الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
التَّاسِعُ: الْمُبَاشِرَةُ
فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ، فَأَنْزَلَ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وَجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ، وَفِي " فُنُونِ " ابْنِ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ إِحْرَامُهُ عَلَى احْتِمَالٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَا يُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يَنْفِي أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْإِحْرَامِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْمَيْمُونِيُّ: مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْتَقِضُ إِحْرَامُهُ، وَيَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ فَيَكُونُ إِحْرَامٌ مَكَانَ إِحْرَامٍ، فَهَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فَسَادُ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَا مَا مَضَى، إِذْ لَوْ فَسَدَ كُلُّهُ لَوَقَعَ الْوُقُوفُ في غير إِحْرَامٌ.
(وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ، أَوْ شَاةٌ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرِّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ شَاةً، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِعَدَمِ إِفْسَادِهِ لِلْحَجِّ، كَوَطْءٍ دُونَ الْفَرْجِ بِلَا إِنْزَالٍ، وَلِخِفَّةِ الْجَنَايَةُ فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتَارَهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي الْحَجِّ فَأَوْجَبَهَا كَمَا قَبْلَ الرَّمْيِ.
فَرْعٌ: الْقَارِنُ كَالْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ، بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ.
تَنْبِيهٌ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ وَطِئَ قبل الفراغ مِنَ الطَّوَافِ فَسَدَتْ، وَكَذَا قَبْلَ سَعْيِهَا، إِنْ قُلْنَا هُوَ رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ، خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْحَلْقِ إِنْ لَمْ يَجِبْ، وَكَذَا إِنْ وَجَبَ، وَيُلْزِمُهُ دَمٌ، وَقَدَّمَ فِي " التَّرْغِيبِ " تَفْسُدُ، وَيَجِبُ بِإِفْسَادِهَا شَاةٌ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِنَقْصِهَا عَنِ الْحَجِّ، وَفِي " الْمُوجَزِ " لِلْحُلْوَانِيِّ الْأَشْبَهُ بَدَنَةٌ كَالْحَجِّ.
[التَّاسِعُ: الْمُبَاشِرَةُ]
فَصْلٌ (التَّاسِعُ: الْمُبَاشِرَةُ) أَيِ: الْوَطْءُ (فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ) وَكَذَا إِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْوَطْءِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَكَانَ حَرَامًا (فَإِنْ
وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، لَمْ يَفْسُدْ.
فَصْلٌ
وَالْمَرْأَةُ إِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَّا فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَعَلَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ أُقْرِنَ بِهَا الْإِنْزَالُ فَأَوْجَبَتْهَا كَالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، وَعَنْهُ: شَاةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي إِنْ لَمْ تَفْسُدْ وأطلقها الحلواني كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَفِي الْقِيَاسَيْنِ نَظَرٌ. (وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ".
إِحْدَاهُمَا: يَفْسُدُ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَهُ (وَأَنْزَلَ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْإِنْزَالُ، فَأَفْسَدَهَا الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ كَالصَّوْمِ.
وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ صَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لَمْ يَجِبْ بِنَوْعِهِ الْحَدُّ، فَلَمْ يُفْسِدْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَالْأَوْلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُفْسِدُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، وَالْحَجُّ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ، وَالرَّفَثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَمْ نَقُلْ بِجَمِيعِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْفُسُوقِ، وَالْجِدَالِ، وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ: إِنْ أَمْنَى بِالْمُبَاشِرَةِ فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ عَرِيَتْ عَنْ إِنْزَالٍ فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ كَاللَّمْسِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحُلْوَانِيِّ أَنَّ لَنَا فِيهِ خِلَافًا، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لِرَجُلٍ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ أَفْسَدْتَ حَجَّكَ، وَنَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْزَالِ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ، فَأَمْنَى لَمْ يَفْسُدْ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَكَالْإِنْزَالِ بِالْفِكْرِ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فِي الْمَنْصُوصِ، وَسَيَأْتِي.
1 -
فَصْلٌ (وَالْمَرْأَةُ إِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا) فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ أَوْ نِقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا
اللِّبَاسِ، وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ، وَلَا تَلْبِسُ الْقُفَّازَيْنِ، وَلَا الْخَلْخَالَ وَنَحْوَهُ وَلَا تَكْتَحِلُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ رَأْسِهَا كُلِّهِ، وَلَا يُمْكِنُهَا إِلَّا بِجُزْءٍ مِنَ الْوَجْهِ، وَلَا يُمْكِنُهَا كَشْفُ جَمِيعِ الْوَجْهِ إِلَّا بِجُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِوُجُوبِ سَتْرِهُ مُطْلَقًا، وَأَلْحَقَ أَبُو الْفَرَجِ بِهِ الْكَفَّيْنِ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُبْهِجِ " رِوَايَةً، فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى سَتْرِ وَجْهِهَا لِمُرُورِ الرِّجَالِ قَرِيبًا مِنْهَا، جَازَ أَنْ تُسْدِلَ الثَّوْبَ فَوْقَ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا لِفِعْلِ عَائِشَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا، وَشَرْطُ الْقَاضِي فِي السَّاتِرِ أَنْ لَا يُصِيبَ بَشَرَتَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا، ثُمَّ ارْتَفَعَ بِسُرْعَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَدَتْ لِاسْتِدَامَةِ السَّتْرِ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلَّفِ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا هُوَ مِنَ الْخَبَرِ بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهُ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ الْمَسْدُولُ مِنْ إِصَابَةِ الْبَشْرَةِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَ.
(وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ) مِنْ قَطْعِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ، وَنَحْوِهَا (إِلَّا فِي اللِّبَاسِ، وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ) لِحَاجَتِهَا إِلَى السَّتْرِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَكَعَقْدِ الْإِزَارِ لِلرَّجُلِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا السُّكَّ وَالْمُطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهَا» . وَإِنَّمَا كُرِهَ فِي الْجُمُعَةِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ لِقُرْبِهَا مِنَ الرِّجَالِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، (وَلَا تَلْبَسُ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُ (الْقُفَّازَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَكَالرَّجُلِ، وَهُمَا شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ كَمَا يُعْمَلُ لِلْبُزَاةِ، وَفِي لُبْسِهِمَا الْفِدْيَةُ كَالنِّقَابِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْطِيَتِهِمَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ جَوَازُهُ بِهِمَا بِدَلِيلِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَيْهِ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ، وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمَيْهَا بِكُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي، وَمِثْلُهُمَا إِنْ لَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا خِرْقَةً أَوْ خِرَقًا، وَشَدَّتْهَا عَلَى
بِالْإِثْمِدِ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْكُحْلِيِّ، وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حِنَّاءٍ أَولا، كَشَدِّهِ عَلَى جَسَدِهِ شَيْئًا، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَحْمَدَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يَحْرُمُ، وَإِنْ لَفَّتْهَا بِلَا شَدٍّ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ لَا التَّغْطِيَةُ كَبَدَنِ الرَّجُلِ، (وَلَا الْخَلْخَالَ، وَنَحْوَهُ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَحَمَلَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الزِّينَةِ كَالْكُحْلِ، وَلَا فِدْيَةَ، فِيهِ بِخِلَافِ الْقُفَّازَيْنِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهَا لُبْسَ الْحَلْيِ كَالسِّوَارِ، وَالدُّمْلُجِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ نَافِعٌ: كُنَّ نِسَاءُ ابْنِ عُمَرَ يَلْبَسْنَ الْحَلْيَ، وَالْمُعَصْفَرَ، وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَفِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ: وَتَلْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ، وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ، وَلَا يَحْرُمُ لِبَاسُ زِينَةٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: الْمُحْرِمَةُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَتْرُكَانِ الطِّيبَ، وَالزِّينَةَ، وَلَهُمَا سِوَى ذَلِكَ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " يَحْرُمُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالِ كَحَلْيٍ، (وَلَا تَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ) نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا تَكْتَحِلُ بِالْأَسْوَدِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِامْرَأَةٍ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وهي محرمة: اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْتِ غَيْرِ الْإِثْمِدِ وَالْأَسْوَدِ، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ، وَيَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهِ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ كَاللِّبَاسِ، وَالطِّيبِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِلَّا لِزِينَةٍ فَيُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لَكِنْ إِنَّمَا خُصَّتِ الْمَرْأَةُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الزِّينَةِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّهَا أَكْثَرُ، وَتَقْيِيدِهِمْ بِالْإِثْمِدِ وَالْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِزِينَةٍ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، كَالَّذِي يُتَدَاوَى بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، وَلِهَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَرَى بِالدُّرُورِ الْأَحْمَرِ بَأْسًا، (وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ، وَالْكُحْلِيُّ) لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمَةِ: «وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوَحَلْيٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ: أَنَّهُمَا كَانَا يُحْرِمَانِ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَلَمْ يُكْرَهِ الْمَصْبُوغُ بِهِ كَالسَّوَادِ فَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ، فَلَا؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَأَمَّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَصْبُوغُ بِالرَّيَاحِينِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ لِكَرَاهَتِهِ لَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ (وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ) لِمَا رَوَى عِكْرِمَةُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ، وَهُنَّ حُرُمٌ. رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ كَالْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ فَإِذَا اخْتَضَبَتْ وَشَدَّتْ يَدَيْهَا بِخِرْقَةٍ فَدَتْ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لَوْنُهُ لَا رِيحُهُ عَادَةً كَخِضَابٍ بِسَوَادٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلرَّجُلِ فِيمَا لَا يَتَشَبَّهُ فِيهِ بِالنِّسَاءِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ. وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الْحِنَّاءِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَرِهَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هُوَ بِلَا حَاجَةٍ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ، وَاحْتَجَّ بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهِينَ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ فَأَمَّا خِضَابُهَا بِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَمُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ فَاسْتُحِبَّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ.
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ، وَالتَّحَبُّبِ لِلزَّوْجِ كَالطِّيبِ، وَيُكْرَهُ لِلْأَيِّمِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:«يَا مَعَاشِرَ النِّسَاءِ اخْتَضِبْنَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَضِبُ لِزَوْجِهَا، وَإِنَّ الْأَيِّمَ تَخْتَضِبُ تَعَرَّضُ لِلرِّزْقِ مِنَ اللَّهِ عز وجل» (وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ فِي الْمِرْآةِ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ إِزَالَةَ شَعَثٍ أَوْ تَسْوِيَةَ شَعْرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الزِّينَةِ، كُرِهَ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدَبٌ، وَفِي قَوْلٍ: يَحْرُمُ، وَقَوْلُهُ:(لَهُمَا) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ متعلق بالنظر لِقُرْبِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " يَجُوزُ " وَهُوَ الظَّاهِرُ.
تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَّجِرَ، وَيَصْنَعَ الصَّنَائِعَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَيَلْبَسُ الْخَاتَمَ، لَكِنْ يُكْرَهُ إِنْ كَانَ لِزِينَةٍ كَحَلْيٍ وَنَظَرٍ فِي مِرْآةٍ