الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الِاعْتِكَافِ
، هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ سُنَّةٌ إِلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ فَيَجِبُ وَيَصِحُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]
[تَعْرِيفُ الاعتكاف وَحُكْمُهُ]
ِ (هُوَ) لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يُقَالُ عَكَفَ يَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا.
وَشَرْعًا (لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -) عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ - وَلَوْ مُمَيِّزًا - طَاهِرٍ مِمَّا يُوجِبُ غُسْلًا وَلَوْ سَاعَةً، فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَطِفْلٍ، كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِغْمَاءِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَطَاعَةٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج: 26] وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «فِي الْمُعْتَكِفِ، وَهُوَ يَعْكُفُ الذُّنُوبَ، وَيُجْرَى لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ تَعْرِفُ فِي فَضْلِ الِاعْتِكَافِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنَّ شَيْئًا ضَعِيفًا.
(وَهُوَ سُنَّةٌ) كُلَّ وَقْتٍ إِجْمَاعًا لِمُدَاوَمَتِهِ عليه السلام فِعْلَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَصْحَابَهُ، بَلْ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ":«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ» ، وَآكَدُهُ فِي
بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا فِي بَعْضِ يَوْمٍ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رَمَضَانَ، وَالْعَشْرُ الْأَخِيرَةُ آكَدُ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (إِلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ فَيَجِبُ) الْوَفَاءُ بِهِ إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ، وَلِلْبُخَارِيِّ: فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً» . وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ.
فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، فَلَهُ شَرْطٌ نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ إِنْ كُنْتُ مُقِيمًا أَوْ مُعَافًى فَصَادَفَهُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالنِّيَّةِ؟ وَقَالَهُ مَالِكٌ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ، فَإِنْ قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ سِوَاهُ، وَلَمْ يَقَعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى لُزُومِ نَافِلَةٍ بِالشُّرُوعِ فِيهَا سِوَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْدُوبِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ، وَقِيلَ: لَا لِتَعَلُّقِهُ بِمَكَانٍ كَالْحَجِّ.
(وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِحَدِيثِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصَّوْمُ كَالصَّلَاةِ.
فَعَلَى هَذَا، فَلَهُ مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ، وَلَا يَكْفِي عُبُورُهُ، وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَلَوْ صَامَ، ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا، لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) بِغَيْرِ صَوْمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ» ، وَلِأَنَّهُ لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمُجَرَّدِهِ قُرْبَةً كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.