الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ
يَلْزَمُ الْإِمَامَ عِنْدَ مَسِيرِ الْجَيْشِ تَعَاهُدُ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ، فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ يَمْنَعُهُ مِنَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَغَيْرِهِمَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا، لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَوُجُوبِ قَتْلِهِمْ، كَالْأَسِيرِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ قَتْلَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَا حُكِمَ فِيهِ، فَإِنَّ حُكِمَ بِأَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، كَانَ غَنِيمَةً، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْقَهْرِ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ مِمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ، فَلَا يَقْتُلُ مَنْ حَكَمَ بِرِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنَ الرِّقِّ، وَفِيهِ إِتْلَافُ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْغَانِمِينَ، وَلَا رِقُّ مَنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْخِلُ الضّرر عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِبَقَائِهِمْ، وَلَا رِقُّ وَلَا قَتْلُ مَنْ حَكَمَ بِفِدَائِهِ لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ لُزُومِهِ، وَلَهُ الْمَنُّ إِلَّا أَنَّهُ أَخَفُّ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ فَإِذَا رَآهُ الْإِمَامُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَتَمُّ نَظَرًا، وَكَالِابْتِدَاءِ، وَقَبُولِ الْفِدَاءِ مِمَّنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِرِضَا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّهُ، فَإِذَا رَضِيَ بِشِرْكِهِ، جَازَ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.
[بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ]
َ. يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ إِخْلَاصُ النِّيَّةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي الطَّاعَاتِ، وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ سِرًّا بِحُضُورِ قَلْبٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ مَا يُدْعَى عِنْدَ اللِّقَاءِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أُصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ» وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُهُ عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ.
(يَلْزَمُ الْإِمَامَ) وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ (عِنْدَ مَسِيرِ الْجَيْشِ تَعَاهُدُ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْجَيْشِ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ كَبَقِيَّةِ الْمَصَالِحِ، فَيَخْتَارُ مِنَ الرِّجَالِ مَا فِيهِ غِنًى، وَمَنْفَعَةٌ لِلْحَرْبِ، وَمُنَاصَحَةٌ، وَمِنَ الْخَيْلِ مَا فِيهِ قُوَّةٌ، وَصَبْرٌ عَلَى الْحَرْبِ، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الرُّكُوبِ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ. (فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ) كَالْفَرَسِ إِذَا كَانَ حَطِمًا، وَهُوَ الْكَسِيرُ أَوْ
الدُّخُولِ وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ وَالنِّسَاءَ إِلَّا طَاعِنَةً فِي السِّنِّ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُعَالَجَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَحِمًا، وَهُوَ الْكَبِيرُ، أَوْ ضَرِعًا وَهُوَ الصَّغِيرُ أَوْ هَزِيلًا. وَكَالرَّجُلِ إِذَا كَانَ زَمِنًا أَوْ أَشَلَّ أَوْ مَرِيضًا. (يَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُولِ) لِئَلَّا يَنْقَطِعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ كَلًّا عَلَى الْجَيْشِ، وَمُضَيِّقًا عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْهَزِيمَةِ. (وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ) وَهُوَ الَّذِي يُفَنِّدُ النَّاسَ عَنِ الْغَزْوِ، وَيُزَهِّدُهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ (وَالْمُرْجِفُ) وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِنَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} [التوبة: 47] الْآيَةَ وَكَذَا يُمْنَعُ مُكَاتِبٌ بِأَخْبَارِنَا، وَرَامٍ بَيْنَنَا بِالْفِتَنِ، وَمَعْرُوفٌ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَزِمَ الْإِمَامَ مَنْعُهُمْ، إِزَالَةً لِلضَّرَرِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا يُمْنَعُ صَبِيٌّ.
وَعِبَارَةُ " الْمُغْنِي " وَ " الْكَافِي " وَ " الْبُلْغَةِ " طِفْلٌ. وَفِي " الشَّرْحِ " يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنِ اشْتَدَّ مِنَ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْفَعَةً، وَمَعُونَةً (وَالنِّسَاءِ) لِلِافْتِتَانِ بِهِنَّ مَعَ أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ وَالْجُبْنِ عَلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيُحِلُّونَ مِنْهُنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ امْرَأَةَ أَمِيرِ الْجَيْشِ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم (إِلَّا طَاعِنَةً فِي السِّنِّ) أَيْ: عَجُوزًا (لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى) أَيْ: لِلْمَصْلَحَةِ لِقَوْلِ «الرَّبِيعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَسْتقِي الْمَاءَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَشْتَغِلُونَ بِالْحَرْبِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مَعُونَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَوْفِيرًا لِلْمُقَاتِلَةِ. وَنَهْيُ النِّسَاءِ عَنْ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَصَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِالْكَرَاهَةِ.
الْجَرْحَى. وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ، وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ، وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمِنُ مكْره، وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا (عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرْبِهِ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَيُرْوَى أَيْضًا أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَبِهَذَا حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، مِثْلَ كَوْنِ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ عَدَدًا وَيَخَافُ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِي الْمُسْلِمِينَ. جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَزَادَ آخَرُونَ: وَقَوَّتُهُ بِهِمْ بِالْعَدِّ. وَفِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ، وَرَدَّهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ، وَلَا يُعَاوِنُونَ. وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ وَالْكِتَابَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يُكْرَهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.
فَرْعٌ: تَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ ضَرَرًا لِكَوْنِهِمْ دُعَاةً بِخِلَافِ الْيَهُودِ والنصارى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ (وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ) فَيَسِيرُ بِهِمْ سَيْرَ أَضْعَفِهِمْ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَفْطَفُهُمْ» أَيْ: أَقَلُّهُمْ سَيْرًا، وَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، أَوْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْجِدِّ فِيهِ، جَازَ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَكْرَهُ السَّيْرَ الشَّدِيدَ إِلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَدَّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] . لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ. (وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَبِهِ قِوَامُهُمْ، وَرُبَّمَا طَالَ سَفَرُهُمْ فَيَهْلَكُونَ حَيْثُ لَا زَادَ لَهُمْ. (وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ) فَيَقُولُ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَعِينُ بِهِ النُّفُوسُ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَيَبْعَثُهَا عَلَى
الْعُرَفَاءَ، وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُمُ الْمَنَازِلَ وَيَتَتَبَّعُ مَكَامِنَهَا، فَيَحْفَظُهَا، وَيَبُثُّ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ، وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنَ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي، وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْقِتَالِ لِطَمَعِهَا فِي الْعَدُوِّ (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ الْعُرْفَاءَ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا، وَلِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَيْضًا لِجَمْعِهِمْ وَقَدْ وَرَدَ «الْعِرَافَةُ حَقٌّ» ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ النَّاسِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:«الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ» فَتَحْذِيرٌ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّيَاسَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ (وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ) وَهِيَ الْمَطَارِفُ الْبِيضُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ اللِّوَاءُ: رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إِلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْعَرَبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ. وَهِيَ أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ حِينَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ احْتَبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» . وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ؛ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يُسْتَحَبُّ أَلْوِيَةٌ بِيضٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " كَالْمُحَرَّرِ، وَزَادَ: يُغَايِرُ أَلْوَانَهَا، لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ.
(وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ) عِنْدَ الْحَرْبِ لِمَا رَوَى سَلَمَةُ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمُتْ أَمُتْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا «حم لَا يُنْصَرُونَ» وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نُصْرَةِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا يَهْتَدِي بِهَا إِذَا ضَلَّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَلْيَتَخَيَّرْ لَهُمُ الْمَنَازِلَ) أَيْ: أَصْلَحَهَا كَالْخِصْبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِمْ (وَيَتَتَبَّعْ مَكَامِنَهَا) وَهِيَ جَمْعُ مَكْمَنٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَفِي بِهِ الْعَدُوُّ (فَيَحْفَظُهَا) لِيَأْمَنَ هُجُومَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. (وَيَبُثُّ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فِي غَزَاةِ الْخَنْدَقِ فِي أُخْرَى. وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ. (حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ) فَيَتَحَرَّزُ مِنْهُمْ وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْفُرْصَةِ فِيهِمْ. (وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي) ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا سَبَبُ الْخِذْلَانِ، وَتَرْكَهَا دَاعٍ لِلنَّصْرِ، وَسَبَبُ الظَّفَرِ، وَكَذَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ التِّجَارَةِ الْمَانِعَةِ لَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ. (وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفْلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى بَذْلِ جُهْدِهِ، وَزِيَادَةِ صَبْرِهِ