الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ، وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ.
فَصْلٌ وَ
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا
وَهُوَ زَوْجُهَا، أَوْ مَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحَجُّ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ فِي الطَّرِيقِ حَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا، وَإِنْ صُدَّ فَعَلَ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ (فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يُخْلِفْ مَا يَكْفِي الْحَجَّ مِنْ بَلَدِهِ (أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَتَزَاحَمُوا (أَخَذَ الْحَجُّ بِحِصَّتِهِ) كَمَا لَوْ خَلَّفَ مِائَةً، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَالْحَجُّ يَكْفِيهِ مِائَةٌ فَيَطْلُعُ لَهُ خَمْسُونَ، (وَحَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَعَنْهُ: يَسْقُطُ الْحَجُّ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أَمْ لَا، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَوْصَى بِحَجٍّ نَفْلٍ أَوْ أُطْلِقَ جَازَ مِنَ الْمِيقَاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ قَرِينَةٌ، وَقِيلَ: مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ كَحَجٍّ وَاجِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَفِ لَهُ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ حَجَّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: الْمُتَطَوِّعُ مَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَانَ.
أَصْلٌ: يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَالْبَصِيرِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ، وَيُعْتَبَرُ لَهُ قَائِدٌ كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ، وَهُوَ كَالْمُحْرِمِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدٌ يُلَائِمُهُ أَيْ: يُوَافِقُهُ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَقِيلَ: وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ، فَلَوْ تَبَرَّعَ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِلْمِنَّةِ.
[يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا]
فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ
تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ إِذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَعَنْهُ: أَنَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَعَهَا حُرْمَةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ «ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» ، وَلَهُ أَيْضًا " ثَلَاثًا " وَهَذَا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ خَاصٌّ، وَلِأَنَّهَا أَنْشَأَتْ سَفَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَالزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجُوزِ، وَالشَّابَّةِ، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ، وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: لَا يَحِلُّ سَفَرُهَا إِلَّا لِمَحْرَمٍ قَالَ: إِذَا صَارَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ أَوْ تِسْعٌ. قُلْتُ: هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعًا فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ، وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَوَاعِدِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ، وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ، وَعَنْهُ: لَا يُعْتَبَرُ إِلَّا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةً مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ، وَقَالَ: هَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَسُؤَالِهِمْ، فَخَرَجَتْ جَوَابًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمُ اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِإِمَاءِ الْمَرْأَةِ، وَعُتَقَائِهَا، لَكِنْ قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِمَاءُ الْمَرْأَةِ يُسَافِرْنَ مَعَهَا، وَلَا يَفْتَقِرْنَ إِلَى مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَأَمَّا عُتَقَاؤُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُنَّ كَالْإِمَاءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَحْرَمٌ، وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَمَلَكْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِتْقِ، (وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [أَنْ] تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فصاعدا إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجِ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سَفَرِ الْمَحْرَمِ مَعَهَا صِيَانَتُهَا، وَحِفْظُهَا مَعَ الْخَلْوَةِ، وَالنَّظَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ (بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَرَضَاعٍ، وَمُصَاهَرَةٍ، وَوَطْءٍ مُبَاحٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِيهِ رَابُّهَا، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهَا، وَرَبِيبُهَا، وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَخَرَجَ مِنْهُ الزَّانِي، وَالْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ، فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ، وَابْنَتِهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ، قَالَ: فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " الْمَحْرَمِيَّةُ نِعْمَةٌ فَاعْتُبِرَ إِبَاحَةُ سَبَبِهَا كَسَائِرِ الرُّخَصِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَاخْتَارَهُ فِي " الْفُصُولِ " فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزِّنَا، لَكِنْ يُسْتَثْنَى، وَمُرَادُهُمْ بِالشُّبْهَةِ الْوَطْءُ الْحَرَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ فَيَرِدُ عَلَى إِطْلَاقِهِ الْمُلَاعَنَةُ فَيُزَادُ فِيهِ سَبَبٌ مُبَاحٌ لِحُرْمَتِهَا، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْآدَمِيِّ " فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ، وَتَغْلِيظٌ لَا لِحُرْمَتِهَا، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى اسْتِثْنَائِهِنَّ لِانْقِطَاعِ حُكْمِهِنَّ، وَظَهَرَ أَنَّ زَوْجَ الْأُخْتِ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُخْتِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ أَبَدًا، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ النَّظَرِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَعَنْهُ: هُوَ مَحْرَمٌ، وَذَكَرَ فِي " شَرْحِ الْمَذْهَبِ " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا كَذِي مَحْرَمِهَا، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْقَوَاعِدِ مِنَ النِّسَاءِ، وَبِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ (إِذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يَقُومَانِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَكَيْفَ يَخْرُجَانِ مَعَ غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَحْرَمِ حِفْظُ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فِي " الْفُرُوعِ ": ذَكَرًا وَيُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ، وَكَالْمَجُوسِ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مِثْلَهُ مُسْلِمٌ لَا يُؤْمَنُ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إِسْلَامُهُ إِنْ أُمِّرَ عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ بَاذِلًا لِلْخُرُوجِ مَعَهَا وَلَوْ عَبْدًا وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَهُمَا، وَلَوْ بَذَلَتِ النَّفَقَةَ، لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ مَعَهَا وَكَانَتْ كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا إِلَّا الْعَبْدَ إِذَا قُلْنَا: بِأَنَّهُ مَحْرَمٌ فَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ مَعَهَا، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ لِأَمْرِهِ عليه السلام الزَّوْجَ بِالسَّفَرِ مَعَهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ فَإِنْ أَرَادَ أَجْرَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهَا،
الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ. وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ، مَضَتْ فِي حَجِّهَا، وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَذْرٌ وَلَا نَافِلَةٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيَتَوَجَّهُ كَنَفَقَتِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّغْرِيبِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لَمْ يَلْزَمْهَا لِلْمِنَّةِ، (وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ) كَإِمْكَانِ الْمَسِيرِ، وَتَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ، وَلِوُجُودِ السَّبَبِ فَهُوَ كَسَلَامَتِهَا مِنْ مَرَضٍ، فَعَلَى هَذَا يَحُجُّ عَنْهَا كَمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَسِعَةِ الْوَقْتِ، وَقَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَشَرْطُهَا فِي " الْهِدَايَةِ " لِلْوُجُوبِ قَالَ الْمَجْدُ: وَالتَّفْرِقَةُ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ مُشْكِلَةٌ، وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ إِمَّا نَفْيًا، وَإِمَّا إِثْبَاتًا.
