الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث نشأته، وطلبه للعِلم
يمكن تقسيم فترة نشأة الحافظ إلى ثلاث مراحل:
الأولى: نشأته في حياة والِدِه.
الثانية: نشأته بعد وفاة والِدِه، وتولي وَصِيْه رِعَايَته.
الثالثة: نشأته في مرحلة الطلب الجادَّ بعد ما اعتَرَاه مِنْ فُتُور.
أمّا المرحلة الأولى: فتتسِم بالعناية الفائقة به، والاهتمام بالقيام على مصالحه ورِعَايته؛ لأن وَالِدَه كان من الأعْيان البارعين في الفقه والعربية والقراءات وغيرها (1)، فأثر ذلك على ابْنه، فكان أبوه به حفيًّا (2)، حريصًا على تعليمه وتأديبه
…
يَدُلك على ذلك أنه اصطَحَبه معه للحج وزيارة بيت المقدس، ومجاورة الحرمين الشريفين (3) .. اضِف إلى ذلك حرصه على إحضاره مجالس الحديث (4)، مِمَّا زَرَع في نفسه مُنذ الصغَر- وعمره لا يتجاوز
(1) إنباء الغُمر (1/ 174).
(2)
الحَفِيّ: هو البَرُّ اللطِيف. يقال: أحفَيت بفلان وتَحَفيت به: إذا عنيت بإكرامه.
المفردات في غريب القرآن (ص 125).
(3)
الجواهر والدرر (ق 17: أ).
(4)
الجواهر والدرر (ق 17: ب).
سنين أربعا- حب العلم والحديث
…
الأمر الذي كان له الثمار التي آتت أُكُلَها في مرحلة الطلَب.
وأما المرحلة الثانية: فتبدأ منذ وفاة والِدِه وذلك في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة للهجرة (1)، فيكون له من العمر أربع سنين، وكان قد فَقَد أمه قَبل ذلك وهو طفل (2).
وعليه فقد نشأ رحمه الله لَطِيمًا (3)، إلَاّ أن اهْتِمَام والده به يَظهَر حينما أوصى به قبل وفاته كبير التجار الزّكي أبا بكر الخَرُّوبِيّ (4)، فقام على أمْره خَيْر قيام ولم يَأل جُهْدًا في رعايته والعناية به
…
مِما كان له أعظم الأثر في تنشِئَتِهِ، فكانت في غاية العِفة والنزاهة والطهر والعفاف والأخلاق الحميدة (5).
ويظهر أثر وَصِيَّة الخَرُوبِي فيه من الناحية العِلْمية في الأمور التالية:
1 -
دخل المكتب، لَمَّا أكمَل خمس سنوات، ورُزِق سرعة الحِفْظ بحيث حَفِظ سورة "مريم" في يوم واحد (6).
2 -
أتَمَّ حفظ القرآن الكريم وله تسع سنين (7).
(1) إنبَاء الغُمْر (1/ 174).
(2)
الجواهر والدرر (ق 17: ب).
(3)
اللطيم هو مَنْ يموت أبواه وهو صغير. المعجم الوسيط (2/ 826).
(4)
هو أبو بكر بن علي بن أحمد بن محمد الخَرُّوبِي. كان تاجرًا كبيرًا بمصر، وورث مالًا كثيرًا وأصبح رئيسًا للتجار. أثنى عليه ابن حَجَر وقال: حَجَّ غير مَرَّةٍ، وجاور، وكُنْتُ رفيقه في المجاوَرَةِ وأنا صغير. تُوفي سنة (787 هـ). انظر: إنباء الغُمر (2/ 196)؛ والدُّرَر الكامنة (1/ 450).
(5)
انظر: الجواهر والدرر (ق 17: ب).
(6)
معجم الشيوخ لابن فهد (ص 71).
(7)
الجواهر والدرر (ق 17: ب).
3 -
حَفِظ بعد ذلك الكتب المختصرة في مبادئ العلوم مثل "العُمْدَة في الأحكام" للمقدسي، ومختصر ابن الحَاجِب في علم الأصول، وألفِية العراقيّ، وكتاب "الحاوي" الصغير لأبيه.
4 -
في سنة 785 هـ جاور بمكة وسمع بها: "صحيح البخاري" على العفيف النشاوري (1).
5 -
واجتهد في طلب العلم فاهْتَم بالأدب والتاريخ وهو لا يزال في المَكتَب ..
وبلغ به الحرص على تحصيل العلم مَبْلغًا جعله يَسْتَأجِر أحيانًا بعض الكتب (2) ويطلب إعَارَتَها له.
كلُّ هذا وغَيره كثير مِمّا يدل على نَهَم هذا الغلام، وحبّه للعلم، لِمَا رزقه الله مِنْ سرعةِ في الحفظ، وشِدة في الذكاء
…
إلَاّ أنْ ذلك ما لبث أنْ تناقص ورجع إلى الوراء، فأصابه فتور عن التحصيل. وتعزو المصادر سبب هذا الفتور إلى عدم وجود من يحثه على الاشتغال بالعلم بعد موت وَصِيه الخَرُّوبِيّ سنة (787 هـ) إلى أن استكمَل سبع عشرة سنة وذلك في سنة (790 هـ)(3).
وفي أثناء هذا الفتور حُبِّب إليه النظر في التاريخ والأدبيَّات، ففاق في
(1) هو أبو محمد عفيف الدين عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان، النشاوري المكِّي.
أصله من نَيسَابور، ولد سنة (705 هـ)، قال الحافظ ابن حجر: هو أوّل شيخ سمعتُ عليه الحديث.
توفي سنة (790 هـ). انظر: الدرَر الكامنة (2/ 300، 301)؛ وإنباء الغُمر (2/ 300)؛ والجواهر والدرر (ق 18: أ).
(2)
الجواهر والدُّرر (ق 18: أ).
(3)
انظر: جُمَان الدُّرَر (ق 4: ب).