الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الِاسْتِطَاعَةُ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً صَالِحَةً لِمِثْلِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ]
فَصْلٌ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْتَطِيعِ؛ لِأَنَّ " مَنْ " بَدَلٌ مِنَ " النَّاسِ " فَتَقْدِيرُهُ (وَلِلَّهِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ) لِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ شَرْعًا وَعَقْلًا، (وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؛ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ السَّبِيلِ فَقَالَ: " الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَكَذَا. رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ عَنْهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا كَالْجِهَادِ، وَلَيْسَ هُوَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، وَالْإِجْزَاءِ فَإِنَّ خَلْقًا مِنَ الصَّحَابَةِ حَجُّوا، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إِنَّمَا شُرِطَتْ لِلْوُصُولِ فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ، أَجْزَأَهُ كَالْمَرِيضِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لِمَنْ يَحْتَاجُهُمَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَقِيلَ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَإِنْ كَانَ عَادَتَهُ السُّؤَالُ، وَالْعَادَةُ إِعْطَاؤُهُ فَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ،
بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ أَوْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ لِمَنْ حِرْفَتُهُ السُّؤَالُ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ: لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ. وَيُعْتَبَرُ الزَّادُ مُطْلَقًا إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَكَوْنُهُ مِلْكَهُ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَمَاءِ الْوُضُوءِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ إِلَّا مَعَ الْبُعْدِ، وَهُوَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ، إِلَّا مَعَ عَجْزٍ كَشَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ (صَالِحَةً لِمِثْلِهِ بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ) عَادَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الصَّلَاحِيَةُ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الزَّادِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَاصِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ وَالْأُمَرَاءِ، أَوْ مِنَ الْخَاصَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَفِي الرَّاحِلَةِ وَآلَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْجَمَلُ جَيِّدًا بِمَحَارَةٍ إِنْ كَانَ كَالْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا تُشْتَرَطُ الْمَحَارَةُ إِذَا أَمْكَنَهُ الرُّكُوبُ عَلَى الْقَتْبِ، وَلَا كَوْنُ الْجَمَلِ جَيِّدًا قَالَهُ ابْنُ الْمَنْجَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ فِي الزَّادِ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الدَّلِيلِ وَلِئَلَّا يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ اعْتُبِرَ مَنْ يَخْدُمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ (أَوْ) يَمْلِكُ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ) أَيِ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الثَّمَنِ كَمِلْكِ الْمُثَمَّنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّقَبَةُ فِي الْكَفَّارَةِ لِمِلْكِهَا، وَيُعْتَبَرُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ (فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ) لِأَنَّهُمَا مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يَقُومُ بِهَا عَلَى غُرَمَائِهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَيَشْتَرِيهِمَا بِنَقْدٍ بِيَدِهِ، فَإِنْ فَضُلَ مِنْهُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَاسِعًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَأَمْكَنَهُ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْخَادِمِ وَالْكُتُبِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا كَهُمَا، فَإِنِ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْ كِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى (وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى بَرَاءَتِهَا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
وَخَادِمٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ؛ وَمُؤْنَتِهِ، وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ بِحَالٍ، فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِلَّهِ - تَعَالَى - أَوْ لِآدَمِيٍّ (وَمُؤْنَتِهِ) لِقَوْلِهِ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» ، (وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْحَجِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِتَأَكُّدِ حَقِّهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
(عَلَى الدَّوَامِ) وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَكِفَايَةٌ دَائِمَةٌ لَهُ، وَلِأَهْلِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَصَدَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عِيَالِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ وَيَبْقَى لَهُ إِذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عَائِلَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ عَقَارٍ، أَوْ بِضَاعَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَكَالْمُفْلِسِ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الرَّوْضَةِ " إِلَى أَنْ يَعُودَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ مِثْلُهُ وَأَوْلَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي " الشَّرْحِ " إِلَى هَذَا وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ.
فَرْعٌ: إِذَا خَافَ الْعَنَتَ قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهِ إِذَنْ، وَلِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْحَجُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْهُ، وَلِأَنَّهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَيْنِ، وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصَالِحِهِ بَعْدَ إِحْرَازِ الْحَجِّ.
1 -
(وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ بِحَالٍ) لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ، وَكَالْبَذْلِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَا بُذِلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، أَوِ الْمَالَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِنَّةِ كَبَذْلِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": لَا يَمْلِكُ، وَلَا يَجِبُ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْبَاذِلِ أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَرِيبًا حَتَّى الِابْنَ (فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ) وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَيَأْتِي بِهِ (عَلَى الْفَوْرِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
«تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ» ؛ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ، وَحَدِيثِ الْفَضْلِ «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ كَالصِّيَامِ إِذْ لَوْ مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: لَا فِي الشَّابِّ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَهُمْ فِي صَحِيحٍ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى زَمِنَ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يَجِبُ مُوَسَّعًا، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ زَادَ الْمَجْدُ: مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ وَتَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ مُحَارِبٍ وَلَا مَشْغُولٍ بِشَيْءٍ، وَتَخَلَّفَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ لَمْ يُسَمَّ قَضَاءً، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُورُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِصِفَةِ الْمُوَسَّعِ يُخْرِجُهُ عَنْ رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ لِتَأْخِيرِهِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَيُسَمَّى قَضَاءً فِيهِ، وَفِي الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهًا، ثُمَّ بَطَلَ بِمَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَى سَنَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَإِذًا لَا يُسَمَّى قَضَاءً، وَقِيلَ: إِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُؤَخِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَالْأَشْهَرُ: سَنَةَ تِسْعٍ فَقِيلَ أَخَّرَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: لِرُؤْيَةِ الْمُشْرِكِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ عُرَاةً، وَقِيلَ: بِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِتَكُونَ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي اسْتَدَارَ الزَّمَانُ فِيهَا كَهَيْئَتِهِ، وَتَتَعَلَّمَ مِنْهُ أُمَّتُهُ الْمَنَاسِكَ الَّتِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا، وَيُصَادِفَ وَقْفَةَ الْجُمُعَةِ، وَيُكْمِلَ اللَّهُ دِينَهُ، وَيُقَالُ: اجْتَمَعَ
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ إِلَيْهِ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ مِنْ بَلَدِهِ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إِلَيْهِ لَزِمَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَوْمَئِذٍ أَعْيَادُ أَهْلِ كُلِّ دِينٍ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ إِلَيْهِ أَيْ: إِلَى الْحَجِّ (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) كَزَمَانَةٍ، وَنَحْوِهَا (لَزِمَهُ) عَلَى (الْفَوْرِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ الْحَجُّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَوْ كَانَ نَضْوَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا يَرْكَبُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ عَدَمَ الْقُدْرَةِ، وَيُسَمَّى: الْمَعْضُوبَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ فِيهِ كَالصَّوْمِ، وَشَرْطُهُ الِاسْتِطَاعَةُ، وَسَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ الْعَجْزِ أَوْ قَبْلَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ النَّوْعِ بَلْ تَنُوبُ امْرَأَةٌ عَنْ رَجُلٍ وَعَكْسُهُ، وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي نِيَابَتِهَا عَنْهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ (مِنْ بَلَدِهِ) أَوْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَيْسَرَ فِيهِ، كَالِاسْتِنَابَةِ عَنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ كَذَلِكَ، فَكَذَا النَّائِمُ كَقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَجِدَ مَالًا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَافِيًا بِنَفَقَةِ رَاكِبٍ، فَإِنْ وَجَدَ نَفَقَةَ رَاجِلٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي إِمْكَانِ الْمَسِيرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْقُطُ، وَعَلَى الثَّانِي: يَثْبُتُ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا يَسْتَنِيبُ بِهِ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، (وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الْمَعْضُوبِ، (وَإِنْ عُوفِيَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِمَا أَمَرَ بِهِ فَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، وَسَوَاءٌ عُوفِيَ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ أَوْ قَبْلَ فَرَاغِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ، وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا لَا خِفَارَةَ فِيهِ، وَيُوجَدُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ. وَعَنْهُ: أَنَّ إِمْكَانَ الْمَسِيرِ، وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ مِنْ شَرَائِطِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا، وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا إِذَا حَصَلَ الْبُرْءُ قَبْلَ إِحْرَامِ النَّائِبِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا؛ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَرْجُوَّ بُرْؤُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ كَالْمَحْبُوسِ.
(وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْوَاجِبِ مِنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ (لَزِمَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ، كَالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ (إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ) أَيْ: يَكُونُ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا يُجَاوِزُ الْعَادَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ (وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا) ؛ لِأَنَّ فِي الْمَلْزُومِ بِدُونِهِ ضَرَرًا، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا، وَلَوْ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ بَرًّا كَانَ أَوْ بَحْرًا غَالِبُهُ السَّلَامَةُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَلَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى أَشْبَهَ الْبَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ فَخِلَافٌ، وَخَرَّجَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ، وَالْكَتَّانُ، أَمَّا إِذَا غَلَبَ الْهَلَاكُ، لَمْ يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا فِي الْبَحْرِ (لَا خِفَارَةَ فِيهِ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً، ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهَا فِي الْعِبَادَةِ، (وَيُوجَدُ فِيهِ) أَيْ: فِي الطَّرِيقِ (الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ) أَيْ: يَجِدُ ذَلِكَ فِي الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ حَمْلَ مَائِهِ، وَعَلَفِ بَهَائِمِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى مَكَّةَ لَأَدَّى إِلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ زَادِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ.
فَعَلَى هَذَا يَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ، وَحَمْلُ الْكَلَأِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ (وَعَنْهُ: أَنَّ إِمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ) مِنْ عُذْرٍ (مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْحَجِّ مَعَهُ؛ لِعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ وَسِعَةَ الْوَقْتِ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ عليه السلام فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِأَنَّ إِمْكَانَ الْأَدَاءِ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ
الْوُجُوبِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتِ الْخِفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهَا وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ، أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً، فَإِنْ ضَاقَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعِبَادَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ، كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ.
فَعَلَى هَذَا: هَلْ يَأْثَمُ إِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ؛ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتِ الْخِفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ بَذْلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ يَقِفُ إِمْكَانُ الْحَجِّ عَلَى بَذْلِهَا، فَلَمْ يُمْنَعِ الْوُجُوبُ مَعَ إِمْكَانِ بَذْلِهَا كَثَمَنِ الْمَاءِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَنْهُ بِالْيَسِيرَةِ، وَجَوَّزَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنِ الْمُخْفَرِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا كَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنَ الرَّعَايَا (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ) وَجَبَ قَضَاؤُهُ، (وَأُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ كَالدَّيْنِ، وَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ، وَسَوَاءٌ فَرَّطَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ، وَأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ بِإِيجَابِ نَفْسِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ كَالصَّلَاةِ، وَيُسْتَنَابُ مِنْ أَقْرَبِ، وَطَنِهِ لِيَتَخَيَّرَ الْمَنُوبَ عَنْهُ، فَإِنْ لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَقَالَ: أَحْمَدُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ حَيْثُ مَوْتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْمَكَانَيْنِ، وَيُجْزِئُ دُونَ الْوَاجِبِ إِذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ كَحَاضِرٍ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لم يكْمل الْوَاجِبَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ كَمَنْ أَحْرَمَ دُونَ مِيقَاتٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ بِحَجٍّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ وَجَبَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَقَعُ