الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم عاد وذكره في وفيات عام (325 هـ) وقال: (وفيها أو قبلها أو بعدها، توفي القاضي محمد بن يحيى العدني قاضي عدن نزيل مكة
…
).
ونحا نحوه ابن العماد في الشذرات (1)، فجعله في موضعين.
وذكر الجعدي (2) قولًا آخر: فقال في آخر ترجمته (وكان في المائة الثالثة بعد ظهور القرامطة). اهـ.
والقرامطة لم يظهروا إلَاّ بعد موته بأكثر من ثلاثين سنة، إذ كان تحركهم سنة له (278 هـ) قال الحافظ ابن كثير وهو يسرد أحداث هذه السنة (
…
وفيها تحركت القرامطة، وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس
…
) (3).
كما أرخه بعضهم سنة (244هـ) والصواب أنه في آخر سنة (243 هـ) رحمه الله.
المطلب الحادي عشر آثاره
توفي هذا الإمام، وانتقل إلى الدار الآخرة لكن عمله لم ينقطع فقد ترك علمًا انتفع به المسلمون تمثل فيما صنفه هو، وما رواه عنه تلاميذه وضمنوه في كتبهم كالإمام مسلم، والترمذي، وغيرهما.
وآثاره التي صنفها هي:
* المسند: وستأتي دراسة عنه في المبحث الآتي، أما عن وجوده فهو
(1) انظر: (2/ 104، 286).
(2)
طبقات فقهاء اليمن (72).
(3)
البداية والنهاية (11/ 61).
الآن في حكم المفقود، ويقال إنه موجود في مكتبة دار العلوم الألمانية في ألمانية الشيوعية (1).
* كتاب الإيمان: وهو جزء صغير تضمن أحاديث في موضوع الإيمان، بالأسانيد: ذكره فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي (1/ 211)، والألباني في فهرس المكتبة الظاهرية (2)، وهو ضمن مجموع برقم (104) من ق (230 أ- 250 ب- في القرن الخامس الهجري).
وقد طبع هذا الكتاب محققًا سنة (1407هـ) بالدار السلفية في الكويت هذا جملة ما وقفت عليه مما صنفه هذا الإمام عليه رحمه الله.
أما ما نقله عنه تلاميذه:
فيمكن الوقوف على جملة وافرة منه في مصنفات المبرزين منهم مثل الإمام مسلم والترمذي، وابن ماجه، وأبي زرعة، ويعقوب بن سفيان، والفاكهي، وكذا في مصنفات غيرهم ممن روى عنه بواسطة كالنسائي.
اهتمامه بالسيَر والفقه والحوادث التاريخية:
لم يحظ العدني في كتب التراجم بالعناية اللائقة به، بخلاف المعهود فيمن ترجم لهم أمثاله، حتى لم تزد ترجمته في كثير من الكتب على نصف صفحة.
لذا يحار المرء في دراسة أمثال هؤلاء الأعلام الذين تميزوا بحسن السمت والصلاح وخلفوا آثارًا تدل على منزلتهم، وتحدد مقدار الجهد الذي قدموه لخدمة هذا الدين.
(1) أشار إلى هذا الشيخ حمد الجابري انظر: مقدمة ك الإيمان (ص 39) وقال: (وهذا غير مؤكد، والاطلاع على تلك المكتبة من العسير لأنها في دولة شيوعية). اهـ.
(2)
فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- المنتخب من مخطوطات الحديث (ص 357).
ولدى قراءتي في التواريخ التي خلفها كبار تلاميذه وهم الفاكهي، وأبو زرعة، ويعقوب بن سفيان، وقفت على جوانب متعددة اعتنى بها هذا الإمام تحملًا وأداة، فنقل عنه الفاكهي مباشرة في أكثر من (526) موضعًا وأبو زرعة في حوالي مائة موضع، ويعقوب نحوا من أربعين، احتوت هذه النصوص التي نقلوها على جوانب متعددة لا تخضع في نوعيتها لتآليف المسانيد بل تخرج عن هذا إلى الجانب التاريخي وعليه فلا بد من وجود اهتمام خاص منه بهذا الجانب، ولا ندري إن كان هناك كتاب جمعها أو أنها نصوص نقلت عنه مشافهة وهو غالب الظن.
وبعد النظر في جملة كبيرة من هذه النصوص يمكنني أن أسجل هنا للقارىء أغلب المحاور الرئيسة التي تدور حولها هذه النقول:
1 -
الكلام في الرواة جرحا وتعديلًا:
وأغلب ما وقفت عليه في هذا المجال ينقله عن شيخه سفيان بن عيينة وقد يخرج إلى غيره لكنه قليل جدًا، ولا ينفرد هو -فيما وقفت عليه- بالكلام على الرجال (1).
2 -
اهتمامه بتحديد أماكن الوفيات، وتاريخ الوفاة، وتاريخ قدوم الأئمة إلى مكة: وذلك ابتداء بالصحابة رضي الله عنهم كأبي الطفيل، وعبد الله وعتبة ابني مسعود، وعلي، وابنه الحسين، وغيرهم، وانتهاء بوفاة شيوخه أمثال الفضيل، وسفيان.
كما نقل تاريخ قدوم الأئمة إلى مكة كالزهري مثلًا، وما تم فيه، ومن لقيه (2).
(1) انظر مثلًا: تاريخ أبي زرعة (1/ 450، 451، 506، 507، 656، 657)؛ والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (1/ 621، 2/ 20، 23، 24، 25، 28، 51، 59، 94، 604، 616، 681، 783، 790، 803، 3/ 135).
(2)
انظر مثلًا: المعرفة والتاريخ (1/ 179، 185، 187، 234، 2/ 551، 3/ 316).
3 -
سرده لعدد من الحوادث التاريخية في مكة كأخبار الأوائل والسيول (1) وكلامه عن بعض الفرق كالخوارج (2).
4 -
نقله لبعض الفتاوى الفقهية عن الفقهاء: مثل عكرمة، وطاوس (3)، وغيرهما.
5 -
عنايته بسرد أمور تتعلق بأخبار العلماء الزهاد الصالحين:
فيصفهم، ويذكر بعض مواقفهم في الجهر بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نقل جملة كبيرة منها عن سفيان، وقليل عن غيره كابن وهب (4).
هذا كله وغيره مما نقل عنه مضافًا إلى تصنيفه المكتوب ممثلًا في المسند وكتاب الإيمان، يعد من آثاره.
- كما لا يمكننا أن نقطع بأن ما رواه أمثال مسلم، والترمذي، وابن ماجه عنه هو ما كان في المسند فحسب بل يمكن أن ينقلوا عنه ما لم يجعله هو في مسنده.
وبالجملة يعتبر هذا الإمام -إضافة إلى كونه مُحَدَّثاَ- مِنْ نَقَلَة التاريخ الإسلامي ذوي المنهج السليم، والسند العالي.
رحمه الله رحمة واسعة.
* * *
(1) أخبار مكة (3/ 215). وما بعدها (3/ 107).
(2)
المعرفة والتاريخ (1/ 437).
(3)
المعرفة والتاريخ (1/ 389، 2/ 692).
(4)
انظر مثلا: المعرفة والتاريخ (1/ 619، 630، 660، 2/ 710)؛ وأخبار مكة (3/ 306، 2/ 381).