الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدٌ بِالْقَرْعَةِ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ. .
وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُقِيمُونَ سَنَةً إِلَّا بِجِزْيَةٍ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ، أَوْ تَاجِرٌ، وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا، خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، أَوْ حَمَلَتْهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[جَوَازُ عَقْدِ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ]
(وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُلُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمَّا «جَاءَهُ رُسُلُ مُسَيْلِمَةَ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمْ»
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ
، إِذْ لَوْ قُتِلَ، لَفَاتَتْ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ عَقْدِ الْأَمَانِ لِكُلٍّ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَمُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَطَوِيلَةٍ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إِلَّا مُقَيَّدَةً؛ لِأَنَّ فِي جَوَازِهَا مُطْلَقًا تَرْكًا لِلْجِهَادِ. (وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ) أَيِ: الْأَمَانَ (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي دَارِنَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالنِّسَاءِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُقِيمُونَ سَنَةً إِلَّا بِجِزْيَةٍ) . وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ، أَيْ: يَلْتَزِمُونَهَا، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ، وَلِأَنَّهَا تَخَصَّصَتْ بِمَا دُونَ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا، فَيُقَاسُ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ.
(وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ مِنْهُ) لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُمْكِنٌ، فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ إِلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. أَمَّا الرَّسُولُ فَلِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا التَّاجِرُ، فَلِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِمَالِهِ، وَلَا سِلَاحَ مَعَهُ، دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ الْأَمَانَ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِهِ، وَالْمَذْهَبُ اشْتَرَطَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الشَّرْطِ. فَإِذَا انْتَفَتْ، وَدَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْعِصْمَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِذَا قَالَ: جِئْتُ مُسْتَأْمَنًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ. (وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا) وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ، وَعَكْسُهُ النَّامُوسُ (خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ قَصَدَ نِكَايَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ حَمَلَتْهُ
الرِّيحُ فِي مَرْكَبٍ إِلَيْنَا، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَعَنْهُ: يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَقِيَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الرِّيحُ فِي مَرْكَبٍ إِلَيْنَا، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ لِآخِذِهِ كَالصَّيْدِ، وَكَذَا لَوْ شَرَدَ إِلَيْنَا دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّهِمْ أَوْ أَبَقَ رَقِيقٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِآخِذِهِ غَيْرُ مَخْمُوسٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَعَنْهُ: يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ مَالُ مُشْرِكٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكُوهُ فَزَعًا، وَعَنْهُ: إِنْ دَخَلَ قَرْيَةً وَأَخَذُوهُ، فَهُوَ لِأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَمَكَّنَ بِأَخْذِهِ بِقُوَّتِهِمْ.
تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ دُخُولُهُ إِلَيْنَا بِلَا إِذْنٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ رَسُولًا وَتَاجِرًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " دُخُولُهُ لِسِفَارَةٍ، أَوْ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ، أُمِّنَ بِلَا عَقْدٍ، لَا لِتِجَارَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا بِلَا عَادَةٍ، فَإِذَا دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَجَارَ، انْتَقَضَ أَمَانُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَدْرٌ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ بِأَمَانِهِمْ فخيانتهم محرمة عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ.
(وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمِنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ) مُقِيمًا أَوْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ عَهْدَهُ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ لَمْ يَلْحَقْ (بَقِيَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ، ثَبَتَ لِمَالِهِ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ إِلَيْهَا، بَقِيَ فِي مَالِهِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلِ الِاخْتِصَاصَ الْمُبْطِلَ بِنَفْسِهِ.
