الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ
وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ، فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ، وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَرْسَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُمْسِكِ، لِتَأَكُّدِهِ، وَإِنَّ عَكْسَهُ الْمَالُ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
[بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ]
[حُكْمُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ]
بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ (وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعَضَّدُ شَوْكُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَحْرُمُ عَلَى دَالٍّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ حَرَامًا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا حُرِّمَتْ بِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَهَا أَيْ: أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا، وَبَيَّنَهُ.
(فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ، وَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْجَزَاءِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، وَإِلَّا بِقِيمَتِهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُضْمَنُ مِنَ الْإِحْرَامِ يُضْمَنُ فِي الْحَرَمِ إِلَّا الْقَمْلَ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرِّمَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِأَجْلِ الرَّفَهِ، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ كَالطِّيبِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ جَزَاءَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى.
فَرْعٌ: إِذَا دَلَّ مُحِلٌّ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ، ضَمِنَاهُ بِجَزَاءٍ وَاحِدٍ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ.
كَلْبَهُ عَلَيْهِ، أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِيهِ، فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَتَلَ مِنَ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ أَوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً فِي الْحَرَمِ، فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحِلِّ، لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِيهِ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَهَذَا مِنْ صَيْدِهِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ صَيْدَهُ مَعْصُومٌ مَحَلُّهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، فَلَا يَخْتَصُّ مَنْ فِي الْحَرَمِ، وَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الْفِرَاخَ دُونَ أُمِّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إِذِ الْقَاتِلُ حَلَالٌ مِنَ الْحِلِّ، (وَإِنْ قَتَلَ مِنَ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ أَوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ بِمَعْصُومٍ.
وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُهُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا اعْتِبَارًا بِالْقَاتِلِ، وَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْحَرَمِ، وَالْغُصْنُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، فَوَجَبَ الْجَزَاءُ احْتِيَاطًا، وَقَدَّمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": يَجِبُ ضَمَانُ الْفَرْخِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ، وَإِنْ فَرَّخَ فِي مَكَانٍ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلِهِ عَنْهُ بِالْخِلَافِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا وَقَفَ صَيْدٌ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ، وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ، حُرِّمَ تَغْلِيبًا، وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ فَقَطْ فِيهِ، فَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فِي الْحَرَمِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ، ضَمِنَهُ
فَصْلٌ وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ إِلَّا الْيَابِسَ وَالْإِذْخِرَ وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ بَلْ دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ أَشْبَهُ مَا لَوِ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا بِإِرْسَالِ طَيْرٍ عَلَيْهِ، أَشْبَهُ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ، وَحَكَى صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَ الصَّيْدُ قَرِيبًا مِنَ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". فَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ صَيْدًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَيْهِ كَاسْتِرْسَالِهِ، وَعَنْهُ: بَلَى لِتَفْرِيطِهِ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا أَشْبَهُ مَا لَوْ رَمَى حجرا، فأصاب صَيْدًا، إِذِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَاحِدٌ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبِهِ فَارَقَ الْكَلْبُ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا وَقَصْدًا، وَفِي " الْفُرُوعِ ": إِنْ قَتَلَ السَّهْمُ صَيْدًا غَيْرَ الَّذِي قَصَدَهُ فَكَالْكَلْبِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ الرَّامِي.
فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ الْبَرِّيِّ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ «وَلَا يُعَضَّدُ شَجَرُهَا» فَدَخَلَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَالشَّوْكِ، وَالْعَوْسَجِ قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ بِطَبْعِهِ كَالسِّبَاعِ، (وَحَشِيشِهِ) لِقَوْلِهِ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» قَالَ: أَحْمَدُ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ لَا يُحْتَشُّ مِنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ، وَيَعُمُّ الْأَرَاكَ، وَالْوَرَقَ (إِلَّا الْيَابِسَ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَكَذَا مَا انْكَسَرَ، وَلَمْ يُبْنَ فَإِنَّهُ كَظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ، وَلَا بِأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا
وَفِي جَوَازِ الرَّعْيِ وَجْهَانِ، وَمَنْ قَلَعَهُ ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ، وَالْحَشِيشَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
زَالَ بِغَيْرِ فِعْلٍ آدَمِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْقَطْعِ، (وَالْإِذْخِرَ) لِقَوْلِهِ عليه السلام لِلْعَبَّاسِ «إِلَّا الْإِذْخِرَ» وَيُلْحَقُ بِهِ الْكَمْأَةُ، وَالثَّمَرَةُ، (وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ) ؛ لِأَنَّ فِي تَحْرِيمِهِ ضَرَرًا عَلَى مَنْ زَرَعَهُ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرَعًا فَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصُهُ بِالزَّرْعِ مِنَ الْبَقْلِ وَالرَّيَاحِينِ وَالزَّرْعِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّرْعِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَنْعُ فِيمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنَ الشَّجَرِ، وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يُبَاحُ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنَ الْأَشْجَارِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْبَنَّا فِي " خِصَالِهِ " بِالْجَزَاءِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَطْعِ شَجَرِهَا، وَكَمَا لَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحَرَمِ أَوَّلًا فَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ غَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِنَّ مَا أَنْبَتَهُ مِنْ جِنْسِ شَجَرِهِمْ لَا يَحْرُمُ كَجَوْزٍ، وَنَخْلٍ كَالزَّرْعِ، وَالْآهِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فإنا إِنَّمَا أَخْرَجْنَا مِنَ الصَّيْدِ مَا كَانَ أَصْلُهُ إِنْسِيًّا دُونَ مَا تَأْنَسُ مِنَ الْوَحْشِ، كَذَا هُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ فَيَعُمُّ الْأَشْجَارَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْأَصْلِ كَالْأَنْعَامِ، وَالْجَوَابُ عَنِ النَّهْيِ بِأَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ هُوَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ، وَهَذَا مُضَافٌ إِلَى مَالِكِهِ فَلَا يَعُمُّهُ الْخَبَرُ.
(وَفِي جَوَازِ الرَّعْيِ) أَيْ: رَعْيِ حَشِيشِهِ (وَجْهَانِ) وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ: إحداهما: الْمَنْعُ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ إِتْلَافُهُ بِنَفْسِهِ حَرُمَ أَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِ مَا يُتْلِفُهُ كَالصَّيْدِ، وَعَكْسُهُ الْإِذْخِرُ.
وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفَصٍ الْعُكْبَرِيُّ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تَدْخُلُ الْحَرَمَ فَتَكْثُرُ فِيهِ فَلَمْ يُنْقَلْ شَدُّ أَفْوَاهِهَا، وَلِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ كَالْإِذْخِرِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْخِلَافُ إِنْ أَدْخَلَهَا لِلرَّعْيِ، فَإِنْ أَدْخَلَهَا لِحَاجَتِهِ، فَلَا ضَمَانَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " إِنِ احْتَشَّهُ لَهَا
بِقِيمَتِهِ، وَالْغُصْنَ بِمَا نَقَصَ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَكَرَعْيِهِ (وَمَنْ قَلَعَهُ) أَيْ: شَجَرَ الْحَرَمِ وَحَشِيشَهُ (ضَمِنَ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ (الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ) جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الدَّوْحَةِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْجَزْلَةِ شَاةٌ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَالدَّوْحَةُ الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْجَزْلَةُ: الصَّغِيرَةُ وَكَالْمُتَوَسِّطَةِ، وَعَنْهُ: فِي الْكَبِيرَةِ بَدَنَةٌ (وَالْحَشِيشَ) وَالْوَرَقَ (بِقِيمَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ تَرَكَ فِيمَا تَقَدَّمَ لَفْظَ الصَّحَابَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، (وَالْغُصْنُ مَا نَقَصَ) كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ فَوَجَبَ فِيهِ بمَا نَقَصَهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَالِ آدَمِيٍّ فَنَقَصَ، وَعَنْهُ: فِي الْغُصْنِ الْكَبِيرِ شَاةٌ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِقِيمَتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرِّرِ ".
فَعَلَى هَذَا إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمِثْلَ قَوَّمَهُ، ثُمَّ صَامَ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " يُخَيَّرُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا، وَيَفْعَلُ بِثَمَنِهَا كَجَزَاءِ صَيْدٍ، وَفِي " الْفُصُولِ " مَنْ لَمْ يَجِدْ، قَوَّمَ الْجَزَاءَ طَعَامًا كَصَيْدٍ (فَإِنِ اسْتَخَلَفَ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَ آدَمِيٍّ، ثُمَّ نَبَتَ، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ شَعْرًا ثُمَّ عَادَ، وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْطُوعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالصَّيْدِ، وَقِيلَ: يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ قَاطِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ فَهُوَ كَقَلْعِ الرِّيحِ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَلَعَ شَجَرَةً مِنَ الْحَرَمِ فَغَرَسَهَا فِيهِ فَنَبَتَتْ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهَا، وَلَمْ يُزِلْ حُرْمَتَهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ، ضَمِنَ نَقْصَهَا أَوْ يَبِسَتْ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا، وَإِنْ غَرَسَهَا فِي الْحِلِّ فَنَبَتَتْ، رَدَّهَا لِإِزَالَةِ حُرْمَتِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ يَبِسَتْ ضَمِنَهَا، وَإِنْ قَلَعَهَا غَيْرُهُ فِي الْحِلِّ فَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِخِلَافِ مَنْ نَفَّرَ صَيْدًا، فَخَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ لَا قَاتِلُهُ؛ لِتَفْوِيتِهِ حُرْمَتَهُ بِإِخْرَاجِهِ، وَيُحْتَمَلُ فِيمَنْ قَلَعَهُ أَنَّهُ كَدَالٍّ مَعَ قَاتِلٍ، فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رُدَّ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ.
قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ، وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْأَصْلِ مِنَ الْحَرَمِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَالصَّيْدِ، (وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ".
فَائِدَةٌ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حَدَّ الْحَرَمِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا، وَمِنَ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ إِضَاءَةِ لِينٍ، وَمِنَ الْعِرَاقِ كَذَلِكَ عَلَى ثَنِيَّةِ زُحَلَ جَبَلٍ بِالْمُنْقَطِعِ، وَمِنَ الطَّائِفِ وَعَرَفَاتٍ وَبَطْنِ نَمِرَةَ كَذَلِكَ عِنْدَ طَرَفِ عُرَنَةَ، وَمِنَ الْجِعْرَانَةُ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ جُدَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ عند مُنْقَطِعُ الْأَعْشَاشِ، وَمِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُخْرِجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَلَا يُدْخِلُ مِنَ الْحِلِّ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا يُخْرِجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إِلَى الْحِلِّ، وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ وَاقْتَصَرَ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ إِخْرَاجُهُ إِلَى الْحِلِّ، وَفِي إِدْخَالِهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ، وَفِي " الْفُصُولِ ": لَا يَجُوزُ فِي تُرَابِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهَا يُكْرَهُ أَيْضًا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ، كَتُرَابِ الْحَرَمِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يَحْرُمُ لِأَنَّ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ انْتِفَاعًا بِالْمَوْقوفِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِطِيبِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُلْزِقُ عَلَيْهَا طِيبًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ، فَأَمَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَلَا يُكْرَهُ إِخْرَاجُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: أَخْرَجَهُ كَعْبٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْمِلُهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ كَالثَّمَرَةِ.