الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ
قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا، وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَسَدَ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ فِدْيَةٌ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ الْخِطْبَةُ كَخِطْبَةِ الْعَقْدِ وَشُهُودِهِ، وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، كَتَحْرِيمِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ، وَتُكْرَهُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهَا الْقَاضِي، وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ: لَا يَخْطُبُ. قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ:" وَلَا تَشْهَدْ " فَلَا يَصِحُّ.
[الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ]
فَصْلٌ (الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْجِمَاعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يَعْنِي الْجِمَاعَ، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَفْسُدُ النُّسُكُ بِهِ، وَفِي " الْمُوَطَّأِ ": بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ: إِذَا كَانَ أَصْلِيًّا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "(قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْغُسْلِ، وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ: لَا يَفْسُدُ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ مِنْ عَدَمِ الْحَدِّ، أَشْبَهَ الْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ، وَأَطْلَقَ الْحُلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، لَا يَفْسُدُ، وَعَلَيْهِ شَاةٌ (فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ) لِمَا قُلْنَا. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَلِأَنَّهُ جِمَاعٌ صَادَفَ إِحْرَامًا تَامًّا كَقَبْلَ الْوُقُوفِ.
وَقَوْلُهُ «الْحَجُّ عَرَفَةُ» أَيْ: مُعْظَمُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْنِ الْفَوَاتِ أَمْنُ الْفَسَادِ، بِدَلِيلِ الْعُمْرَةِ، وَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ (عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ
فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلًا، وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الصَّحَابَةِ قَضَوْا بِفَسَادِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحَالُ لَوَجَبَ الْبَيَانُ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَاسْتَوَيَا كَالْفَوَاتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ رُكْنٍ فَأُفْسِدَ، وَالْوَطْءُ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي. وَفِي " الْفُصُولِ " رِوَايَةٌ " لَا يُفْسِدُ " اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُطَاوِعَةَ كَالرَّجُلِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مِنْهُمَا، بِدَلِيلِ الْحَدِّ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ مِنْهَا، ذَكَرَ جَمَاعَةٌ كَالصَّوْمِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالصَّوْمِ (وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكْمُهُ كَإِحْرَامٍ صَحِيحٍ نَقَلَهُ الْجُمْهُورُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ أَمَرَ الْمُجَامِعَ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَعْنَى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْهُ كَالْفَوَاتِ، وَنَقَلَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَجَّ عُمْرَةً، (وَ) يَلْزَمُهُمَا (الْقَضَاءُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا: أَتِمَّا حَجَّكُمَا ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى قَابِلَ حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتَهَا فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا وَلَا يُؤَاكِلْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا وَأَهْدِيَا» وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَهَذَا مِنْهَا، وَرَوَى سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي أَفْسَدَهَا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوِ النَّذْرِ أَوْ قَضَاءً، لَكِنْ إِذَا أَفْسَدَهُ، فَإِنَّهُ يَقْضِي الْوَاجِبَ، لَا الْقَضَاءَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّفْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَعَنْهُ: لَا قَضَاءَ فِيهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ هُوَ (عَلَى الْفَوْرِ) لِتَعَيُّنِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلًا) أَيْ: يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الْمِيقَاتِ أَوْ إِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمِيقَاتُ أَبْعَدَ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَجَاوُزُهُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ إِحْرَامِهِ أَبْعَدَ لَزِمَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَإِلَّا لَزِمَهُمَا مِنَ الْمِيقَاتِ نصا، (وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:
عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَعَلَى الزَّوْجِ، وَيَتَفَرَّقَانِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ إِلَى أَنْ يُحِلَّا. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَيَمْضِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَأَهْدِيَا هَدْيًا أَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِمَا، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهْدِ نَاقَةً، وَلْتَهْدِ نَاقَةً. وَلِأَنَّهَا بِمُطَاوَعَتِهَا أَفْسَدَتْ نُسُكَهَا فَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ، (وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَعَلَى الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُفْسِدُ لِنُسُكِهَا فَكَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا كَنَفَقَةِ نُسُكِهِ (وَيَتَفَرَّقَانِ) فِي الْقَضَاءِ (مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا سَلَفَ، وَعَنْهُ: مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا (إِلَى أَنْ يُحِلَّا) ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ خَوْفُ الْمَحْظُورِ فَجَمِيعُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ، وَمُرَادُهُ بِالتَّفْرِيقِ: أَنْ لَا يَرْكَبَ مَعَهَا فِي مَحْمَلٍ، وَلَا يَنْزِلُ مَعَهَا فِي فُسْطَاطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ يَكُونُ بِقُرْبِهَا يُرَاعِي حَالَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَحْرَمُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُهُ، (وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ذَكَرَ إِذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ فَسَوَّقَ نَفْسَهُ فَوَاقَعَ الْمَحْذُورَ وَهَذَا وَهْمٌ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إِذَا أَفْسَدَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَبْلَغُ فِي مَنْعِ الدَّاعِي لِمَنْعِهِ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَالطِّيبِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ حُكْمًا لِلْمُجَامِعِ فَكَانَ، وَاجِبًا كَالْقَضَاءِ.