لَا يُقَالُ: إِذَا بَطَلَ فِي الْمَتْبُوعِ، فَالتَّابِعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَبَعًا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَإِذَا بَطَلَ فِي إِحْدَاهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ التَّبَعِ، وَإِنْ زَالَ فِي الْمَتْبُوعِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ ثَبَتَ لِوَلَدِهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَاءِ تَبَعًا لَهَا، وَيَبْقَى حُكْمُهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَقِيلَ: يَنْتَقِضُ فِيهِ، وَيَصِيرُ فَيْئًا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ قُدِرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَرْبٍ، فَيَكُونُ فَيْئًا، كَمَالِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ ثَبَتَ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ
وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ إِنْ طَلَبَهُ، فَإِنْ مَاتَ، فَهُوَ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا، فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطُوا شَيْئًا، أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا، فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرُبَ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِدُخُولِهِ مَعَهُ، فَالْأَمَانُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَصَالَةِ كَمَا لَوْ بَعَثَهُ مَعَ وَكِيلٍ أَوْ مُضَارِبٍ، بِخِلَافِ مَالِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ بَعْدَ عَقْدِ ذِمَّةٍ. وَقَوْلُنَا:" مُقِيمًا " يَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ خَرَجَ إِلَيْهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، فَإِنَّ أَمَانَهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُبْعَثُ إِلَيْهِ إِنْ طَلَبَهُ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ، صَحَّ (فَإِنْ مَاتَ) بِدَارِ الْحَرْبِ (فَهُوَ لِوَارِثِهِ) لِأَنَّ الْأَمَانَ لَمْ يَبْطُلْ فِيهِ، وَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِ عَلَى صِفَتِهِ مِنْ تَأْجِيلٍ وَرَهْنٍ، فَكَذَا هُنَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَصَارَ فَيْئًا، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي دَارِنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَرِثْهُ، لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى أُسِرَ وَاسْتُرِقَّ، فَقِيلَ: يَصِيرُ فَيْئًا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُوقَفُ، فَإِنْ عَتَقَ، أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لِمَالِكٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ سَبَبُ الِانْتِقَالِ، فَيُتَوَقَّفُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ قَنًّا، فَفَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ، وَقِيلَ: لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ عَلَى الرِّقِّ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ مِلْكِهِ مِنْ حِينِ اسْتِرْقَاقِهِ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ.
(وَإِنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً) أَوْ أَبَدًا قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "(لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» فَعَلَيْهِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ، وَقِيلَ: بَلَى (وَإِنْ) أَطْلَقُوهُ وَ (لَمْ يَشْرُطُوا شَيْئًا أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا) وَلَمْ يَأْمَنُوهُ (لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرُبَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مِنَ الْوِثَاقِ لَا يَكُونُ أَمَانًا، وَمَعَ الرِّقِّ يَنْتَفِي الْأَمَانُ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَطْلَقُوهُ فَقَدْ أَمَّنُوهُ، فَلَوْ أَحْلَفُوهُ مُكْرَهًا، لَمْ يَنْعَقِدْ. وَفِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ: لَا يَلْزَمُهُ
بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْإِقَامَةُ، فَإِنْ أَطْلَقُوهُ وَأَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا الْخِيَانَةُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِأَمَانِهِ فِي أَمَانٍ مِنْهُ، فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَادِرٌ (وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَالًا) بِاخْتِيَارِهِ، لَزِمَهُ إِنْفَاذُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاهَدَهُمْ عَلَى أَدَاءِ مَالٍ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ كَثَمَنِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ، عَادَ إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ فِي الْوَفَاءِ مَصْلَحَةً لِلْأُسَارَى، وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةً فِي حَقِّهِمْ، لِكَوْنِهِمْ لَا يَأْمَنُونَ بَعْدَهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّ فِي رُجُوعِهَا تَسْلِيطًا لَهُمْ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ، وَالْبَقَاءَ فِي أَيْدِيهِمْ مَعْصِيَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشَّرْطِ كَالْمَرْأَةِ، وَكَمَا لَوْ شَرَطَ قَتْلَ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمَّا عَاهَدَ قُرَيْشًا عَلَى رَدِّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا، فَرَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَّا رَدَّهُ. فَإِنْ تَعَارَضَ فِدَاءُ عَالِمٍ، وَجَاهِلٍ بُدِئَ بِالْجَاهِلِ، لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِالْعَالِمِ لِشَرَفِهِ، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ، وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ. وَلَوْ جَاءَ الْعِلْجُ بِأَسِيرٍ عَلَى أَنْ يُفَادِيَ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجِدْ قَالَ أَحْمَدُ: يَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُرَدُّ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ، لَزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، قُدِّمَ قَوْلُ الْأَسِيرِ بِالْأَصْلِ، وَيَجِبُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ لِقَوْلِهِ: وَفُكُّوا الْعَانِيَ، وَكَذَا شِرَاءُ أَسْرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّا قَدِ الْتَزَمْنَا حِفْظَهُمْ بِأَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، فَلَزِمَنَا الدَّفْعُ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ إِلَّا إِذَا اسْتَعَانَ بِهِمُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِهِمْ، فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ لِحُرْمَتِهِمْ.