الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ، وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فصل
بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَجِّ، وَسُنَنُهَا الْغُسْلُ، وَالذِّكْرُ، وَالدُّعَاءُ.
(فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا) أَوِ النِّيَّةَ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ) أَيْ: لَمْ يَصِحَّ نُسُكُهُ، (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا) وَلَوْ سَهْوًا (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَإِنْ عَدِمَهُ فَكَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَالْإِطْعَامِ عَنْهُ. وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: الْحِلَاقُ، وَالتَّقْصِيرُ لَا يَنُوبُ عَنْهُ: وَلَا يُحَلَّلُ إِلَّا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، (وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: هَدَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، فَلَمْ يَجِبْ جَبْرُهَا كَسُنَنِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَذَكَرَ فِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهِ: وَلَمْ يُشْرَعِ الدَّمُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ جُبْرَانَ الصَّلَاةِ أَدْخَلُ فَيَتَعَدَّى إِلَى صَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ غَيْرِهِ.
1 -
فَصْلٌ يُعْتَبَرُ فِي أَمِيرِ الْحَاجِّ كَوْنُهُ مُطَاعًا، ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ، وَعَلَيْهِ جَمْعُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ وَحِرَاسَتُهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَالنُّزُولِ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ، وَالنُّصْحُ لَهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إِلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ يَلْزَمُهُ عِلْمُ خُطَبِ الْحَجِّ، وَالْعَمَلُ بِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ جُرِّدَ مَعَهُمْ، وَجُمِعَ لَهُ مِنَ الْمُقْطَعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ، وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ، وَهَذَا كَأَخْذِ بَعْضِ الْإِقْطَاعِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ، وَيَلْزَمُ الْمُعْطِي بَذْلُ مَا أُمِرَ بِهِ، وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ تَبُوكَ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجَمَّالِينَ، خِلَافًا لِلْأَعْمَشِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى الْفَسَقَةِ.
[بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ]
ِ، الْفَوَاتُ: مَصْدَرُ فَاتَ يَفُوتُ فَوْتًا وَفَوَاتًا، إِذَا سَبَقَ وَلَمْ يُدْرَكْ، وَالْإِحْصَارُ مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ مَرَضًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا، وَحَصَرَهُ أَيْضًا، حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ، وَعَنْهُ: يَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَأَصْلُ الْحَصْرِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ: حَصَرَهُ فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ فَهُوَ مُحْصَرٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَشْهُورُ.
(وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ) لِعُذْرِ حَصْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ (فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) لَا خِلَافَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْوُقُوفِ آخِرُ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لِقَوْلِ جَابِرٍ:«لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يطلع الْفَجْر مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْتُ لَهُ: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
(وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ) صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " زَادَ: وَحَلْقٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ انْعَقَدَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَلَمْ يَنْقَلِبْ إِلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ، وَيَقْضِيهِ، فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا فَاتَ وَقْتُهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ مَا لَمْ يَفُتْ (وَعَنْهُ: يَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ فَإِنْ أَدْرَكَتَ الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ، وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَخْتَرِ الْبَقَاءَ عَلَى إِحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَارِنَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْصُوصِ، لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ. وَعَنْهُ: لَا يَنْقَلِبُ، وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، فَيُدْخِلُ إِحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى الْأَوَّلَةِ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُدْخِلُ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ قَارِنًا (وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) إِذَا كَانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ
وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ إِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِلَّا ذَبَحَهُ فِي عَامِهِ. وَإِنْ أَخْطَأَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحَجَّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ وَجَبَ قَضَاءُ النَّافِلَةِ، كَانَ الْحَجُّ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَلِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا) فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَتِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ قَضَاءِ النَّفْلِ كَالْإِفْسَادِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْحَجِّ مَرَّةً فَذَاكَ الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ.
1 -
(وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ هَدْيٌ) صَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهَا الْمَذْهَبُ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ: «مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ» قِيلَ: مَعَ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي عَامِهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ (يَذْبَحَهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ إِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ قَضَاءٌ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنَ الشَّامِ فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: انْطَلِقْ إِلَى الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَكَ هَدْيٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَاحْجُجْ، فَإِنْ وَجَدْتَ سَعَةً فَاهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعْتَ فَعَلَى هَذَا يَذْبَحُهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْقَضَاءِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. ومَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلًا، فَإِنِ اشْتَرَطَ فَلَا جَزْمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "(وَإِلَّا ذَبَحَهُ فِي عَامِهِ) إِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، إِذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْهَدْيُ: مَا اسْتَيْسَرَ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " بَدَنَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَهُوَ كَالْمُعْسِرِ، وَيَجِبُ الصَّوْمُ، فَإِنْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ هَدْيًا، وَأَذِنَ لَهُ فِي ذَبْحِهِ، خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَزِمَهُ هَدْيَانِ: هَدْيٌ لِلْإِحْصَارِ، وَهَدْيٌ لِلْفَوَاتِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَوْ كَانَ قَارِنًا، وَحَلَّ بِمَا قُلْنَا كَانَ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ مِنْ قَابِلٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُهُ مَا
النَّاسُ، فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحَجِّ، ذَبَحَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ وَحَلَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَعَلَهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا قَضَاءُ الْحَجِّ فَقَطْ، وَيَلْزَمُهُ هَدْيَانِ لِقِرَانِهِ وَفَوَاتِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ هَدْيٌ ثَالِثٌ لِلْقَضَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْفَوَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَأْمُرُوهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيٍ وَاحِدٍ.
(وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسُ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) كَالثَّامِنِ وَالْعَاشِرِ (أَجْزَأَهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَوْمُ عَرَفَةَ الَّذِي يُعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ» ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، هَلْ هو يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لِمَا يطلع فِي السَّمَاءِ، أَوْ لِمَا يَرَاهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ؟ وَالثَّانِي الصَّوَابُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ أَخْطَئُوا لِغَلَطٍ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ، لَمْ يُجْزِئْهُمْ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْوُقُوفَ مَرَّتَيْنِ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ، فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ، بَلِ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ " يَقِفُ مَرَّتَيْنِ إِنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا مَنْ رَآهُ (وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) وَفِي " الِانْتِصَارِ " عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " نَفَرٌ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إِنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ لِهَبَّارٍ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَلَمْ يَعْذُرْهُ بِذَلِكَ.
(وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحَجِّ ذَبَحَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ وَحَلَّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعَنِ الْمِسْوَرِ بن مخرمة، وَمَرْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ لِأَصْحَابِهِ:«قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الْحِلِّ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ شَرْعًا، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِحْصَارِ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَلُّوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَتْ عُمْرَةً، وَفِي كَلَامِهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْعُمْرَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَ " الْمُبْهِجِ " وَ " الْفُصُولِ "؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ:" وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحِلِّ " فَلَا إِشْكَالَ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: بَلْ يَكُونُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحَلُّلِ.
فَمِنْهَا: أَنْ لَا يَجِدَ طَرِيقًا آخَرَ آمِنًا، فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ، وَإِنْ بَعُدَ، وَخَافَ الْفَوَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَحْصُرْهُ أَحَدٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَحْصُرَهُ ظُلْمًا، فَيَشْمَلُ مَا إِذَا أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْمَرَضِ، وَشَمَلَ الْحَصْرَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ، كَمَا لَوْ حُصِرَ مُنْفَرِدًا بِأَنْ أَخَذَتْهُ اللُّصُوصُ أَوْ حُبِسَ وَحْدَهُ، فَلَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ يَلْزَمُهُ، وَيُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَشَمَلَ الْعَدُوَّ الْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ، وَالتَّحَلُّلُ مُبَاحٌ لِحَاجَتِهِ فِي الدَّفْعِ إِلَى قِتَالٍ، أَوْ بَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، وَالْعَدُوُّ مُسْلِمٌ، فَفِي وُجُوبِ الْبَذْلِ وَجْهَانِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَمَعَ كُفْرِ الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ قِتَالُهُ إِنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ أَوْ بَدَلَهُ إِنَّ عَجَزَ عَنْهُ: وَهُوَ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام هَكَذَا فَعَلَ، وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، فَيَنْحَرُهُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهِ وُجُوبًا فَكَأَنَّهُ كَالْحَلْقِ، يَجُوزُ لَهُ فَقَطْ فِي الْحِلِّ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَذَكَرَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ فِي الْحِلِّ، وَعَنْهُ: يَنْحَرُهُ فِي الْحَرَمِ، فَيُوَاطِئُ رَجُلًا عَلَى نَحْرِهِ فِي وَقْتٍ يَتَحَلَّلُ فِيهِ، رُوِيَ
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ حَلَّ. وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يُحِلَّ. وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ دُونَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى مَنْ حَصْرُهُ خَاصٌّ، أَمَّا فِي الْعَامِّ، فَلَا، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَعَذُّرِ الْحَلِّ بِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْهَدْيِ إِلَى مَحِلِّهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ الذَّبْحُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ ذَبْحِهِ، وَقَيَّدَهَا فِي " الْكَافِي " مَا إِذَا سَاقَ هَدْيًا، وَفِي " الْفُرُوعِ " بِالْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَلْقُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ بِنُسُكٍ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْإِحْرَامِ كَالرَّمْيِ، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهَا فِي " التَّعْلِيقِ " وَبَنَاهُمَا فِي " الْكَافِي " عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ أَوْ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، وَاشْتُرِطَتِ النِّيَّةُ هُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ فَقَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، فَيُحِلُّ مِنْهَا بِإِكْمَالِهَا، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنَ الْعِبَادَةِ قَبْلَ إِتْمَامِهَا، فَافْتَقَرَ إِلَيْهَا، فَإِنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ، فَلَمْ يَتَخَصَّصْ إِلَّا بِقَصْدِهِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ (فَإِنْ لَمْ يَجْدِ هَدْيًا) أَيْ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) بِالنِّيَّةِ كَالْهَدْيِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ وَاجِبٌ لِلْإِحْرَامِ، فَكَانَ لَهُ بَدَلٌ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ (ثُمَّ حَلَّ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ إِلَّا بَعْدَ الصِّيَامِ، كَمَا لَا يُحِلُّ إِلَّا بَعْدَ نَحْرِ الْهَدْيِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إِطْعَامَ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إِنَّ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ، قَوَّمَهُ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، (وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الذَّبْحِ أَوِ الصَّوْمِ (لَمْ يُحِلَّ) وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا، لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَلَمْ يُحِلَّ قَبْلَهُمَا كَمَا لَا يَتَحَلَّلُ الْقَادِرُ عَلَيْهَا قَبْلَهَا، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتُحَلُّلِهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي الْعِبَادَةِ، لَكِنْ إِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ، (وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ)
الْبَيْتِ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَيْ: قَضَاءِ النَّفْلِ (عَلَى الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ) نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صُدُّوا كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعِمِائَةً، وَالَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَهُ مِنْ قَابِلٍ كَانُوا يَسِيرًا، وَلَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُ أَمَرَ الْبَاقِينَ بِالْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ جَازَ التَّحَلُّلُ مِنْهُ مَعَ صَلَاحِ الزَّمَانِ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ كَالصَّوْمِ، وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو طَالِبٍ: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمَّا تَحَلَّلُ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ قَضَى مِنْ قَابِلٍ، وَسُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ إِتْمَامِهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَتَسْمِيَتُهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْقَضِيَّةُ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَلَوْ أَرَادُوا غَيْرَ ذَلِكَ لَقَالُوا: عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وَتُفَارِقُ الْفَوَاتَ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَلَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَعَلَى الْخِلَافِ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَخَرَّجَ مِنْهَا فِي " الْوَاضِحِ " مِثْلَهُ فِي مَنْذُورَةٍ، وَفِي كِتَابِ " الْهَدْيِ ": لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ هَدْيٌ، وَلَا قَضَاءٌ، لِعَدَمِ أَمْرِ الشَّارِعِ بِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ
1 -
(فَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فَسْخُ نِيَّةِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، فَعَلَى هَذَا يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ، وَعَنْهُ: حُكْمُهُ كَمَنْ مُنِعَ الْبَيْتَ، وَعَنْهُ: يَبْقَى مُحْرِمًا إِلَى أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ إِذَنْ (وَمَنْ حُصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرَ الْعَدُوِّ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ، لَمْ يَأْمُرْ عليه السلام ضُبَاعَةَ بِالِاشْتِرَاطِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالِهِ، وَلَا التَّخَلُّصَ مِنَ الْأَذَى الَّذِي بِهِ، بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَعَلَى هَذَا يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ (وَإِنْ فَاتَهُ
كَمَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ. وَمِنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَكَغَيْرِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ بَعَثَ بِهِ لِيُذْبَحَ بِالْحَرَمِ نَصَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ لِكَوْنِهِ يَذْبَحُهُ فِي مَوْضِعِهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ التَّحَلُّلُ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] وَلِمَا رَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ فَسَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَمَّا قَالَ فَصَدَّقَاهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُ الْإِحْصَارِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَرَضِ، يُقَالُ: أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ إِحْصَارًا، فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَزَعَمَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ كَلَامُ الْعَرَبِ، وَاسْتُفِيدَ حَصْرُ الْعَدُوِّ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ (كَمَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ) عَلَى مَا مَضَى، يَنْحَرُ الْهَدْيَ أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، ثُمَّ يُحِلُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ سَائِغٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلُ فَقَدْ حَلَّ، وَيَقْضِي عَبْدٌ كَحُرٍّ، وَصَغِيرٌ كَبَالِغٍ.
مَسْأَلَةٌ: مَثَلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مُقَامُهَا، وَحَرُمَ طَوَافُهَا، أَوْ رَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ، وَكَذَا مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَفِي " التَّعْلِيقِ " لَا يَتَحَلَّلُ (وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ، وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي الْعِبَادَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، صُمْتُ شَهْرًا، فَيَلْزَمُ بِوُجُودِهِ، وَيَعْدَمُ بِعَدَمِهِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لَا هَدْيَ، وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكْمَلَ أَفْعَالَ الْحَجِّ.