الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجِزْيَةِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ.
وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
هَؤُلَاءِ حَمْقَى رَضُوا بِالْمَعْنَى، وَأَبَوْا الِاسْمَ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى بِالصَّدَقَةِ، فَكَانَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَهَا. وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَخَصُّ مِنَ الِاسْمِ، وَلَوْ كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَجَازَ دَفْعُهَا إِلَى فُقَرَاءِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُمْ، كَصَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29]«وَلِقَوْلِهِ عليه السلام لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» ، وَهُمْ عَرَبٌ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْلُ نَجْرَانَ، وَكَانُوا نَصَارَى، وَأَخَذَهَا مِنْ أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَحُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ كِتَابِيٍّ، عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، إِلَّا مَا خُصَّ بِهِ بَنُو تَغْلِبَ لِمُصَالَحَةِ عُمَرَ إِيَّاهُمْ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمْ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ لِأَوْجُهٍ. (وَقَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، أَشْبَهُوا بَنِي تَغْلِبَ، وَذَكَرَ هُوَ وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخٍ، وَتَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ، وَتَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ حُكْمُ بَنِي تَغْلِبَ سَوَاءٌ. وَقِيلَ: لَا، وَاخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَحَكَاهُ نَصُّ أَحْمَدَ.
فَرْعٌ: لِلْإِمَامِ مُصَالَحَةُ مِثْلِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا خَشِيَ ضَرَرَهُ بِقُوَّةِ شَوْكَةٍ، وَأَبَاهَا إِلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً، نَصَّ عَلَيْهِ.
[مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ]
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ) لِأَنَّ مِثْلَهُمْ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى – {قَاتِلُوا} وَالْمُقَاتَلَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنِ اضْرِبُوا الْجِزْيَةَ، وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. (وَلَا امْرَأَةٍ) لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ بَذَلَتْهَا أُخْبِرَتْ بِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِهَا، قُبِلَتْ، وَتَكُونُ هِبَةً تَلْزَمُ
مَجْنُونٍ، وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا فَقِيرٍ يَعْجَزُ عَنْهَا وَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ، أَوِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِالْقَبْضِ؛ فَإِنْ شَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ بَذَلَتْهَا لِدُخُولِ دَارِنَا، مَكَثَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَلْتَزِمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَتُعْقَدَ لَهَا الذِّمَّةُ. وَفِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَجْهَانِ؛ جَزَمَ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّهَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رَجُلًا؛ فَإِنْ بَانَ رَجُلًا فَلِلْمُسْتَقْبَلِ، وَيَتَوَجَّهُ وَلِلْمَاضِي. (وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّبِيِّ. (وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى) وَلَا شَيْخٍ فَانٍ، وَلَا مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُمْ، كَمَنْ بِهِ دَاءٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ مَعَهُ، وَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَهَؤُلَاءِ دِمَاؤُهُمْ مَحْقُونَةٌ بِدُونِهَا كَالنِّسَاءِ. (وَلَا عَبْدٍ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا جِزْيَةَ عَلَى عَبْدٍ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ إِيجَابَهَا عَلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ، أَوْ لِكَافِرٍ؛ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ، وَتَسْقُطُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُكَاتِبًا قَالَ أَحْمَدُ: الْمَكَاتِبُ عَبْدٌ.
فَرْعٌ: إِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. وَعَنْهُ: يُقَرُّ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَضَعَّفَهَا الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ: لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ
اسْتَغْنَى فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ، وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، لُفِّقَتْ إِفَاقَتُهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَوْلًا، أُخِذَتْ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ إِفَاقَتِهِ مِنْهُ، وَتُقَسَّمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ، فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا لِوَلَايَتِهِ عَلَيْهِ، كَالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَقًا بَعْضُهُ فَيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ جِزْيَتِهِ كَالْإِرْثِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. (وَلَا فَقِيرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِأَنَّهَا مَالٌ يَجِبُ بِحُلُولِ الْحَوْلِ، فَلَمْ يَلْزَمِ الْفَقِيرَ كَالزَّكَاةِ (يَعْجِزُ عَنْهَا) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ خَرَاجُ الرُّءُوسِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ بِقَدْرِ الْغَلَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ، لَمْ يَجِبْ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ، وَفِي الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَنْهَا احْتِمَالٌ بِالْوُجُوبِ كَالْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ عَلَى الْأَصَحِّ.
تَنْبِيهٌ: لَا تَلْزَمُ رَاهِبًا بِصَوْمَعَةٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " بِهَا.
وَفِيهِ وَجْهٌ: تَجِبُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَضَهَا عَلَى الرُّهْبَانِ، عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ إِلَّا بُلْغَتُهُ. وَفِي اتِّجَارِهِ أَوْ زِرَاعَتِهِ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ فَيَلْزَمُهُ إِجْمَاعًا.
(وَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ أَوِ اسْتَغْنَى) أَوْ عَتَقَ (فَهُوَ مِنْ أَهْلُهَا) أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدُهُ لِمَنْ ذَكَرَ، لِكَوْنِ أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ مَعَ سَادَتِهِمْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْتِزَامِ الْعَقْدِ، وَبَيْنَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، فَيُجَابُ إِلَى مَا يَخْتَارُ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ (تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِلسَّنَةِ (بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ) فَعَلَيْهِ، إِنْ صَارَ أَهْلًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نِصْفِهِ، فَنِصْفُهَا عَلَى هَذَا الْحِسَابِ. وَلَا يُتْرَكُ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلًا مِنْ حِينِ وُجِدَ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِفْرَادِهِ بِحَوْلٍ، وَضَبْطُ كُلِّ إِنْسَانٍ بِحَوْلٍ يَشُقُّ وَيَتَعَذَّرُ. (وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ لُفِّقَتْ إِفَاقَتُهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. (فَإِذَا بَلَغَتْ) إِقَامَتُهُ (حَوْلًا أُخِذَتْ مِنْهُ) لِأَنَّ حَوْلَهُ لَا يَكْمُلُ إِلَّا حِينَئِذٍ (وَيُحْتَمَلُ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ (أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ إِفَاقَتِهِ مِنْهُ) لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِحِسَابِهِ
وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ. وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ، سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ. وَقِيلَ فِيمَنْ لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ.
1 -
(وَتُقَسَّمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ؛ (فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) وَهِيَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) وَهِيَ دِينَارَانِ (وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ) وَهِيَ دِينَارٌ لِفِعْلِ عُمَرَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ.
وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ عليه السلام لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ، قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، وَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَيْسَتْ عِوَضًا عَنْ سُكْنَى الدَّارِ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ عَلَى النِّسَاءِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُنَّ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ أَخْذُ الْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام أَوْ عَدْلِهِ مَعَافِرٌ، وَلِتَغْلِيبِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهَا، وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهِمْ كَثِيَابِهِمْ.
(وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا، فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَقِيلَ: مَنْ مَلَكَ نِصَابًا - وَحُكِيَ رِوَايَةً - فَهُوَ غَنِيٌّ كَالْمُسْلِمِ، وَعَنْهُ: مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَهُوَ غَنِيٌّ.
(وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَ قَبُولُهُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام لِمُعَاذٍ «ادْعُهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» (وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ) لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ
وَإِنْ مَاتَ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ. وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا. وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا، وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ، وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ إِلَيْهِمْ بِأَخْذِ الْمَالِ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ عليه السلام «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ سَبَّبَهَا الْكُفْرُ فَسَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ، وَفِي " الْإِيضَاحِ " لَا تَسْقُطُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: تَجِبُ بِقِسْطِهِ (وَإِنْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَكَمَا لَوْ طَرَأَ مَانِعٌ فِي الْأَصَحِّ (وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ) لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فَسَقَطَتْ بِهِ كَالْحَدِّ.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِالْمَوْتِ، وَتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ.
(وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ، اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا) وَلَمْ يَتَدَاخَلْ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا حَقُّ مَالٍ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ يَتَدَاخَلْ كَالدِّيَةِ (وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ) لِأَنَّهَا مَالٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَلَمْ تُؤْخَذْ قَبْلَهُ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ نَقْضَ أَمَانِهِ، فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنَ الْعِوَضِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَيَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ (وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا) مِنْهُمْ. (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، فَلَا يُقْبَلُ إِرْسَالُهَا، لِزَوَالِ الصَّغَارِ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا، وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: الصَّغَارُ: الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ، وَجَرَيَانُ أَحْكَامِنَا
الْمُسْلِمِينَ، وَتُبَيَّنُ أَيَّامُ الضِّيَافَةِ وَقَدْرُ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ، وَعَدَدُ مَنْ يُضَافُ، وَلَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ. فَإِذَا تَوَلَّى إِمَامٌ، فَعَرَفَ قَدْرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا، وَلَا يُشْتَطُّ عَلَيْهِمْ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَلِأَنَّ فِي هَذَا ضَرْبًا مِنَ الْمَصْلَحَةِ. (وَتُبَيَّنُ أَيَّامُ الضِّيَافَةِ وَقَدْرُ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدُ مَنْ يُضَافُ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ فِي " الْوَجِيزِ " عَلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ حَقٌّ وَجَبَ فِعْلُهُ، فَوَجَبَ بَيَانُهُ كَالْجِزْيَةِ. فَلَوْ شَرَطَ الضِّيَافَةِ وَأَطْلَقَ جَازَ. ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ كَالْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُكَلَّفُونَ إِلَّا مِنْ طَعَامِهِمْ وَإِدَامِهِمْ؛ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُمُ الشَّعِيرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ. وَالظَّاهِرُ: بَلَى لِلْخَيْلِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، فَهُوَ كَالْخُبْزِ لِلرَّجُلِ.
مَسْأَلَةٌ: تُقَسَّمُ الضِّيَافَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ فَإِنْ جَعَلَ الضِّيَافَةَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ جَازَ؛ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَبْلُغَ قَدْرُهَا أَصْلَ الْجِزْيَةِ إِذَا قُلْنَا: هِيَ مُقَدَّرَةٌ؛ لِئَلَّا يَنْقُصَ خَرَاجُهُ عَنْ أَقَلِّهَا. (وَلَا تَجِبُ) الضِّيَافَةُ (مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا أَدَاءُ مَالٍ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ كَالْجِزْيَةِ (وَقِيلَ: تَجِبُ) بِغَيْرِ شَرْطٍ لِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالْكَافِرِ.
فَعَلَى هَذَا تَجِبُ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ، فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا لَمْ تُعْقَدْ لَهُمُ الذِّمَّةُ، فَلَوْ قَبِلُوا، وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ مِنَ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِالْقِتَالِ، قُوتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا، انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ.
جِزْيَتِهِمْ وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَإِنْ بَانَ لَهُ كَذِبُهُمْ، رَجَعَ عَلَيْهِمْ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ. وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ، كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَحُلَاهُمْ، وَدِينَهُمْ، وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ أَوِ اسْتَغْنَى أَوْ أَسْلَمَ، أَوْ سَافَرَ، أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ، أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(فَإِذَا تَوَلَّى إِمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِمْ وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُجَدِّدُوا لِمَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ عَقْدًا، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ، وَعَقْدٌ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ قَوْلُهُ؛ فَعُرِفَ إِمَّا بِمُبَاشَرَتِهِ مِنْ قَبْلُ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ ظَهَرَ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " ثُبُوتَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) ذَلِكَ (رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ) فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَالظَّاهِرُ صِدْقُهُمْ، فَإِنِ اتَّهَمَهُمْ، فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ (فَإِنْ بَانَ) أَوْ ظَهَرَ (لَهُ كَذِبُهُمْ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ (رَجَعَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّقْصِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لِلْإِمَامِ الْمُتَجَدِّدِ أَخْذُهُ كَالْأَوَّلِ. (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ، وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ بِاجْتِهَادِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ سَابِقٌ. وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". (وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ) فَيَقُولُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ. (وَحِلَاهُمْ) جَمْعُ حِلْيَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْحِلْيَةُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ، وَسُمْرَةٍ وَبَيَاضٍ؛ أَدْعَجَ الْعَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ، وَنَحْوِهَا. (وَدِينَهُمْ) أَيْ: يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا) وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ (يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُجَدَّدَ بِهِ (أَوِ اسْتَغْنَى أَوْ أَسْلَمَ) لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهِ (أَوْ سَافَرَ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مَعَ السَّفَرِ (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ) أَيْ: الذِّمَّةَ الْمَعْقُودَةَ لَهُ، (أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ) لِيَفْعَلْ فِيهِ الْإِمَامُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ.
خَاتِمَةٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ عَقْدِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ جَوَازَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