الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إِلَى حَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، وَاعْفُ عَنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنَيْ كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ.
ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إِنَّ كَانَ مُعْتَمِرًا، أَوْ طَوَافِ الْقُدُومِ إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارَنًا، وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ فَيَجْعَلُ وَسَطَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إِلَى حَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ» سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ انْتَشَرَتْ، وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِ الْبَيْتِ سَائِرُ الْحَرَمِ، قَالَهُ الْعُلَمَاءُ، «وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ اللَّهُمَّ تَقَبُّلَ مِنِّي، وَاعْفُ عَنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنَيْ كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " كَالْمُقْنِعِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَدَعَا وَقَالَ: وَمِنْهُ وَلَمْ يَذْكِرِ الْأَخِيرَ، وَمَهْمَا زَادَ مِنَ الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ (يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَاسْتُحِبَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ، وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا.
[أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ عند زيارة البيت الطَوَاف]
(ثُمَّ يَبْتَدِئُ) بِالطَّوَافِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ، فَاسْتُحِبَّ كَتَحِيَّةِ غَيْرِهِ بِالرَّكْعَتَيْنِ، وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ فَرْضٍ أَوْ فَائِتَةٍ، أَوْ تُقَامُ الْمَكْتُوبَةُ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَتِيِ الْفَجْرِ أَوِ الْوَتْرِ، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ (بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا) ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ عليه السلام بِفَسْخِ نُسُكِهِمْ إِلَيْهَا أَمْرَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا لِلْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْحِلِّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَوَافِ قُدُومٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّحِيَّةُ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ (أَوْ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى الْوُرُودَ (إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا) لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا كَذَلِكَ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي " الْفُصُولِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: يُرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ بَعْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ: الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ
تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَإِنْ شَاءَ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِتَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا.
(وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ) فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ مُضْطَبِعًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " رِوَايَةٌ فِي رَمْلِهِ «فَيَجْعَلُ وَسَطَهُ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ» لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةَ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ سَوَّى رِدَاءَهُ؛ لِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: يُزِيلُهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الرَّمَلِ (ثُمَّ يَبْتَدِئُ) أَيْ: بِالطَّوَافِ (مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام بَدَأَ بِهِ (فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا حَاذَاهُ بِبَعْضِهِ، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَ اسْتِقْبَالُهُ لَزِمَهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْقِبْلَةِ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَدَنِ فَأَجْزَأَ بَعْضُهُ كَالْحَدِّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَيَصِيرُ الثَّانِي أَوَّلَهُ (ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ) أَيْ: يَمْسَحُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ، وَهُوَ التَّحِيَّةُ، وَلِذَلِكَ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْيَمَنِ: الْمُحَيَّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ، (وَيُقَبِّلُهُ)«لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ أَسْلَمَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبَّلَ الْحَجَرَ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ يَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ (وَإِنْ شَاءَ
أَشَارَ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْيَدِ فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الْقَاضِي، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": هَلْ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ؛ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، (وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ إِلَيْهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمَّا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَكَبَّرَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْإِشَارَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا. وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْمُسْتَحَبُّ أَوَّلًا: تَقْبِيلُهُ فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ، وَقَبَّلَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَزَادَا: مَعَ اسْتِقْبَالِهِ بِوَجْهِهِ.
قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هُوَ السُّنَّةُ، وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ، قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ:«إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي وَجْهٍ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِنْ كَانَ؛ لِأَنَّ فِي زَمَنِهِ أَخَذَتْهُ الْقَرَامِطَةُ، وَاسْتَمَرَّ بِأَيْدِيهِمْ مُدَّةً، ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ بِعَوْدِهِ، فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - عَدَمُهُ فِي مَحَلِّهِ وَقَفَ مُقَابِلًا لِمَكَانِهِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَنْتَقِلُ النُّسُكُ مَعَهُ كَمَا فِي الْقِرَانِ.
(وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ» لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ
يَسَارِهِ، فَإِذَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اسْتَلَمَهُ، وَقَبَّلَ يَدَهُ. وَيَطُوفُ سَبْعًا، يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا، وَهُوَ إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا، وَلَا يَثِبُ وَثْبًا وَيَمْشِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اسْتِلَامِهِ (ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام طَافَ كَذَلِكَ، وَقَالَ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَيُقَرِّبُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرُ إِلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ الْحَرَكَةَ الدَّوْرِيَّةَ تَعْتَمِدُ فِيهَا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَامُ فِي ذَلِكَ لِلْخَارِجِ، جَعَلَ لِلْيُمْنَى، فَأَوَّلُ رُكْنٍ بِهِ يُسَمَّى الشَّامِيَّ، وَالْعِرَاقِيَّ وَهُوَ جِهَةُ الشَّامِ، ثُمَّ يَلِيهِ الرُّكْنُ الْغَرْبِيُّ وَالشَّامِيُّ، وَهُوَ جِهَةُ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ الْيَمَانِيُّ جِهَةَ الْيَمَنِ، وَهُوَ آخِرُ مَا يمر عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَهُوَ قِبْلَةُ أَهْلِ خُرَاسَانَ.
(فَإِذَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اسْتَلَمَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا تَرَكَتُ اسْتِلَامَهُمَا مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَسَنَّ اسْتِلَامَهُ كَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، (وَقَبَّلَ يَدَهُ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " قَوْلًا كَمَا يَفْعَلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ، وَجَزَمَ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ " الْإِرْشَادِ " بِخِلَافِهِ لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَلَمَهُ قَبَّلَهُ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ» .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا التَّقْبِيلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتِمَّا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
1 -
(وَيَطُوفُ سَبْعًا يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي سُنِّيَّتِهِ؛ «لِأَنَّهُ
أَرْبَعًا، وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا، وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَبَيْنَ الرُّكْنَيْنِ:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، وَفِي سَائِرِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عليه السلام طَافَ سَبْعًا رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا» . رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنَا عَبَّاسٍ وَعُمَرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهما، وَهَذَا كَانَ لِسَبَبٍ زَالَ، وَبَقِيَ الْمُسَبَّبُ، وَيَكُونُ الرَّمَلُ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ (وَهُوَ إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا وَلَا يَثِبُ وَثْبًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْيٍ فَإِذَا فَعَلَهُ لَمْ يَكُنْ إِتْيَانًا بِالرَّمَلِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ لِلِازْدِحَامِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الدُّنُوِّ مِنَ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ أَوْ يَخْتَلِطُ بِالنِّسَاءِ فَالدُّنُوُّ أَوْلَى مِنَ التَّأْخِيرِ، وَفِي " الْفُصُولِ ": لَا يَنْتَظِرُ لِلرَّمَلِ كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لِتَعَذُّرِ التَّجَافِي فِي الصَّلَاةِ، وَبِالْجُمْلَةِ يَطُوفُ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَسَوَاءٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قُبَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ لَمْ يَقْضِهِ، وَلَا بَعْضَهُ فِي غَيْرِهَا بَلْ إِنْ تَرَكَهُ فِي شَوْطٍ أَتَى بِهِ فِي الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَفِي اثْنَيْنِ أَتَى بِهِ فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا فَسَقَطَ كَالْجَهْرِ فِي الصَّلَاةِ، (وَيَمْشِي أَرْبَعًا) لِمَا سَبَقَ، (وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ، فِي " الْمُحَرَّرِ " فِي رَمْلِهِ كَبَّرَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَهَلَّلَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ (وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
(أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا شَقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ (وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَلَا فَاسْتَقْبِلْ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ (وَبَيْنَ الرُّكْنَيْنِ) أَيِ: الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]
حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ. وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«إِنَّ اللَّهَ، وَكَّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لِمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا آمِينَ» (وَفِي سَائِرِ الطَّوَافِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوُزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ» ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ فَاسْتُحِبَّ ذِكْرُهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ اللَّائِقَةِ بِمِحَالِّهَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَفِي " الْفُرُوعِ ": «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الْأَقْوَمَ» وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي سَعْيِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ خِلَافًا " لِلْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ وَفِيهِ يَقِفُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، عِنْدَ الْمِيزَابِ وَالْمُلْتَزَمِ وَكُلِّ رُكْنٍ (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) مِنَ الْحَوَائِجِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِتَغْلِيطِهِ الْمُصَلِّينَ، وَالْمَذْهَبُ لَهُ الْقِرَاءَةُ، فَيُسْتَحَبُّ، قَالَهُ الْآجُرِّيُّ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاسْتَحَبَّهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِلَا جَهْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَفِيهَا قِرَاءَةٌ وَدُعَاءٌ، فَيَجِبُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا.
(وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَا أَهْلِ مَكَّةَ) وَلَا حَامِلٍ مَعْذُورٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ، وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مِنْهُنَّ، بَلْ إِنَّمَا يُقْصَدُ فِيهِنَّ السَّتْرَ، وَكَذَا أَهْلُ مَكَّةَ لَا رَمَلَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ إِظْهَارَ الْجَلَدِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّهِمْ، وَحُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْهَا حُكْمُ أَهْلِهَا، وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَلَوْ عَبَّرَ بُقُولِهِ: وَلَا مُحْرِمَ فِي مَكَّةَ لَعَمَّ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُشْرَعُ لَهُ الرَّمَلُ لَا يُشْرَعُ لَهُ الِاضْطِبَاعُ،
وَلَيْسَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ، وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، أَجَزْأَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْحَامِلِ وَإِنْ طَافَ مُنَكَّسًا، أَوْ عَلَى جِدَارِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَكَذَا إِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ، فَلَا رَمَلَ فِيهِ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ يَرْمُلُ بِالْمَحْمُولِ (وَلَيْسَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": إِذَا تَرَكَهُمَا بِهِ، أَوْ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَتَى بِهِمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَنَفَاهُمَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ (وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ) أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَيُجْزِئُ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» . وَعَنْ أَمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَجْزَأَ فِي رِوَايَةٍ قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ وَجَزَمَ بِهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقًا، وَلِطَوَافِهِ عليه السلام رَاكِبًا، لَكِنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ فِي الْمَحْمُولِ بِنِيَّتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الطَّوَافَ رَاجِلًا أَفْضَلُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَالثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَهِيَ الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَخِيرًا، وَالشَّرِيفُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَفْعَلُ كَذَلِكَ إِلَّا لِعُذْرٍ فَكَذَا هُوَ، وَأَجَابُوا عَنْ فِعْلِهِ عليه السلام بِأَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، أَوْ لِيَرَاهُ النَّاسُ. قَالَهُ أَحْمَدُ أَوْ لِيَشْرُفَ لِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ، وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِيَرَاهُ الْجُهَّالُ، وَعَنْهُ: يَجْبُرُهُ بِدَمٍ حَكَاهَا الْمُؤَلِّفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ.
(وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْحَامِلِ) ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ أُدِّيَ بِهِ فَرْضُ غَيْرِه فَلَمْ يَقَعْ عَنْ
الْحَجَرِ، أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ، أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّوَافِ، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ لَمْ يَنْوِهْ، لَمْ يُجْزِئْهُ.
وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا أَوْ عُرْيَانًا، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْضِهِ، كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْحَامِلَ آلَةٌ لِلْمَحْمُولِ فَكَانَ كَالرَّاكِبِ بِخِلَافِ حَمْلِهِ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَوْنُ فِيهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ لَهُمَا، وَلَهُ أَحْوَالٌ: مِنْهَا أَنْ يَنْوِيَا جَمِيعًا عَنِ الْمَحْمُولِ، أَوْ يَنْوِيَ هُوَ دُونَ الْحَامِلِ، فَيُجْزِئُ عَنِ الْمَحْمُولِ لَا الْحَامِلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَنْوِيَا جَمِيعًا عَنِ الْحَامِلِ، أَوْ يَنْوِيَ هُوَ فَقَطْ فَيَصِحُّ لَهُ وَحْدَهُ.
وَمِنْهَا أَنْ يَنْوِيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ الْمَحْمُولُ دُونَ حَامِلِهِ جَعْلًا لَهُ كَالْآلَةِ، وَحَسَّنَ الْمُؤَلَّفُ صِحَّتَهُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَائِفٌ بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، كَالْعَمَلِ بِعَرَفَاتٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ذَلِكَ احْتِمَالًا، وَفِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَقَعُ عَنِ اثْنَيْنِ، وَمِنْهَا لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، فَلَا يَصْحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَعَى رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، أَجْزَأَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ الطَّوَافَ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الدَّوَابِّ لِضَرُورَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " حُكْمُهُ كَالطَّوَافِ (وَإِنْ طَافَ مُنَكَّسًا) يَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْكَافِ، وَفَتْحُهَا فَعَلَيْهِ يَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: طَافَ طَوَافًا مُنَكَّسًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ " طَافَ " وَالْمُرَادُ بِهِ: جَعْلُ الْبَيْتِ عَلَى يَمِينِهِ (أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ) وَهُوَ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ وَإِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ لا غير (أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ) هُوَ الْقَدْرُ الْخَارِجُ عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ مُرْتَفِعًا عَنِ الْأَرْضِ قَدْرُ ثُلْثَيْ ذِرَاعٍ (أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّوَافِ، وَإِنْ قَلَّ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ) أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام، وَقَعَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] وَمِثْلُهُ يَتَعَيَّنُ، وَلِقَوْلِهِ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