ، لَمْ يُجْبَرُوا، وَنُغَيِّرُهُ نَحْنُ. (وَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ خَوَاتِيمُ الرَّصَاصِ أَوْ جُلْجُلٌ) وَهُوَ الْجَرَسُ الصَّغِيرُ (يَدْخُلُ مَعَهُمُ الْحَمَّامَ) لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهَا الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ، وَسَيَأْتِي. وَاقْتَضَى
وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ وَلَا بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ، قِيلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ، وَفِي تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ رِوَايَتَانِ. وَيُمْنَعُونَ تَعْلِيَةَ الْبُنْيَانِ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ لُبْسَ الطَّيَالِسَةِ، وَهُوَ الْمُذَهَّبُ، لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ فَاخِرِ الثِّيَابِ، وَالتَّمْيِيزُ حَصَلَ بِالْغِيَارِ، وَالزُّنَّارِ. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لُبْسُ مَا فِيهِ الذِّلَّةُ وَالِانْكِسَارُ، لَا ضِدُّهُ.
أَصْلٌ: يَلْزَمُ تَمْيِيزُ قُبُورِهِمُ عَنْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ، وَفِي مَعْنَاهُ الْقِيَامُ لَهُمْ. (وَلَا بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ عَزَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ فَقَطْ، وَفِي الْحَاجَةِ احْتِمَالٌ. وَمِثْلُهُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ أَوْ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ أَوْ كَيْفَ حَالُكَ؟ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيَتَوَجَّهُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيِّ: نَقُولُ لَهُ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ سَلَّمَ، ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ، اسْتُحِبَّ قَوْلُهُ لَهُ: رُدَّه عَلَيَّ سَلَامِي (وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ قِيلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ بِغَيْرِ وَاوٍ. وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَى. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ تُرَدُّ تَحِيَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ: أَهْلًا وَسَهْلًا، فَإِنْ عَطَسَ لَمْ يُشَمِّتْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَابْنِ عَقِيلٍ فَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ، أَجَابَهُ (وُفِي) جَوَازِ (تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَالْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يحصلُ الْمُوَالَاة وَتَثْبُتُ الْمَوَدَّةُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلنَّصِّ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ.
الْمُسْلِمِينَ، وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ. وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ، لَمْ يَجِبْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَادَ يَهُودِيًّا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
وَالثَّالِثَةُ: يَجُوزُ
لِمَصْلَحَةٍ
رَاجِحَةٍ، كَرَجَاءِ إِسْلَامِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيُّ: وَأَنَّهُ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ: يُعَادُ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَعَلَى الْجَوَازِ يُدْعَى لَهُ بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ تَكْثِيرَ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
فَائِدَةٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَسْتَعْمِلُهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُنَا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام دَعَا لِأَنَسٍ بِطُولِ الْعُمْرِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «لَا يَرُدُّ الْقَدْرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ» إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. (وَيُمْنَعُونَ تَعْلِيَةَ الْبُنْيَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرَفُّعًا عَلَيْهِمْ، فَمُنِعُوا مِنْهُ كَالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجَالِسِ. وَالْمَنْعُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُجَاوِرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِهِ سَوَاءٌ لَاصَقَهُ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَضِيَ الْجَارُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى - زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَدُومُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ، وَرِضَاهُ يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إِلَّا بِاجْتِنَابِهِ مُحَرَّمٌ، فَلَوْ كَانَتْ دَارُهُ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ، حَيْثُ لَا جَارَ، أَوْ كَانَ لَهُمْ مَحِلَّةٌ مُفْرَدَةٌ، فَلَا مَعْنَى لِلْمُطَاوَلَةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّعْلِيَةِ، قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ " وَغَيْرِهَا. (وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ".
نَقْضُهَا وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. وَلَا يُمْنَعُونَ رَمَّ شَعَثِهَا، وَفِي بِنَاءِ مَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى عُلُوِّ الْكُفْرِ، وَلَا إِلَى اطِّلَاعِهِمْ إِلَى عَوْرَاتِنَا.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُسَاوَاتُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي اللِّبَاسِ فَكَذَا فِي الْبُنْيَانِ. (وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا) لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَمْ يُعْلُوا شَيْئًا، وَفِيهِ وَجْهٌ لِقَوْلِهِ: " وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا مُلِكَتْ مِنْ كَافِرٍ أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهَا، لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ دَارٌ عَالِيَةٌ، فَمَلَكَ الْمُسْلِمُ دَارًا إِلَى جَانِبِهَا، أَوْ بَنَى الْمُسْلِمُ إِلَى جَنْبِ دَارِهِ دَارًا دُونَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ هَدْمُهَا فِي الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ: إِذَا انْهَدَمَتِ الْعَالِيَةُ، لَمْ تُعَدْ عَالِيَةً، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ": إِلَّا إِذَا قُلْنَا: تُعَادُ الْبِيعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحْدَاثٍ، وَالْمُنْهَدِمُ مِنْهَا ظُلْمًا كَهَدْمِهِ بِنَفْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: تُعَادُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَوْلَى، فَلَوْ سَقَطَ هَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي تَجِبُ إِزَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ، فَيَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ، وَأَنَّهُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ.
(وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ) وَاحِدُهَا كَنِيسَةٌ، وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى. (وَالْبِيَعُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ لِلنَّصَارَى فَهُمَا حِينَئِذٍ يَتَرَادَفَانِ، وَقِيلَ: الْكَنَائِسُ لِلْيَهُودِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، أَيْ: يُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِجْمَاعًا لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بَيْعَةً ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ.
زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ": إِلَّا فِيمَا شَرَطُوهُ فِيمَا منِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ لَنَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ اسْتَحَقُّوهُ بِالشَّرْطِ، فَجَازَ لَهُمْ فِعْلُهُ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ.
اسْتُهْدِمَ مِنْهَا رِوَايَتَانِ. وَيُمْنَعُونَ إِظْهَارَ الْمُنْكَرِ، وَضَرْبَ النَّاقُوسِ، وَالْجَهْرَ بِكِتَابِهِمْ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَبِالْجُمْلَةِ فَأَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ، كَالْبَصْرَةِ، وَبَغْدَادَ، وَوَاسِطَ، فَلَا يَجُوزُ إِحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ.
الثَّانِي: مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفَى وُجُوبِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ وَجْهَانِ؛ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمَا فِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَحَدٌ بِجِزْيَةٍ، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ.
الثَّالِثُ: مَا فَتَحُوهُ صُلْحًا، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا، فَلَهُمْ إِحْدَاثُ مَا شَاءُوا.
والثَّانِي: أَنْ نُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ.
(وَلَا يُمْنَعُونَ رَمَّ شَعَثِهَا) لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى بَقَائِهَا، وَالْمَنْعُ فِي ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى خَرَابِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ إِذِ الْبِنَاءُ لَا مُقَامَ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ فَجَرَى مَجْرَى هَدْمِهَا، أَشْبَهَ تَطْيِينَ أَسْطِحَتِهَا (وَفِي بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا رِوَايَتَانِ) .
إِحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمُنِعُوا مِنْهُ كَابْتِدَاءِ بِنَائِهَا.
وَالثَّانِيَةُ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَرَمِّ الشَّعَثِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " جَوَازَ رَمِّ شَعَثِهَا دُونَ بِنَائِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ ". وَعَنْهُ: مَنْعُهُمَا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ، لَا أَعْلَى وَلَا أَوْسَعَ، اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ بِنَاؤُهَا، جَازَ بِنَاءُ بَيْعَةٍ مُنْهَدِمَةٍ بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا فَتَحَ بَلَدًا فِيهِ بَيْعَةٌ خَرَابٌ، لَمْ يَجُزْ بِنَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إِحْدَاثٌ لَهَا فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ.
(وَيُمْنَعُونَ) وُجُوبًا (إِظْهَارَ الْمُنْكِرِ) كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ فَعَلُوا أَتْلَفْنَاهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِظْهَارَ عِيدٍ وَصَلِيبٍ وَنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ (وَضَرْبَ النَّاقُوسِ) . وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُمْ لَا يَضْرِبُونَ
وَإِنْ صُولِحُوا على بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ؛ خَرَجَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَ، عُزِّرَ وَهُدِّدَ، فَإِنْ مَرِضَ بِالْحَرَمِ أَوْ مَاتَ، أُخْرِجَ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِنَاقُوسٍ، وَمُرَادُهُ: إِظْهَارُهُ؛ لِأَنَّ فِي الشُّرُوطِ: أَنْ لَا نَضْرِبَ بِنَوَاقِيسِنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا. (وَالْجَهْرَ بِكِتَابِهِمْ) أَيْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي الْكَنَائِسِ، وَكَذَا رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى مَوْتَاهُمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِثْلُهُ إِظْهَارُ أَكْلٍ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، وَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا لِقَاءَ الْمُلُوكِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ صُولِحُوا عَلَى بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ) أَوِ الْخَرَاجِ (لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ بَلَدَهُمْ لَيْسَ بِبَلَدِ إِسْلَامٍ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِمْ فِيهِ كَمَنَازِلِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمُنِعُوا مِنْهُ. (وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ: حَرَمُ مَكَّةَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] يُرِيدُ ضَرَرًا بِتَأْخِيرِ الْجَلْبِ عَنِ الْحَرَمِ، دُونَ الْمَسْجِدِ؛ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] أَيْ: مِنَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مَنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ لَا مِنْ نَفْسِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ دُونَ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّسُكِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ. وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ أَوْ لَا، لِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِضَرُورَةٍ، وَقِيلَ: لَهُمْ دُخُولُهُ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ كَحَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ. لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا أَرَادَ دُخُولَهُ لِيُسْلِمَ فِيهِ أَوْ لِتِجَارَةٍ مَعَهُ لِبَيْعِهَا، مُنِعَ مِنْهُ.
(فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ، خَرَجَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْكَافِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الِاجْتِمَاعِ (وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي دُخُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ لِقَائِهِ، بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَهُ (فَإِنْ دَخَلَ عُزِّرَ)