الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني مكانته العلمية
المطلب الأول عقيدته
كان أبو داود رحمه الله حسن الاعتقاد، من أهل السنة والجماعة، حيث لم يجرح في عقيدته، بل قال هو وابن عيينة -رحمهما الله-: حدثنا زائدة، وكان لا يحدث قدريًا ولا صاحب بدعة (1).
فدل ذلك على أنه لو لم يكن حسن الاعتقاد ما حدثه زائدة وهذه من الأمور التي اختص بها زائدة رحمه الله مع عدد من الأئمة كأحمد وغيره.
المطلب الثاني منزلته بين العلماء
سبق في نشأته وطلبه العلم أنه اجتهد ونشط في جمع الحديث حتى بلغ فيه درجة الحافظ، وهي درجة لا يبلغها إلَاّ النوادر، ولا غرو في ذلك، فقد قال يونس بن حبيب العجلي: قدم علينا أبو داود وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث. أخطأ في سبعين موضعًا، فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا بأني أخطات في سبعين موضعأ فأصلحوه.
(1) تهذيب التهذيب (3/ 306).
قلت: هذا يدل على قوة حفظه حيث أدرك هذا الخطأ القليل في هذا الجم الغفير، وعلى تواضعه وصلاحه حيث رجع إلى الحق ولم يتماد في الزلل.
ويقول رحمه الله عن نفسه: أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فخر، وفي صدري اثنا عشر ألفًا لعثمان البري ما سألني عنها أحد من أهل البصرة، فخرجت إلى أصبهان فبثثتها فيهم.
وقال ابن المديني: ما رأيت أحفظ من أبي داود.
وقال بندار: ما بكيت على أحد من المحدثين ما بكيت على أبي داود، قيل له: كيف؟ قال: لِما كان من حفظه، ومعرفته، وحسن مذاكرته، وقال الفلاس: ما رأيت في المحدثين أحفظ من أبي داود.
قال الذهبي معقبًا على ذلك: قلت: قال هذا وقد صحب يحيى القطان وابن مهدي، ورافق ابن المديني.
وقال وكيع: أبو داود جبل العلم، وقال أيضًا: ما بقي أحد أحفظ لحديث طويل من أبي داود، فذكر ذلك لأبي داود فقال: قل له: ولا قصير.
وهذا الإمام قد توارد الجماهير على ثقته وإتقانه، وإمامته وجلالته، وجملة ما تكلم فيه فليس بقادح، ويمكن إيجاز ما قيل فيه في ثلاثة أمور:
1 -
وقوع الخطأ في حديثه:
ذكر إبراهيم الجوهري أنه أخطأ في ألف حديث، وقال أبو حاتم: كان كثير الخطأ.
أما قول الجوهري فقد قال عنه الذهبي: هذا قاله إبرهيم على سبيل المبالغة، ولو أخطأ في سبع هذا لضعفوه.
وأما قول أبي حاتم ففيه نظر، لأنه جعل أبا داود أحفظ من أبي أحمد
الزبيري، وأبو أحمد ثقة ثبت (1) عند الأئمة، فلعله قال تلك المقالة قبل أن يسبر عدد ما روى أبو داود، ثم لما تبين له كثرة حديثه عرف أن هذا القدر من الخطأ لا يمثل نسبة معتبرة للقدح.
وعلى كل حال فإن ما أخطأ فيه أبو داود -وهو نحو سبعين حديثًا- كان سببه اعتماده على الحفظ (2)، وقد احتمل الأئمة منه ذلك كما احتملوا من غيره، قال أبو داود السجستاني: ما أحد من المحدثين إلَاّ قد أخطأ، إلَاّ إسماعيل ابن علية وبشر بن المفضل (3).
قال أحمد بن الفرات: ما رأيت أحدًا أكثر في شعبة من أبي داود، وسألت أحمد عنه فقال: ثقة صدوق، قلت: إنه يخطئ، قال: يحتمل له.
2 -
عدم إخراج البخاري لحديثه:
وهذا لا يحط من قدر هذا الإمام، وليس بغريب من البخاري مثل هذا، لأن لديه بعض الاعتبارات التي تبين سبب ذلك، مثل علو الإسناد، والاختصار، وغير ذلك، ولذا ذكر الذهبي أن البخاري سمع عدة من أقران أبي داود فما احتاج إليه.
ولإيضاح الصورة أكثر خذ هذين المثالين:
(أ) هل ما رواه البخاري عن الإمام أحمد في صحيحه يتناسب مع جلالة هذا الجهبذ وسعة روايته، مع أنه ملأ صحيحه من الرواية عن أقرانه الذين هم أقل قدرًا منه كابن المديني ومسدد وغيرهما.
(ب) بل أهم من المثال الأول، الإمام الشافعي رحمه الله لم يخرج
(1) التقريب (ص 487: 6017).
(2)
تاريخ بغداد (9/ 26).
(3)
تهذيب التهذيب (1/ 276).
له البخاري، حتى ولا مسلم في صحيحيهما، فماذا عسى أن يصنع هذا في جلالة هذا الإمام التي استفاضت واشتهرت للأمة إلى يومنا هذا، ولمزيد من الِإيضاح انظر ما قاله الخطيب رحمه الله عن ذلك (1) ففيه الدواء الشافي، والله المستعان.
3 -
وصفه بالتدليس:
وأصل ذلك قول لابن المنهال وعلى تقدير اعتباره فقد احتمل الأئمة تدليسه كما احتملوا لغيره من الأئمة كالزهري وغيره، ولذا ذكره الحافظ في المرتبة الثانية (2).
وأختم هذا البحث بقول لابن عدي رحمه الله حيث قال: وأبو داود الطيالسي له حديث كثير عن شعبة وعن غيره من شيوخه، وكان في أيامه أحفظ من بالبصرة، مقدم على أقرانه لحفظه ومعرفته، وما أدري لأي معنى قال فيه ابن المنهال ما قال، فهو كما قال عمرو بن علي: ثقة، فإذا جاوزت في أصحاب شعبة معاذ بن معاذ وخالد بن الحارث ويحيى القطان وغندر، فأبو داود خامسهم، وقد حدث بأصبهان كما حكى عنه بندار أحدًا وأربعين ألف حديث ابتداءً، وإنما أراد به من حفظه، وله أحاديث يرفعها وليس بعجب ممن يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث لا يرفعها غيره، ويوصل أحاديث، يرسلها غيره، وإنما أتي ذلك من حفظه، وما ينجو من ذلك حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلَاّ متيقظ ثبت. اهـ.
* * *
(1) السير (10/ 95).
(2)
تعريف أهل التقديس (ص 65: 53).