الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
بَابُ الْإِحْرَامِ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا لِلْحَجِّ، وَقَوْلُهُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ: مُعْظَمُهُ فِي أَشْهُرٍ كَقَوْلِهِ «الْحَجُّ عَرَفَةُ» أَوْ أَرَادَ حَجَّ الْمُتَمَتِّعِ، وَإِنْ أَضْمَرَ الْإِحْرَامَ، أَضْمَرْنَا الْفَضِيلَةَ، وَالْخَصْمُ يُضْمِرُ الْجَوَازَ، وَالْمُضْمَرُ لَا يَعُمُّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
«وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) » رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَشْرَ بِإِطْلَاقِهِ لِلْأَيَّامِ كَالْعِدَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ: الْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لِسَبْقِ اللَّيَالِي فَنَقُولُ: سِرْنَا عَشْرًا، وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَقَطْ، وَالْجَمْعُ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَعَلَى اثْنَتَيْنِ، وَبَعْضٍ آخَرَ كَعِدَّةِ ذَاتِ الْقُرُوءِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يَفْسُدُ فِيهَا تَوْقِيتٌ بَلْ يُفْعَلُ فِي كُلِّ السَّنَةِ، وَهِيَ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ، لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ قَالَ: حَجَّةً مَعِي» ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ هِيَ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ، وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّحْرِ، وَالتَّشْرِيقِ كَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَا دَلِيلَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عَائِشَةَ. وَخَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
[بَابُ الْإِحْرَامِ]
[مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ]
بَابُ الْإِحْرَامِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ النِّكَاحَ، وَالطِّيبَ، وَأَشْيَاءَ مِنَ اللِّبَاسِ كَمَا يُقَالُ أَشْتَى: إِذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ: إِذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ.
وَشَرْعًا: هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ لَا بِنِيَّةٍ لِيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ.
(يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ) وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَيَتَيَمَّمَ لِعَدَمٍ، وَلَا
نَظِيفَيْنِ إِزَارًا وَرِدَاءً، وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمَ عَقِيبَهُمَا، وَيَنْوِيَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، (وَيَتَنَظَّفَ) بِأَخْذِ شَعْرِهِ، وَظُفْرِهِ، وَقَطْعِ رَائِحَةٍ، لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ فَسُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، (وَيَتَطَيَّبَ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ:«كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُرَادُهُ فِي بَدَنِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا، وَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ، وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ فِيهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ أَوْ أَثَرُهُ كَالْبَخُورِ فَإِنِ اسْتَدَامَهُ فَلَا كَفَّارَةَ لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامُ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَا سَبَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ، فَإِنْ نَقَلَهُ مِنْ بَدَنِهِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ أَوْ نَقَلَهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ نَزَعَهُ، ثُمَّ لَبِسَهُ فَدَى بِخِلَافِ مَا لَوْ سَالَ بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ، (وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ إِزَارًا وَرِدَاءً) وَنَعْلَيْنِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ، وَرِدَاءٍ، وَنَعْلَيْنِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِ، وَفِي " تَبْصِرَةِ " الْحُلْوَانِيِّ إِخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنَ الرِّدَاءِ أَوْلَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِحْرَامُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ.
(وَيَتَجَرَّدَ) الرَّجُلُ (عَنِ الْمَخِيطِ) وَهُوَ كُلُّ مَا يُخَاطُ كَالْقَمِيصِ، وَالسَّرَاوِيلِ؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى اللُّبْسِ، لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ (وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمَ عَقِيبِهِمَا) «لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، خَرَجَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يَرْكَعُهُمَا وَقْتَ نَهْيٍ، وَلَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُحْرِمُ عَقِيبَ
الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَشْتَرِطُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَعَنْهُ: عَقِبَهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَكِبَ، وَإِذَا سَارَ سَوَاءٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَقِبَ فَرْضٍ إِنْ كَانَ وَقْتُهُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِنْ كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ اسْتُحِبَّ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عند إِحْرَامُهُ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، (وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ) لِفِعْلِهِ عليه السلام، وَفِعْلِ مَنْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَاسْتُحِبَّ تَعَيُّنُهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ فَكَيْفَ يَنْوِي النِّيَّةَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الْمَنْجَا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ يَنْوِي بِنِيَّتِهِ نُسُكًا مُعَيَّنًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ، (وَلَا يَنْعَقِدُ النُّسُكُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ) لِقَوْلِهِ:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ وَعِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَافْتَقَرَ إِلَيْهَا كَالصَّلَاةِ، وَنِيَّةُ النُّسُكِ كَافِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ مَعَ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَيْسَ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ، فَكَذَا أَوَّلُهَا كَالصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ: فَإِيجَابُ مَالٍ كَالنَّذْرِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا لَا يَجِبُ، فَكَذَا تَابَعَهُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ لِلنَّدْبِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَجِبُ التَّلْبِيَةُ.
فَرْعٌ: إِذَا نَطَقَ بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ، فَالْعِبْرَةُ بِالْمَنْوِيِّ، لَا بِمَا سَبَقَ لِسَانُهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَشْتَرِطَ)«لِقَوْلِهِ عليه السلام لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي، وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْخَائِفِ، خَاصَّةً جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.