الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رِوَايَةً يُفْطِرُ بِسَمَاعِ الْغِيبَةِ، وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ ثَوَابَهُ بِالْغِيبَةِ، وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالِاجْتِنَابِ عَمَّا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى إِبَاحَةِ الْكَذِبِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ فِي مَوَاضِعَ، وَعَلَى إِبَاحَةِ الْغِيبَةِ كَالتَّظَلُّمِ وَالِاسْتِفْتَاءِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرٍ مُنْكَرٍ، وَالتَّحْذِيرِ، وَالتَّعْرِيفِ، وَالْجَرْحِ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا نَحْفَظُ صَوْمَنَا، وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا، وَلَا نَعْمَلُ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ. قَالَهُ أَحْمَدُ.
وَيُسَنُّ لَهُ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَتْرُكُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُقْبِلُ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقْرَأُ سِتِّينَ خَتْمَةً.
وَالذِّكْرُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِيمَا سِوَاهُ.
وَالصَّدَقَةُ، لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا (فَإِنْ شُتِمَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ) لِمَا فِي " الصَّحِيحِ ": «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُطْلَقَ بِاللِّسَانِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ، وَلَا يَطَّلِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَإِلَّا جَهَرَ بِهِ؛ لِلْأَمْنِ مِنَ الرِّيَاءِ، وَفِيهِ زَجْرٌ عَنْ مُشَاتَمَتِهِ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ.
[اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَالتَّتَابُعِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ]
فَصْلٌ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ: إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ إِجْمَاعًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا فِي عَهْدِهِ عليه السلام ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَمَارَةٌ يَدْخُلُهُ الِاجْتِهَادُ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ كَالْقِبْلَةِ، خِلَافًا
يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " فَلَمْ يُجَوِّزْهُ إِلَّا بِالْيَقِينِ بِخِلَافِ أَوَّلِهِ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى أَفْطَرَ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يُطْعَمْ، وَفِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ شَرْعًا فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ لِفِعْلِهِ عليه السلام، (وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ) مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوعَ الْفَجْرِ الثَّانِي. قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَخْبَارٍ مِنْهَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ:«تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ، وَالتَّحَفُّظِ مِنَ الْخَطَأِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الْآجُرِّيُّ لَوْ قَالَ لِعَالِمَيْنِ: ارْقُبَا الْفَجْرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَعَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا. أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:«وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَكْلَةُ السَّحَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِمْسَاكُ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَآخِرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَطَعَ آخَرُونَ بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْجِمَاعِ وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَقَوَّى بِهِ بَلْ يُكْرَهُ مَعَ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: السَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ، وَبِالضَّمِّ اسْمُ الْفِعْلِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ فِي كَلَامِهِ: الْفِعْلُ فَيَكُونُ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ) لِمَا رَوَى سَلْمَانُ بْنُ
أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجِبُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا الرُّطَبُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ ابْنُ الْمَنْجَا، فَقَالَ: إِنَّ الرُّطَبَ لَا يُوجَدُ فِي بِلَادِ الشَّامِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا تَقْدِيمٌ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، (وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِمَا: تَقَبَّلْ مِنَّا، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا أَفْطَرَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَالْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوْلَى. وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ:«ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَلِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ» .
(وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يحاكِي الْأَدَاءَ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنَ الْخِلَافِ، وَأَنْجَزُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَفْطَرَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ أَوْ لَا، وَيَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهِ الْخِلَافُ كَالصَّلَاةِ، (وَلَا يَجِبُ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. قَالَ: الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«قَضَاءُ رَمَضَانَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» . رَوَاهُ