الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ
يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ، وَأَنْ يَبْلَعَ النُّخَامَةَ، وَهَلْ يُفْطِرُ بِهِمَا؟
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَظْهَرُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ: أَوْ دُونَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، أَمْ كَانَ خَاصًّا بِالْأَعْرَابِيِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ عليه السلام رَخَصَّ لِلْأَعْرَابِيِّ لِحَاجَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ كَفَّارَةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ، وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ لَا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلْأَخْبَارِ. وَعَنْهُ: تَسْقُطُ كَرَمَضَانَ.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ) بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ (فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوُهُ، وَتَابَعَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَفِطْرُهُ كَانَ بِجِمَاعٍ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْمُخَالَفَةِ فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، فَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، وَذَكَرَ سَائِرَهُ» ، وَهَذَا لَفْظُ التَّرْتِيبِ، فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنَ احْتِمَالِهِ فِي سَائِرِ أَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَنَا لَفْظُهُ عليه السلام، وَحَدِيثُهُمْ لَفْظُ الرَّاوِي، فَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرَوَاهُ بِـ " أَوْ ".
[بَابُ مَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ]
ِ. (يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الْفِطْرِ بِهِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصْدًا، وَبِأَنَّهُ إِذَا ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ، (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَبْلَعَ النُّخَامَةَ) إِذَا حَصَلَتْ فِي فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْفِطْرِ بِهَا، (وَهَلْ يُفْطِرُ بِهِمَا؟) أَيْ: بِكُلٍّ مِنَ الرِّيقِ
عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ، وَيُكْرَهُ مَضْغُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَجْمُوعِ، وَالنُّخَامَةِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الرِّيقِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاصِلٍ مِنْ خَارِجٍ أَشْبَهَ إِذَا لَمْ يَجْمَعْهُ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَغُبَارِ الدَّقِيقِ، فَعَلَيْهَا: يَحْرُمُ فِعْلُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ إِلَى بَيْنِ أَصَابِعِهِ أَوْ شَفَتَيْهِ، وَفِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " ظَاهِرُ شَفَتَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَابْتَلَعَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ كَبَلْعِ رِيقِ غَيْرِهِ.
لَا يُقَالُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ، بَلْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصُّهُ في غير حَالَة الصَّوْمِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ ابْتِلَاعِ مَا عَلَيْهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ حَصَاةً أَوْ دِرْهَمًا أَوْ خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَهُ، فَإِنْ كَثُرَ مَا عَلَيْهِ، أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، فِي الْأَصَحِّ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ انْفِصَالِهِ، وَدُخُولِهِ إِلَى حَلْقِهِ كَالْمَضْمَضَةِ، وَلَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الرِّيقَ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ مَحَلِّهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ خِلَافَهُ، (وَأَمَّا النُّخَامَةُ) فَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَدْرِهِ أَوْ دِمَاغِهِ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى فِيهِ، وَصَرَّحَ فِي " الْفُرُوعِ " بِالْفِطْرِ بِالَّتِي مِنْ جَوْفِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَالْقَيْءِ، وَالثَّانِيَةُ: لا يُفْطِرُ نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ لِاعْتِيَادِهَا فِي الْفَمِ كَالرِّيقِ، وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي التَّحْرِيمُ.
فَرْعٌ: إِذَا تَنَجَّسَ فَمُهُ بِدَمٍ أَوْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ، فَبَلَعَهُ، أَفْطَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ؛ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ يَقْتَضِي حَصْرَ الْفِطْرِ بِكُلِّ وَاصِلٍ إِلَيْهِ، لَكِنْ عُفِيَ عَنِ الرِّيقِ لِلْمَشَقَّةِ، وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا، فَابْتَلَعَ رِيقَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ جُزْءٌ مِنَ النَّجَسِ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى حَلْقِهِ فَيُفْطِرَهُ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ
الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ إِلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ، وَمَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ، وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا بَأْسَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، وَحَكَاهُ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ) لِأَنَّ وُجُودَ طَعْمِهِ فِي حَلْقِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُصُولِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِيَ بِالْبَصْقِ. ثُمَّ إِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، لَمْ يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ، وَإِلَّا فَيُفْطِرُ لِتَفْرِيطِهِ.
(وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ) الْقَوِيِّ الَّذِي كُلَّمَا مَضَغْتَهُ صَلُبَ، وَقَوِيَ (الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِبُ الْفَمَ، وَيَجْمَعُ الرِّيقَ، وَيُورِثُ الْعَطَشَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ، وَكَوَضْعِ الْحَصَاةِ فِي فِيهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُعْجِبُنِي.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الصَّائِمِ يَفْتِلُ الْخَيْطَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَبْزُقَ، (وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) مُطْلَقًا إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِإِيصَالِ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ إِلَى جَوْفِهِ مَعَ الصَّوْمِ، وَهُوَ حَرَامٌ (إِلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إِدْخَالُ ذَلِكَ إِلَى جَوْفِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَمَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَفْطَرَ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَهُ إِلَى جَوْفِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَمَّدَ أَكْلَهُ، وَهَذَا وَجْهٌ، وَالثَّانِي: لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمُجَرَّدُ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ، بِخِلَافِ الْكُحْلِ، فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ تَصِلُ إِلَى الْحَلْقِ، وَقِيلَ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا، وَفِطْرِهِ بِوُصُولِهِ أَوْ طَعْمِهِ إِلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ.
(وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ) لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَقَطْ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَإِذَا مُنِعَ الْوَطْءَ، مُنِعَ دَوَاعِيهِ كَالْإِحْرَامِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ
لَا تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ فَإِنْ شُتِمَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ظَنَّ الْإِنْزَالَ مَعَهَا لِفَرْطِ شَهْوَتِهِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ " أَيْضًا، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ سَبَقَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ إِجْمَاعًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ) كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَشَبَهَتْ لَمْسَ الْيَدِ لِحَاجَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ، وَكَالْإِحْرَامِ، وَأَلْحَقَ فِي " الْكَافِي " بِالْقُبْلَةِ اللَّمْسَ، وَتَكْرَارَ النَّظَرِ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا. وَظَاهِرُهُ إِنْ لَمَسَهَا لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَا يُكْرَهُ وِفَاقًا، كَمَا إِذَا لَمَسَ يَدَهَا لِيَعْرِفَ مَوْضِعَهَا وَنَحْوَهُ، وَكَحَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشْبَهَ لَمْسَ ثَوْبِهَا.
فَرْعٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَدَعَ بَقِيَّةَ طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، وَشَمُّ مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسُهُ إِلَى حَلْقِهِ كَسَحِيقِ مِسْكٍ، وَكَافُورٍ، وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِ، وَقَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ.
(وَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَا لَا يُطَابِقُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الصِّدْقِ (وَالْغِيبَةِ) وَهُوَ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ، بِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالشَّتْمُ) وَهُوَ السَّبُّ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ النَّمِيمَةِ وَالْفُحْشِ إِجْمَاعًا، وَفِي رَمَضَانَ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ آكَدُ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ كَانَتِ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ، وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: يُفْطِرُ بِغَيْبَةٍ وَنَمِيمَةٍ، وَنَحْوِهِمَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ: يُفْطِرُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ، وَقَالَ أَنَسٌ إِذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ، أَفْطَرَ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّ مَنْ شَاتَمَ فَسَدَ صَوْمُهُ لِظَاهِرِ النَّهْيِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا