الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِإِذْنِهِ.
فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ إِلَى الْبِرَازِ، اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، فَإِنْ شَرَطَ الْكَافِرُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إِلَيْهِ، فَلَهُ شَرْطُهُ، فَإِنِ انْهَزَمَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَكِنْ نُصَّ إِذَا كَانَ مَوْضِعًا مَخُوفًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَرَامٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْكَرَاهَةُ. وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَفْجَأْهُمُ الْعَدُوُّ. قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ ".
[حُكْمُ الْمُبَارِزَةِ]
(فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ) وَفِي " الْبُلْغَةِ " مُطْلَقًا (إِلَى الْبِرَازِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ: عِبَارَةٌ عَنْ مُخَاصَمَةِ الْعَدُوِّ، وَبِفَتْحِهَا: اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ. (اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) لِمُبَارَزَةِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ.
قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا فِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُبَارَزَتِنَا يَوْمَ بَدْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ، صلى الله عليه وسلم. وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةَ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ، فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلِأَنَّ فِي الْإِجَابَةِ إِلَيْهَا إِظْهَارًا لِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ. وَظَاهِرُهُ إِذَا لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ لِمَا فِيهِ مَنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ ظَاهِرًا، وَلَوْ طَلَبَهَا الشُّجَاعُ ابْتِدَاءً، فَاحْتِمَالَانِ، فِي " الْفُصُولِ "(فَإِنْ شَرَطَ الْكفارُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إِلَيْهِ) أَوْ كَانَ هُوَ الْعَادَةَ (فَلَهُ شَرْطُهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَالْعَادَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ. وَيَجُوزُ رَمْيُهُ وَقَتْلُهُ قَبْلَ الْمُبَارَزَةِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا عَهْدَ لَهُ، وَلَا أَمَانَ فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ
الْمُسْلِمُ، أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، جَازَ الدَّفْعُ عَنْهُ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ، فَلَهُ سَلَبُهُ، وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ غَيْرَ مَخْمُوسٍ إِذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
جَارِيَةً بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ خَرَجَ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، فَيَعْمَلُ بِهَا (؛ فَإِنِ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ) تَارِكًا لِلْقِتَالِ (أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، جَازَ) لِكُلِّ مُسْلِمٍ (الدَّفْعُ عَنْهُ) وَيَقْتُلُ الْكَافِرَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَارَ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَقَدِ انْقَضَى قِتَالُهُ، وَالْأَمَانُ زَالَ بِزَوَالِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّ حَمْزَةَ، وَعَلِيًّا أَعَانَا عُبَيْدَةَ فِي قَتْلِ شَيْبَةَ حِينَ أُثْخِنَ عُبَيْدَةُ، وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ، وَيُقَاتِلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ، إِلَّا الْمُبَارَزَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ.
فَائِدَةٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ التَّلَثُّمَ فِي الْقِتَالِ، وَعَلَى أَنْفِهِ، وَلَهُ لُبْسُ عَلَامَةٍ كَرِيشِ نَعَامٍ،. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ لِلشُّجَاعِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ ".
(وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ، فَلَهُ سَلَبُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَهُ سَلَبُ الْمَقْتُولِ (وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ، وَسَمُرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَبَ لِكُلِّ قَاتِلٍ، سَوَاءٌ كَانَ يَسْتَحِقُّ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا، كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُشْرِكِ، وَهُوَ وَجْهٌ. وَخَصَّهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِالْقَاتِلِ الْمُسْلِمِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ السَّهْمَ آكَدُ مِنْهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَالسَّلَبُ أَوْلَى، وَفِي " الْإِرْشَادِ " أَنَّ مَنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ. وَقَطَعَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ، وَكَذَا كُلُّ عَاصٍ، كَمَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَمِيرِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَبَاقِيهِ لَهُ، كَالْغَنِيمَةِ، وَيُخْرِجُ فِي الْعَبْدِ مِثْلَهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالْغَنِيمَةِ آكَدُ،
غَيْرَ مُثْخَنٍ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا مَنْ شُرِطَ لَهُ، فَإِنْ قَطَّعَ أَرْبَعَتَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِلْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ السَّلَبِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ كَالنَّفْلِ، لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِالشَّرْطِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَالْمُرْجِفِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي السَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ. (غَيْرَ مَخْمُوسٍ) لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ احْتُسِبَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ كَسَهْمِ الْفَارِسِ. (إِذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ) فَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَلَا سَلَبَ لَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَقَفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، وَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ، فَإِنْ كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَانْهَزَمَ أَحَدُهُمْ، فَقَتَلَهُ إِنْسَانٌ فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّهَا كَرٌّ وَفَرٌّ، «لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَتَلَ طَلِيعَةَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَلَبِهِ لَهُ أَجْمَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلَوْ أَثْخَنَهُ بِالْجِرَاحِ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ (مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ) أَيْ: مُقْبِلًا عَلَى الْقِتَالِ، فَإِنْ كَانَ مُنْهَزِمًا فَلَا سَلَبَ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بنفسه فِي قَتْلِهِ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَ " الْبُلْغَةِ " إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا سَمِعْنَا: لَهُ سَلَبُهُ فِي الْمُبَارَزَةِ وَإِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ. وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِجَوَازِ قَتْلِهِمْ إِذًا، وَفِي الْآخَرِ: لَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَأَطْلَقَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ، مِمَّنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (غَيْرَ مُثْخَنٍ) أَيْ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ فِيهِ مَنَعَةٌ، فَلَوْ كَانَ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ، وَقَتَلَهُ آخَرُ فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِعَدَمِ التَّغْرِيرِ (وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ) أَيْ: بِأَنْ يَقْتُلَهُ حَالَ الْمُبَارَزَةِ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. فَلَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا، فَقُتِلَ، فَلَا سَلَبَ، وَيَكُونُ غَنِيمَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ، وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لَهُمَا، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنْهُمَا شَرْطٌ. وَقَوَّى الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى التَّغْرِيرِ، وَأَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ، وَصَرَّحَ بِهِ " الْخِرَقِيُّ " وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَعَنْهُ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مَنْ شُرِطَ لَهُ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي " الِانْتِصَارِ " وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَأَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَنَالَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَوْفًا قَالَ لِخَالِدٍ:«أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذا مِنْ قَضَايَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَامَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ لِكُلِّ قَاتِلٍ.
(فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَتَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ، وَلَمْ يُعْطِهِ ابْنَ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّهُ تَمَّمَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ هُوَ الَّذِي كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. (وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ؛ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُشْرِكْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالتَّغْرِيرِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِالِاشْتِرَاكِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ غَنِيمَةً، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَالْآجُرِّيُّ:(هُوَ لَهُمَا) أَيْ: يَشْتَرِكَانِ فِي سَلَبِهِ، لِعُمُومِ مَنْ «قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي السَّلَبِ. فَلَوِ اشْتَرَكَا فِي ضَرْبِهِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْآخَرِ، فَلَهُ سَلَبُهُ (وَإِنْ أَسَرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ) أَوْ غَيْرُهُ (فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) لِأَنَّ الَّذِي أَسَرَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَالْغَيْرُ لَمْ يُغَرِّرْ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ. وَكَذَا لَوِ اسْتَحْيَاهُ الْإِمَامُ فَرِقِّيَّتُهُ إِنْ رَقَّ، وَفِدَاؤُهُ إِنْ فُدِيَ غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ أَسْرَى، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ وَاسْتَبْقَى، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ
أَسَرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ؛ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ. وَالسَّلَبُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا. وَعَنْهُ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ. وَنَفَقَتُهُ وَخَيْمَتُهُ وَرَحْلُهُ غَنِيمَةٌ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَعْطَى أَحَدًا مِمَّنْ أَسَرَهُمْ سَلَبًا، وَلَا فِدَاءً (وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ) لِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ مِنَ الْقَتْلِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ السَّلَبَ بِهِ كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ بِالْأَسْرِ. (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ (وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ كَقَتَلَهُ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاتِلِ، كَمَا لَوْ عَانَقَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلًا عَلَى مُسْلِمٍ، فَقَتَلَهُ آخَرُ مَنْ وَرَائِهِ، وَقِيلَ: غَنِيمَةٌ لِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِقَتْلِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْقَتْلِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُعْطَى السَّلَبُ لِمَنْ قَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ قَوْلَ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَوَابُهُ الْخَبَرُ الْآخَرُ، وَبِأَنَّ خَصْمَهُ أَقَرَّ لَهُ، فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَحَكَى فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ قَوْلَ الَّذِي شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا يَنْصَرِفُ إِلَى شَاهِدَيْنِ، وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ.
(وَالسَّلَبُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ) وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَدِرْعٍ. (وَحُلِيٍّ) كَسِوَارٍ، وَمِنْطَقَةٍ ذَهَبٍ وَرَانٍ وَتَاجٍ. (وَسِلَاحٍ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَقَوْسٍ وَلْتٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهَا فِي حَرْبِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنَ الثِّيَابِ، وَعَنْهُ فِي السَّيْفِ: لَا أَدْرِي. (وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا) أَيْ: مِنَ السَّلْبِ لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحَرْبِ كَالسِّلَاحِ، وَآلَتُهَا كَلِجَامٍ، وَسَرْجٍ، وَلَوْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهَا مِنْ دَرَاهِمَ، وَنَحْوِهِ لَا يَدْخُلُ (وَعَنْهُ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ)