الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ مِثْلَ أَنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْأَوَّلِ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ، وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَثْرَمِ فِيمَنْ جَرَّدَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يَكُنِ مِنْهُ غَيْرُ التَّجْرِيدِ: عَلَيْهِ شَاةٌ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّهُ لَمْسٌ، فَإِنَّ التَّجْرِيدَ لَا يَخْلُو عَنْ لَمْسِ ظَاهِرٍ أَوْ أَنَّهُ أَمْنَى أَوْ أَمْذَى إِذْ مُجَرَّدُهُ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَنْظُرُ إِلَى نِسَائِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، (وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِلْمَرْءِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ وَلَا اخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ دُونَ النَّظَرِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ تَكْرَارِ النَّظَرِ إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْإِنْزَالُ لِقُدْرَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا لِذِكْرِ النِّسْيَانِ، وَذَكَرَهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ، وَالْمَذْهَبُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ، وَالنَّاسِي، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ نِسْيَانٌ غَالِبًا، وَيُفْسِدُ الْعِبَادَةَ أَيْ: الصَّوْمَ بِمُجَرَّدِهِ، وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَعَ سَهْوِهِ.
[حُكْمُ تَكَرُّرِ الْمَحْظُورِ مَنْ جِنْسٍ]
فَصْلٌ (وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ مِثْلَ أَنْ حَلَقَ، ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ وَطِئَ، ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْأَوَّلِ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَ أَوْ وَطِئَهَا أَوْ غَيْرَهَا. فَظَاهِرُهُ لَوْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ لَزِمَهُ دَمٌ قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا بُنِيَتِ الْجُمْلَةُ فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي تَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ كَذَا الْوَاحِدُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي تَكْمِيلِ الدَّمِ، وَلِأَنَّ مَا تَدَاخَلَ مُتَتَابِعًا تَدَاخَلَ مُتَفَرِّقًا كَالْأَحْدَاثِ وَالْحُدُودِ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَوَجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ، (وَإِنْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ إِحْرَامًا فَوَجَبَتْ كَالْأَوَّلِ، وَيُعْتَبَرُ بِالْحُدُودِ، وَالْأَيْمَانِ، وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَطْءٍ كَفَّارَةٌ؛
صَيْدٍ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدَاءٌ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهَا، كَالْأَوَّلِ فَيَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ، وعَنْهُ. وَإِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ الْمَحْظُورِ فَلَبِسَ لِلْحَرِّ، ثُمَّ لِلْبَرْدِ، ثُمَّ لِلْمَرَضِ فَكَفَّارَاتٌ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِذَا لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ مُتَفَرِّقًا، فَكَفَّارَتَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَرِوَايَتَانِ.
(وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ صَيْدًا لَزِمَهُ مِثْلُهُ، وَمَنْ قَتَلَ أَكْثَرَ، لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صُيُودًا مَعًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، فَكَذَا مُتَفَرِّقًا، بَلْ أَوْلَى، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ بَدَلُ مُتْلَفٍ كَبَدَلِ مَالِ الْآدَمِيِّ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] وَلَمْ يُوجِبْ جَزَاءً ثَانِيًا، وَلِأَنَّهُ مَحْظُورٌ أَشْبَهَ غَيْرَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا تَتَعَدَّدُ إِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ، وَنَقَلَ أَيْضًا: إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ ثَانِيًا فَلَا جَزَاءَ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعُقُوبَةِ فِي الثَّانِي لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لِقَوْلِهِ {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] وَلِلْعَامِدِ مَا سَلَفَ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، بَلْ وَقِيَاسُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ مُقَدَّرٌ بِهِ، وَيَخْتَلِفُ بِكِبَرِهِ وَصِغَرِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ) كَحَلَقَ وَلَبِسَ وَطَيَّبَ (فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدَاءٌ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَحْظُورٍ فَلَمْ يَتَعَدَّدْ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَمُوجِبَاتُهَا مُخْتَلِفَةٌ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقِيلَ: إِنْ قَرُبَ الْوَقْتُ لَمْ يَتَعَدَّدِ الْفِدَاءُ، وَإِلَّا تَعَدَّدَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمَحْظُورَاتُ تَتَّحِدُ كَفَّارَتُهَا فَإِنْ تَعَدَّدَتْ فَلَا تَدَاخُلَ.
(وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ، وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) نَصَّ عَلَيْهِ،
مُخْطِئًا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَعَنْهُ فِي الصَّيْدِ: لَا كَفَّارَةَ إِلَّا فِي الْعَمْدِ وَيَتَخَرَّجُ فِي الْحَلْقِ مِثْلُهُ. وَإِنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ، وَسَهْوُهُ كَإِتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ لِأَذًى بِهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى مَعْذُورٍ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا بِالْكِتَابِ، وَمُخْطِئًا بِالسُّنَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: فَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ.
وَقَالَ عُمَرُ: لِيَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ، وَالْعَمْدِ. رَوَاهُ النَّجَّادُ.
