الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ
وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ وَلَا يُجْزِئُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَصْلٌ
إِذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرَ مِنَ الْحَجِّ، ثُمَّ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ، لَزِمَهُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَتَحَلَّلَ مِنْهُ، قَضَاهُ فِي عَامِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: وَلَا يَتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ صَارَ طَوَافُهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ يَصِحُّ إِذَنْ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ، وَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَرْمِي، وَيَطُوفُ وَيَسْعَى فِيهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَيَمْضِي فِيهَا، وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ إِذَا تَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ، فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنْهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ لَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ، لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ امْتِنَاعُ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ.
[بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ]
[مَا يُجْزِئُ فِي الهدي والأضحية]
بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ الْهَدْيُ: مَا أُهْدِيَ إِلَى الْحَرَمِ مِنَ النَّعَمِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: هُوَ مَا يُذْبَحُ بِمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُهْدي إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -.
وَالْأَضَاحِيُّ: جَمْعُ أُضْحِيَةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَالضَّحَايَا جَمْعُ ضَحِيَّةٍ، وَالْأَضَاحِيُّ جَمْعُ أَضْحَاةٍ كَأَرْطَاةٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأُضْحِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَذَكَرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ، وَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَمِنَ الْبَقَرِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنَ الْمَعْزِ: مَا لَهُ سَنَةٌ، وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَمْلَحُ: هُوَ الْأَبْيَضُ النَّقِيُّ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، أَوِ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَبَيَاضُهُ أَكْثَرُ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ.
(وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي الرَّوَاحِ إِلَى الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام رَتَّبَهَا عَلَى قَدْرِ الْفَضِيلَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَيُّ: النُّسُكِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتِ فَنَاقَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ. قَالَتْ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: انْحَرِي نَاقَةً، وَلِأَنَّ الْبَدَنَةَ أَكْثَرُ لَحْمًا وَثَمَنًا،
وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ
فَكَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِكُلٍّ مِنْهَا، وَهُوَ فِي الْغَنَمِ إِجْمَاعًا وَالْإِبِلِ وَالْبَقْرِ وِفَاقًا، لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَحْشِيًّا، لَمْ يَجُزْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِطَائِرٍ، وَهُوَ وِفَاقٌ (وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ، وَلَحْمُ الذَّكَرِ أَوْفَرُ وَلَحْمُ الْأُنْثَى أَرْطَبُ فَيَتَسَاوَيَانِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَفْضَلُ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُصُولِ " هِيَ وَالْأَسْمَنَ، ثُمَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا، ثُمَّ الْأَمْلَحَ، ثُمَّ الْأَصْفَرَ، ثُمَّ الْأَسْوَدَ. قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَكْرَهُ السَّوَادَ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّ الْكَبْشَ مِنَ الْأُضْحِيَةِ أَفْضَلُ الْغَنَمِ، وَجَذَعُ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا عَكْسَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ.
(وَلَا يُجْزِئُ إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ) لِمَا رَوَتْ أُمُّ بِلَالٍ بِنْتُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ أُضْحِيَةً» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْهَدْيُ مِثْلُهُ، (وَهُوَ مَالَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْخِرَقِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلَتْ بَعْضَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَيْفَ يَعْرِفُونَ الضَّأْنَ إِذَا أَجْذَعَ؟ قَالُوا: لَا تَزَالُ الصُّوفَةُ قَائِمَةُ عَلَى ظَهْرِهِ مَا دَامَ حَمْلًا، فَإِذَا نَامَتِ الصُّوفَةُ عَلَى ظَهْرِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَجْذَعَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى (وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَذْبَحُونَ لَهُمَا، (وَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ) وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ،
وَاحِدٍ، وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمُ الْقُرْبَةَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ. وَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ الَّتِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُلْقِي ثَنِيَّتَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَا كَمُلَ لَهُ سِتٌّ (وَمِنَ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ) قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَا كَمُلَ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ (وَمِنَ الْمَعْزِ: مَا لَهُ سَنَةٌ) وَقَدْ سَبَقَ فِي الزَّكَاةِ، فَلَوْ كَانَ أَعْلَى سِنًّا أَجْزَأَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُجْزِئُ جَذَعُ إِبِلٍ، وَبَقَرٍ عَنْ وَاحِدٍ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ أَيُجْزِئُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؟ قَالَ: يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ، وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ.
(وَتُجِزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ) لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِهِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَالْمَنْصُوصِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ، لِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ (وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ:«نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ، وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا» ، وَفِي لَفْظٍ:«فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ ذَبْحُهَا عَنْهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمُ الْقُرْبَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُجْزِئَ لَا يَنْقُصُ بِإِرَادَةِ الشَّرِيكِ غَيْرَ الْقُرْبَةِ فَجَازَ كَمَا لَوِ اخْتَلَفت جهات القرب فَأَرَادَ بَعْضُهُمُ الْمُتْعَةَ، وَالْآخَرُ الْقِرَانَ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ أَيْضًا إِفْرَازٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْآخَرِ: بَيْعٌ فَيُمْتَنَعُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ ذِمِّيًّا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَهُ الْقَاضِي، فَلَوْ كَانُوا بَعْدَ الذَّبْحِ ثَمَانِيَةً ذَبَحُوا شَاةً، وَأَجْزَأَهُمْ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: يُجْزِئُ سَبْعَةً، وَيُرْضُونَ الثَّامِنَ، وَيُضَحِّي.
فَرْعٌ: زِيَادَةُ الْعَدَدِ فِي جِنْسِ أَفْضَلُ كَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: الْمُغَالَاةُ فِي الثَّمَنِ، وَقِيلَ: سَوَاءٌ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ بَدَنَتَانِ سَمِينَتَانِ بِتِسْعَةٍ، وَبَدَنَةٌ بِعَشَرَةٍ؛ قَالَ: بَدَنَتَانِ أَعْجَبُ إِلَيَّ.
1 -
(وَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْهَدْيِ، وَالْأَضَاحِيِّ (الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ الَّتِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا، وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا مُخَّ
الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا مُخَّ فِيهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَضْبَاءُ وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِيهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ:«قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَا فُسِّرَ بِهِ الْعَوْرَاءُ هُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ، إِذِ الْعَيْنُ عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ بِهَا بَيَاضٌ لَا يَمْنَعُ النَّظَرَ، تُجْزِئُ، وَكَذَا إِنْ أَذْهَبْهُ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الَّتِي لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا لِهُزَالِهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِهَا أَيْ: بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ يَمْنَعُهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ لَحْمُهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ عَرَجُهَا لَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، أَجْزَأَتْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " هِيَ الَّتِي لَا تُطِيقُ أَنْ تَبْلُغَ النُّسُكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْكَسِيرَةَ لَا تُجْزِئُ، وَذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيُنْقِصُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا أَنَّهَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَ الصَّحِيحَةِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: هِيَ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا، وَلَحْمَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا: هِيَ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ.
وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ يُنَاطُ الْحُكْمُ بِفَسَادِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ، وَلَعَلَّ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَمْيَاءَ لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْعَوْرَاءِ، لِمَنْعِهَا مَعَ الْمَشْيِ مَعَ جِنْسِهَا، وَمُشَارَكَتِهَا لَهُنَّ فِي الْمَرْعَى، وَفِي قَائِمَةِ الْعَيْنَيْنِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا جَافَّةُ الضَّرْعِ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِنَقْصِ الْخَلْقِ، (وَ) لَا تُجْزِئُ (الْعَضْبَاءُ) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: الْعَضَبُ: النِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ،
أُذُنِهَا، أَوْ قَرْنِهَا. وَتُكْرَهُ الْمَعِيبَةُ الْأُذُنِ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ قَطْعٍ لِأَقَلِّ مِنَ النِّصْفِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ، وَالْفَسَادُ، وَبِهِ يَتَخَصَّصُ مَفْهُومُ مَا سَبَقَ إِنْ سَلِمَ الْمَفْهُومُ، وَإِنَّ لَهُ عُمُومًا، (وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ النِّصْفُ فَأَكْثَرَ، ذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ لِلْخَبَرِ، وَعَنْهُ: الْمَانِعُ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَا فَوْقَ الثُّلُثِ، وَاخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ " الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ نَظَرًا فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يُؤْكَلُ، وَالْأُذُنُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهَا غَالِبًا، ثُمَّ هِيَ كَقَطْعِ الذَّنَبِ، وَأَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ.
(وَتُكْرَهُ الْمَعِيبَةُ الْأُذُنِ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ قَطْعٍ لِأَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّي بِمُقَابِلَةٍ، وَلَا مُدَابِرَةٍ، وَلَا خَرْقَاءَ، وَلَا شَرَفَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ لَحْمُهَا، وَلَا يُوجَدُ سَالِمٌ مِنْهَا، وَفِي " الْإِرْشَادِ ": لَا يُجْزِئُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِلْمَشَقَّةِ، وَالْقَرْنُ كَالْأُذُنِ.
تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ يُجْزِئُ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ فَمِنْهَا الْهَتْمَاءُ، وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَتْ ثَنَيَاهَا مِنْ أَصْلِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ الَّتِي سَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِهَا تُجْزِئُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا لَا تُجْزِئُ عَصْمَاءُ، وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصُ " وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِي الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ أَلْيَتِهِ دُونَ الثُّلْثِ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ، وَالْبَتْرَاءُ، وَالْخَصِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَا تُجْزِئُ الْجَمَاءُ، وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى، فَيَطْعَنُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي الْوَهْدَةِ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا قَرْنٌ لِعَدَمِ النَّهْيِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا، (وَالْبَتْرَاءُ) الَّتِي لَا ذَنَبَ لَهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُضَحَّى بِهَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَلَوْ كَانَ وَقُطِعَ، فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الَّذِي قُطِعَ مِنْهَا عُضْوٌ كَالْأَلْيَةِ: لَا تُجْزِئُ، (وَالْخَصِيَّ) بِلَا جَبٍّ ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْمَوْجُوءُ: الْمَرْضُوضُ الْخُصْيَتَانِ سَوَاءٌ قُطِعَتَا أَوْ سُلِتَا، وَلِأَنَّهُ إِذْهَاب عضو غير مُسْتَطَاب بَلْ يَطِيبُ اللَّحْمُ بِزَوَالِهِ وَيَسْمَنُ، بِخِلَافِ شَحْمَةِ الْعَيْنِ، وَفَسَّرَ ابْنُ الْبَنَّا الْخَصِيَّ بِمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ، وَلَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ: لَا يُجْزِئُ خَصِيٌّ مَجْبُوبٌ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تُجْزِئُ الْجَمَّاءُ) كَالَّتِي ذهب أَكْثَرُ قَرْنِهَا، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ.
(وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ) لِلنَّصِّ، وَلِفِعْلِهِ عليه السلام (قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَةً لِيَنْحَرَهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] دَالٌّ عَلَيْهِ مَعَ مَا حَكَاهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أَيْ: قِيَامًا، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا خَشِيَ عَلَيْهَا، أَنَاخَهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: كَيْفَ شَاءَ بَارِكَةً، وَقَائِمَةً (فَيَطْعَنُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي الْوَهْدَةِ) بِسُكُونِ الْهَاءِ، وَهُوَ الْمُطْمَئِنُّ (الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) وَلِأَنَّ عُنُقَ الْبَعِيرِ طَوِيلَةٌ، فَلَوْ طَعَنَ بِالْقُرْبِ مِنْ رَأْسِهِ لَحَصَلَ لَهُ تَعْذِيبٌ، عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ.
1 -
وَالصَّدْرِ. وَتُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إِلَّا مُسْلِمٌ، فَإِنْ ذَبْحَهَا بِيَدِهِ، كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنْ لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَتُذْبَحُ الْبَقَرُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67](وَالْغَنَمُ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «ذَبَحَ كَبْشَيْنِ» . وَظَاهِرُهُ: لَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ عَكَسَ جَازَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُوقِفُ فِي أَكْلِ الْبَعِيرِ إِذَا ذُبِحَ، وَلَمْ يُنْحَرْ (وَيَقُولُ) بَعْدَ تَوْجِيهِ الذَّبِيحَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ (عِنْدَ ذَلِكَ) قَالَ أَحْمَدُ: حِينَ يُحَرِّكُ يَدَهُ بِالذَّبْحِ (بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَاخْتِيرَ التَّكْبِيرُ هُنَا اقْتِدَاءً بِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُتِيَ بِفِدَاءِ إِسْمَاعِيلَ (اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ، وَلَكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ أَوْ مِنْ فُلَانٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَقْتَ الذَّبْحِ (وَجَّهَتُ وَجْهِيَ) إِلَى قَوْلِ (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ عَمَّنْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُجْزِئُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إِلَّا مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَلَا يَلِيهَا غَيْرُ أَهْلِ الْقُرْبِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يُبَاحُ ذَبْحُهُ، جَازَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُ غَيْرُ الْأُضْحِيَةِ، فَكَذَا هِيَ كَالْمُسْلِمِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مَا هُوَ قُرْبَةٌ لِلْمُسْلِمِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ:«وَلَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إِلَّا طَاهِرٌ» وَلِتَحْرِيمِ الشُّحُومِ عَلَيْنَا فِي رِوَايَةٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ إِتْلَافِهِ. وَعَنْهُ: فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ الشُّحُومِ. فَإِنْ قُلْنَا بِتَحْرِيمِهَا، فَلَا يَلِي الْكِتَابِيُّ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّا لَا
يَفْعَلْ، اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا. وَوَقْتُ الذَّبْحِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَدْرِهَا إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
نُسَلِّمُ تَحْرِيمَ الشُّحُومِ عَلَيْنَا بِذَبْحِهِمْ، وَحَدِيثُ الْمَنْعِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِذَنْ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يُشْتَرَطْ نَظَرًا لِلتَّعْيِينِ لَا تَسْمِيَة الْمُضَحَّى عَنْهُ (فَإِنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ كَانَ أَفْضَلَ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَحَرَ هَدِيَهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ ذَبْحَهُمَا بِيَدِهِ» ؛ ولِأَنَّ فِعْلَ الْقُرَبِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَشْهَدَهَا) ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، لِقَوْلِهِ عليه السلام «لِفَاطِمَةَ احْضُرِي أُضْحِيَتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، (وَ) أَوَّلُ (وَقْتِ الذَّبْحِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ) أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ (أَوْ قَدْرِهَا) فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا مَضَى أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، دَخَلَ وَقْتَ الذَّبْحِ إِذَا مَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَبَقَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَعَلَّقُ أَجْرُهَا بِالْوَقْتِ فَتَعَلَّقُ أَوَّلُهَا بِهِ كَالصَّوْمِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ قَدْرِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: قَدْرَ الْخُطْبَةِ، أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ مُضِيِّ الْخُطْبَةِ أَوْ قَدْرِهَا؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْمُصْرِ لَا يُضَحِّي حَتَّى يُصَلِّيَ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمُ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، لِمَا رَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى» فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ نَفْسِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام عَلَّقَ الْمَنْعَ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ مَعَهَا الْفَرَاغُ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَهِيَ اخْتِيَارُهُ فِي " الْكَافِي " وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ ذَبْحُ الْإِمَامِ لِأَمْرِهِ عليه السلام «مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ، يَنْحَرُ آخَرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَاعْتَبَرَ
آخِرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا تُجْزِئُ فِي لَيْلَتِهِمَا فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْخِرَقِيُّ أَنْ يَمْضِيَ مِنْهُ مِقْدَارُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتُهُ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَقَدْ يَفْعَلُ، وَقَدْ لَا يَفْعَلُ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ بِمَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ ذَلِكَ، فَعَلَى الْخِلَافِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنْ يَكُونَ قَدْرَ صَلَاةٍ وَخُطْبَةٍ بِآيَتَيْنِ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ احْتِمَالًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِمُتَوَسِّطِي النَّاسِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَيَجُوزُ فِي أَوَّلِهِمَا لِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِذَا اعْتُبِرَ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِذَا صَلَّى فِي الْمُصَلَّى، وَاسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَسْبَقِ، فَإِنْ فَاتَ الْعِيدُ بِالزَّوَالِ، ضَحَّى إِذَنْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَتْبَعُ الصَّلَاةَ قَضَاءً كَمَا يَتْبَعُهُ أَدَاءً مَا لَمْ يُؤَخَّرْ عَنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ، فَيَتْبَعُ الْوَقْتَ ضَرُورَةً.
فَرْعٌ: إِذَا ذَبَحَ قَبْلَ وَقْتِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ، وَقِيلَ: حَكْمُهُ كَأُضْحِيَةٍ (إِلَى آخَرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) قَالَ أَحْمَدُ: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُبَاحَ ذَبْحُهَا إِلَى وَقْتٍ يَحْرُمُ أَكْلُهَا فِيهِ، وَنَسْخُ أَحَدُ الْحِلَّيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ الْآخَرِ، وَفِي " الْإِيضَاحِ ": وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: آخِرُهُ آخَرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَأَفْضَلُهُ أَوَّلُ يَوْمٍ، ثُمَّ مَا يَلِيهِ» ، وَخَصَّهَا ابْنُ سِيرِينَ يَوْمَ النَّحْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ عِيدٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهَا تَجُوزُ إِلَى الْمُحَرَّمِ.
(وَلَا تُجْزِئُ فِي لَيْلَتِهِمَا فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28]