تَنْبِيهٌ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ كَالْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا، أَوْ مُجَاوِرًا بِهَا، أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ مِنَ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتُهَا سَوَاءٌ أَحَرَمَ بِهَا مِنْهُ، أَوْ مِنَ الْحَرَمِ، وَإِنْ أَفَسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ، وَمَضَى فِيهَا فَأَتَمَّهَا قَالَ أَحْمَدُ: يَخْرُجُ مِنَ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ، أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ؛ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ عُمْرَتِهِ.
(وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ) أَيْ: بَعْدَ زَمَنِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) فِي
لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ: يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَحَلُّلَانِ، فَوُجُودُ الْمُفْسِدِ بَعْدَ أَوَّلِهِمَا لَا يُفْسِدُهَا، كَمَا بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ كَالْأَوَّلِ إِنْ بَقِيَ إِحْرَامُهُ، وَفَسَدَ بِوَطْئِهِ، وَقَوْلِهِ فِي " التَّنْبِيهِ ": مَنْ وَطِئَ مِنَ الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَسَدَ حَجُّهُ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ، فَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَلَمْ يَرْمِ، فَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ تَمَّتْ أَرْكَانُهُ كُلُّهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، لِوُجُودِهِ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ، (وَيَمْضِي إِلَى التَّنْعِيمِ) وَهُوَ مِنَ الْحِلِّ بَيْنَ مَكَّةَ، وَسَرِفَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَسُمِّي بِهِ؛ لِأَنَّ جَبَلًا عَنْ يَمِينِهِ اسْمُهُ نُعَيْمٌ، وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ اسْمُهُ نَاعِمٌ، وَالْوَادِي نَعْمَانُ بِفَتْحِ النُّونِ (فَيُحْرِمَ لِيَطُوفَ) ؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ قَدْ فَسَدَ بِالْوَطْءِ فَلَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْحِلِّ؛ لِيَقَعَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الْإِحْرَامُ مِنَ التَّنْعِيمِ شَرْطًا فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، وَلَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ تَبِعَ الْخِرَقِيَّ، وَهُوَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْحِلِّ إِلَى مَكَّةَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الطَّوَافِ إِذَا كَانَ قَدْ سَعَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعي طَافَ لِلزِّيَارَةِ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إِنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنَ الْحَجِّ.
هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الْخِرَقِيُّ فَقَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ: إِنَّهُ يَعْتَمِرُ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا عُمْرَةً حَقِيقةً فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَيُقَصِّرُ وَعَلَى هَذَا نُصُوصُ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ إِحْرَامٌ مُسْتَأْنَفٌ فَكَانَ فِيهِ طَوَافٌ، وَسَعْيٌ، وَتَقْصِيرٌ كَالْعُمْرَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْحَجِّ، بِدَلِيلِ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ: أَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ، وَذَكَرَهُ