(وَعَنْهُ: فِي الصَّيْدِ: لَا كَفَّارَةَ إِلَّا فِي الْعَمْدِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَشْغَلُهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ فِيهِ الْجَزَاءَ، وَفِي بَيْضِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْإِحْرَامَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا، لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ، وَخَصَّ الْعَمْدَ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ الْوَعِيدِ فِي آخِرِهَا، وَلِأَنَّ مَا سَبَقَ أَخَصُّ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ، وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ دُونَ الْعَمْدِ، وَهُوَ غَرِيبٌ.
(وَيَتَخَرَّجُ فِي الْحَلْقِ مِثْلُهُ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، أَيْ: لَا تَجُبِ الْكَفَّارَةُ إِلَّا فِي الْعَمْدِ لِعُمُومِ " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ "، وَلِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِسَبَبٍ فِي إِحْرَامِهِ أَشْبَهَ الصَّيْدَ، وَقَصَرَ الْمُؤَلِّفُ التَّخْرِيجَ فِي الْحَلْقِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الثَّانِي مِثْلُهُ.
فَرْعٌ: الْمُكْرَهُ عِنْدَنَا كَالْمُخْطِئِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، (وَإِنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، (فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ: عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ رَوَيْتُهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. . . . . . وَذَكَرَهُ،
وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ. وَمِنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ. وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ، وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ فَأَمَرَهُ بِخَلْعِهَا وَغَسْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفِدْيَةٍ» ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ جَرِيمَةَ الْإِحْرَامِ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْحَالِقَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ تَلَافِي مَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ اللَّابِسِ، وَالْمُتَطَيِّبِ، وَالْمُغَطِّي رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِإِزَالَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَمْدَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، لَكِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ خَطَأٌ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، (وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ) أَيْ: قَطَعَ مِنْهُ النُّسُكَ، (ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا) فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالرَّفْضِ وِفَاقًا، لِكَوْنِ أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ مَا فَعَلَهُ فِي الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْإِحْرَامَ كَفِعْلِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الرَّفْضِ، وَعَنْهُ: كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، وَفِي التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": يَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ، وَفِي مُفْرَدَاتِهِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَسُرْعَةُ الْحُصُولِ فَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا انْعَقَدَ، وَحُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ، (وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتَدَامَتُهُ، لَكِنْ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ لَهُ لُبْسُهُ مَا لَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنِ ابْتِدَاءِ الطِّيبِ دُونَ اسْتَدَامَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِدَامَةِ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ، (وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ) أَيْ: بَعْدَ إِحْرَامِهِ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانُ» (وَإِنْ أَحْرَمَ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ) أَوْ سَرَاوِيلُ
قَمِيصٌ، خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقُّهُ فَإِنِ اسْتَدَامَ لُبْسُهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إِذَا رَشَّ فِيهِ مَاءً، هَاجَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَوْ جُبَّةٌ، وَلَوْ عَبَرَ بِالْمَخِيطِ لَعَمَّ (خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقُّهُ) لِحَدِيثِ يَعْلَى، وَلَوْ وَجَبَ شَقُّهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ لَأَمَرَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلِمَا فِي الشَّقِّ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا (فَإِنِ اسْتَدَامَ لُبْسُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّ خَلْعَهُ وَاجِبٌ، لِلْأَمْرِ بِهِ فَوَجَبَتِ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ تُسَمَّى لُبْسًا لِقَوْلِهِمْ لَبَسْتُ شَهْرًا. لَا يُقَالُ قَدْ أَمَرَهُ بِغَسْلِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ، وَرَدَ مَا يَقْتَضِي اسْتِدَامَةَ الطِّيبِ دُونَ لُبْسِهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ رَاجِعٌ عَلَى حَدِيثِ صَاحِبِ الْجُبَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ بِهَا أَثَرُ الْخَلُوقِ، وَفِي بَعْضِهَا، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، وَفِي بَعْضِهَا «عَلَيْهِ رَدَعٌ مِنْ زَعْفَرَانَ» فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ كَانَ مِنْ زَعْفَرَانَ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَفِيهِ أَوْلَى؛ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْهُ، الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ عَامَ الْجِعْرَانَةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ سَنَةَ عَشْرٍ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ، وَالْحُكْمُ لَهُ.
(وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إِذَا رَشَّ فِيهِ مَاءً هَاجَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّهُ مُطَيَّبٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ رَائِحَتَهُ تَظْهَرُ عند رَشَّ الْمَاءَ، والماء لَا رَائِحَةَ لَهُ أَشْبَهُ مَا لَوْ ظَهَرَ بِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ الْآنَ، أَشْبَهَ الَّذِي لَمْ يَتَطَيَّبْ أَصْلًا.
تَنْبِيهٌ: الْقَارِنُ كَغَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّهُمَا حُرْمَتَانِ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِحْرَامَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ، وَنِيَّةَ الْحَجِّ غَيْرُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ، وَاخْتَارَ جَمْعٌ أَنَّهُ إِحْرَامٌ وَاحِدٌ كَبَيْعِ دَارٍ وَعَبْدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ جَزَاءَانِ ذَكَرَهَا فِي " الْوَاضِحِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي تَخْرِيجًا إِنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ، وَخَصَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِالصَّيْدِ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِحْرَامٍ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَكَمَا لَوْ وَطِئَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ.