الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن عنايته بتفسير كتاب الله تبارك وتعالى
كان إسحاق مع اشتغاله بجمع السنة المطهرة، يحرص على جمع أقوال الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، بأسانيدها، فاجتمع له رصيد ضخم من ذلك، نتج عنه نبوغ، واتساع في الفقه، وإحاطة بتفسير كتاب الله عز وجل، فأولى ما يفسر به كلامه جل وعلا، كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، ثم كلام الصحابة رضي الله عنهم، الذين شاهدوا التنزيل، ثم التابعين لهم بإحسان.
فألف تفسيره الكبير (1)، وأملاه من حفظه -كما تقدم- رغم صعوبة ضبط ألفاظ التفسير وأسانيده، لكن لشدة حفظه، وبذله نفسه لهذا الشأن صار عنده أمرًا سهلًا، رغم أنه مما تحار العقول عند سماعه، ويتعجب أفذاذ الحفاظ عند ذكره، فحين ذكر لأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين ذلك تعجبا، وشهدا لإسحاق بالحفظ، والإتقان، والضبط.
وقد ذكره الداودي في طبقات المفسرين (2).
ولا غرو فهو إمام من أئمة التفسير بالمأثور (3).
المطلب التاسع فقهه واجتهاداته، وتأثره ببعض مشاهير معاصريه، ومخالفته لبعضهم
كان إسحاق بن راهويه من ذلك النفر القليل الذي يغوص في أعماق النصوص القرآنية والحديثية، ليستخرج منها قلائد اللؤلؤ والمرجان، وينظمها
(1) انظر: مبحث مؤلفاته.
(2)
(1/ 102).
(3)
انظر: السير (11/ 375).
في العقد نظمًا يذهل كل من رآه، صافية نقية من شوائب كلام الرجال الذي لا يستند على إحدى هاتين القاعدتين العظيمتين.
بل وكان يبغض ويذم من نحا هذا النحو (1). وقد ناظر أقرانه، بل ومَنْ هم في طبقة شيوخه كالشافعي (2)، فأظهر مهارة فائقة في استحضار النصوص، ووضعها في موضعها، واستنباط الغوامض من ثناياها. وكتب الحديث -الجامعة لمثل هذا- والفقه، خير شاهد لذلك (3).
وعندما كان بمكة في إحدى رحلاته إلى الحجاز، طلب منه أحمد بن حنبل أن يصحبه إلى مجلس الشافعي، فرفض قائلًا: كيف أترك ابن عيينة، وأذهب إلى من هو في سني، لكن أحمد استطاع إقناعه (4). فلما حضر مجلس الشافعي رغب فيه، وتأسف على ما فاته منه (5).
وقد طلب من أحمد أن يرسل إليه بعض كتب الشافعي، فأرسل إليه كتاب (الرسالة)(6).
وقد أولع بحب كتب الشافعي وكلامه، حتى إنه تزوج بامرأة من أهل مرو مات عنها زوجها، وكانت عنده كتب الشافعي، وإنما تزوجها لذلك (7).
(1) انظر: تاريخ بغداد (6/ 353).
(2)
قف على مناظرته للشافعي في كرى بيوت مكة- آداب الشافعي ومناقبه (ص 177 - 181).
(3)
انظر: سنن الترمذي (1/ 84، 92، 98، 105، 110)، والأوسط لابن المنذر (2/ 377، 397، 406)، والمحلى (8/ 176، 298، 401)، والمغني (7/ 140، 142، 451، 573، 658)، والمجموع (4/ 199، 240، 249، 265).
(4)
انظر: آداب الشافعي ومناقبه (ص 42، 43).
(5)
انظر: توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس (ص 90).
(6)
انظر: آداب الشافعي ومناقبه (ص 62، 63).
(7)
انظر: آداب الشافعي ومناقبه (ص 64).