الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ.
وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ، وَإِفْرَادُ يَوْمِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ - لِأَيَّامِ الْعَشْرَةِ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ: تِسْعَةٌ، وَإِطْلَاقُ الْعَشْرِ عَلَيْهَا تَغْلِيبًا، وَآكَدُهُ التَّاسِعُ، ثُمَّ الثَّامِنُ، وَوَهِمَ بَعْضُهُمْ فَعَكَسَ. وَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُمَا سَوَاءٌ.
«وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا كَنَاقَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُكْثِرْ عليه السلام الصَّوْمَ فِيهِ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إِلَّا أَخِيرًا، وَالْمُرَادُ: أَفْضَلُ شَهْرٍ تَطَوَّعُ بِهِ كَامِلًا بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّطَوُّعِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ أَيَّامِهِ كَعَرَفَةَ، وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُهُ الْمُحَرَّمُ، كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَآكَدُهُ عَاشُورَاءُ، ثُمَّ تَاسُوعَاءُ، ثُمَّ الْعَشْرُ الْأُوَلُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ قَالَهُ الْحَسَنُ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
[مَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ مِنَ الْأَيَّامِ]
(وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِهِ، وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ عَطَاءٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ إِحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ، وَيَقُولُ: كُلُوا فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ، فَلَوْ أَفْطَرَ مِنْهُ أَوْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ زَالَتِ الْكَرَاهَةُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَالْمُرَادُ أَحْيَانًا، وَلَمْ يُدَاوِمْ كَامِلًا عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ،
الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الشَّكِّ، وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَاسْتَحَبَّهُ فِي " الْإِرْشَادِ "(وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» . قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا الْحَدِيثُ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صَوْمِهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ عَلَى صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا تَعَارُضَ (وَيَوْمُ السَّبْتِ) ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاءِ «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. . . . فَذَكَرَهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَفِي إِفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآجُرِّيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الشُّذُوذِ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، (وَيَوْمُ الشَّكِّ) لِقَوْلِ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَلَمْ يَتَرَاءَ النَّاسُ الْهِلَالَ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ: أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، قَالَ: أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ صَوْمُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَلَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ: لِلنَّهْيِ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ لَا يُكْرَهُ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى صَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُكْرَهُ مَعَ عَادَةٍ أَوْصَلَتْهُ بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ وِفَاقًا، وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَا عَنْ وَاجِبٍ لِجَوَازِ النَّفْلِ الْمُعْتَادِ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ لِلشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ.
يَجُوزَ صَوْمُ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ، وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كَانَ عَاصِيًا وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَطَوُّعًا وَفِي صَوْمِهَا عَنْ فَرْضٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَ) يُكْرَهُ (يَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) هُمَا عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ قَالَ: الزَّمَخْشَرِيُّ النَّيْرُوزُ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ شَهْرِ الرَّبِيعِ، وَالْمِهْرَجَانُ: الْيَوْمُ التَّاسِعُ عَشَرَ مِنَ الْخَرِيفِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ مِنْ تَعْظِيمِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ عَدَمَهَا لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهُ بِالصَّوْمِ كَالْأَحَدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُكْرَهُ صَوْمُ كُلِّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ (إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً) هُوَ رَاجِعٌ إِلَى صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا أَثَرٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ الْوِصَالُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ أَوِ الْأَيَّامِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمُبَاحٌ لَهُ، وَلَا يُكْرَهُ إِلَى السَّحَرِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَرْكُهُ أَوْلَى.
(وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ) إِجْمَاعًا لِلنَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ) لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نهي عَنْهُ لِأَنَّهُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ، وَقَدْ دَعَاهُمْ، فَالصَّوْمُ تَرْكُ إِجَابَةِ الدَّاعِي، وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِخِلَافِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ الثَّوَابُ، فَنَافَتْهُ الْمَعْصِيَةُ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ النَّفْلُ فِي غَصْبٍ.
وَفِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَةٌ يَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:«لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ» (وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كَانَ عَاصِيًا) ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فِعْلَ الْحَرَامِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْصِي حَيْثُ فَقَدَ الْقَصْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْمُخَالَفَةَ فَلَمْ يُوصَفْ بِهِ، (وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَهُوَ لَا يُجَامِعُ إِلَّا الْإِجْزَاءَ، وَحُكْمُ التَّطَوُّعِ كَذَلِكَ، (وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) تَطَوُّعًا لِمَا