الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد بن مَنِيع وكيف كانت أسرته، غير أنه يُمكِننا القَوْل أنَّه بكر في طلب العلم، وسماع الحديث من المشايخ، جَرْيًا على عادة السلف في ذلك، فإنه يَروِي عن عباد بن عباد المُتَوَفى سنة (179 هـ أو 180 هـ)، وهذا يَعْني أنه روى عنه وله من العمر تسعة عشر عامًا إن قُلْنا إنه كَتَب عنه سنة وفاته ولا يَبْعد أنه سمع منه قبل ذلك.
على أننا لا نَغْفَل ما كان معروفًا من عادة السلف رحمهم الله بالبدء بحِفظ القرآن الكريم في سن مُبَكِّرة، أوّل الطلب، وقَبل البدء بسماع الحديث من المشايخ وَتَلقِّيه عنهم، ولا يَبْعد أنْ يكون ابن مَنِيع بَدَأ بحفظه.
وحرص رحمه الله على طلب العلم، والسماع من الشيوخ، فروى عن شيوخ تقدمت سني وفاتهم بالنسبة له (1)، الأمر الذي أَدّى إلى اتّساع دائرة معارفه كما لا يَخْفى.
المطلب الرابع رحلاته
لم تُشِر المصادر التي تَرجَمَت لأحمد بن مَنِيع إلى رحلاته، ولم أجد في هذا الباب سوى قول الحافظ الذهبي يصف ابن منيع:"الإمام، الحافظ، الثقة، نزيل بغداد، رَحَل، وجَمَع، وصنَّف المسند"(2).
إلاّ أن من المعروف حِرص المحدّثين على الرحلة في طلب الحديث، وعنايتهم الفائقة بذلك، لِمَا لِلرحلات من الفوائد الكثيرة التي لا تعدل بغيرها كسماع الحديث والتثبُّت منه، وطلب عُلوّ الإسناد، والبحث عن أحوال الرواة،
(1) كما سيأتي ذِكر شيوخه في المطلب الخامس من هذا المبحث.
(2)
تذكرة الحُفاظ (2/ 481) وسيَر أعلام النبلاء (11/ 483).
والإكثار من المشايخ وغيرها (1).
على أمه كان مِن عَادَتِهم التحمل من كلّ علماء بلدتهم، واستِقصاء
ما عندهم، ثم الرحلة إلى المدن الأخرى لإكمال السيرة العلمية
…
وما مِنْ
شَك أن ابن مَنِيع أحد أولئك المحدثين الذين حَرصوا على تلقي العلم على مشايخ بلدهم، وما حَولَها، فقد سَمِع من الحسن بن سَوار، وحسين بن محمد بن بَهْرام، وشَبَابة بن سَوار، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم مِمن تقدمت وفياتهم، مِمّا يجعلنا نُؤكِّد أن أبن مَنِيع سَمِع من مشايخ بلده -مَرو الرُّوذ- ثم انتَقَل إلى البلدان المجاورة (كبَغشُور) (2) فإن في نسبه:"البَغَوي" نسبة إلى هذه المدينة "بَغْشور" ويبدو أنه قَطَنها مُدَّة طَلَبًا للعِلْم فنُسِب إليها.
استمرّ على هذه الحال .. حتى إذا ما قام عوده، واشتدّ سوقه، ونَهَل من علوم شيوخ بَلَدِه، واستوعَب ما بِجِعَابِهم، آنس من نفسه رُشْدًا، وأحسّ بالحاجة إلى الرحلة، إلى مراكز العلم الأخرى، ومنارات المعرفة في وقته، كالحرمَين الشريفَين وبغداد، والتي كانت تَحتَل مركز الصدارة في العِلم والمعرفة، يشهد لذلك كثرة رحلات كِبَار الأئمة والمُحدِّثين والعلماء إليها، للتزود من علمائها، فقد كانت تَزخر بِمُحدِّثيها، وتزدان بعلمائها، وتحتضن أعظم حركة فكرية مزدهرة، شهدها تاريخ الإسلام.
ولَما كانت -أعني بغداد- كذلك رأى ابْنُ مَنِيع لِزَامًا عليه الرحلة إلَيها، فرحل، ولزمها، واتّخذها مَوطِنًا حتى أَدْرَكَتْه المنية فيها.
(1) انظر: "الرحلة في طلب الحديث"(ص 18 - 23).
(2)
هي بلدهْ من بلاد خراسان تقع بين هراة ومرو الروذ، إلى الغرب منها، يقال لها: بغ، وبَغشُور. انظر: معجم البدان (1/ 417)؛ والأنساب (2/ 273)؛ وبلدان الخلافة الشرقية (ص 455).