فَرْعٌ: إِذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرُمَ، وَأَجْزَأَ كَمَا لَوْ تَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ، وَيَصِحُّ مِنْ مَعْضُوبٍ، وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ أَوَّلًا، وَتَاجِرٍ وَلَا إِثْمَ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
1 -
(وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ، مَضَتْ فِي حَجِّهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالرُّجُوعِ لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَمَحَلُّهُ إِذَا تَبَاعَدَتْ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَأَمْكَنَهَا الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَإِنْ مَاتَ وَهِيَ قَرِيبَةٌ رَجَعَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ فِي مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "(وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ زَوَالَ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ، (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ) فِي الصَّحِيحِ لِحَدِيثِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا (وَلَا نَذْرٌ وَلَا نَافِلَةٌ) أَيْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِنَذْرٍ ولا نافلة من عليه حجة الإسلام (فَإِنْ فَعَلَ انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
فَإِنْ فَعَلَ، انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ «هَذِهِ عَنْكَ وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» وَقَوْلُهُ أَوَّلًا «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ» أَيِ: اسْتَدِمْهُ، كَقَوْلِكَ لِلْمُؤْمِنِ: آمِنْ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ مُلْغَاةٌ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: يَنْعَقِدُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، ثُمَّ يَقْلِبُهُ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّلْبِيَةَ لِقَوْلِهِ هَذِهِ عَنْكَ، وَلَمْ يَجُزْ فَسْخُ حَجٍّ إِلَى حَجٍّ، وَعَنْهُ: يَقَعُ بَاطِلًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الْخِلَافِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ، وَغَيْرُهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ لارتكابه النهي، (وَعَنْهُ) : يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ، (وَيَقَعُ مَا نَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي: هُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا مَالَ لَهُ، أَيَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَنْ لَمْ يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ، كَالزَّكَاةِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ حَجَّةٍ لِنَفْسِهِ.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَنُوبُ مَنْ لَمْ يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مَا قِيلَ يَنُوبُ فِي نَفْلِ عَبْدٍ، وَصَبِيٍّ، وَيَحْرُمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " وَمَتَى وَقَعَ الْحَجُّ لِلْحَاجِّ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالٌ.
فَرْعٌ: إِذَا اسْتَنَابَ عَنِ الْمَعْضُوبِ أَوْ عَنِ الْمَيِّتِ وَاحِدًا فِي فَرْضِهِ، وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ جَازَ، وَزَعَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ التَّأْخِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَكِنْ يُحْرِمْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا أَيُّهُمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا، فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الْأُخْرَى عَنِ النَّذْرِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ (وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .
إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا كَالْمَعْضُوبِ.
فصل
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ كَالْفَرْضِ، وَمَحَلُّهُمَا: إِذَا أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ قَادِرًا وَلَمْ يُؤَدِّ الْفَرْضَ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِنَفْسِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى، وَإِذَا أَدَّى فَرْضَهُ ثُمَّ عَجَزَ جَازَتِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ فِي الْفَرْضِ فَالنَّفْلُ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَيَكْفِي النَّائِبَ أَنْ يَنْوِيَ الْمُسْتَنِيبُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَتُهُ لَفْظًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَهِلَ اسْمَهُ أَوْ نَسَبَهُ لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ.
فَصْلٌ: فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ إِذَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ حَجَّ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَقَعُ عَنِ الْآمِرِ، وَيَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: إِنْ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ، فَلَا، وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ مِنَ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتٍ، وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَ كَبَيْعٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى، وَقِيلَ: هَدَرٌ، وَكَذَا إِنْ تَمَتَّعَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَيْنِ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا، وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ، لَمْ يَضْمَنْ، وَقَالَ الْقَاضِي يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، وَعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ كَإِفْرَادِهِ، وَلَوِ اعْتَمَرَ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ أَوْ أَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ، وَيَرُدُّ نَفَقَةً قَدْرَ مَا تَرَكَهُ مِنْ إِحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ مِنَ الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَفِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهَا: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ، وَأَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَإِنِ اسْتَنَابَهُ رَجُلٌ فِي حَجٍّ، وَآخَرُ فِي عُمْرَةٍ، وَأَذِنَا فِي الْقِرَانِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا صَحَّا لَهُ، وَضَمِنَ الْجَمِيعَ لِمَنْ أَمَرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " يَقَعُ عَنْهُمَا فَإِنْ أَدَّى أَحَدَهُمَا رَدَّ عَلَى غَيْرِ الْآمِرِ نِصْفَ نَفَقَتِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ، وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَحَجَّ، ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ،