الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم أبو عيسى الترمذي، ثقة، مُجمع عليه، ولا اِلتِفَات إلى قول أبي محمد بن حَزْم فيه أنه مجهول، فإنه ما عرفه ولا دَرَى بوجود "الجامع" ولا "العِلَل" اللذَين له" (1).
وقال الحافظ ابن حجر في ترجمته: "كان واسع الحفظ جدًّا، إلَاّ أنّه لِثِقَتِهِ بِحَافِظَتِه كان يَهجم على القول في التعديل والتجريح، وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوْهام شنيعة"(2).
وجملة القول: أنّ الحارث رحمه الله ثقة، معروف، ولا يَضِيره قَوْل من ضعّفه، كما عَلِمت آنفًا، ولا قَوْل من جهله.
قال الحافظ الذهبي في ترجمة الحارث: "لا بأس بالرجل، وأحاديثه على الاستقامة
…
وذَنْبه أنه أخَذ على الرواية -يعني أجْرًا- فلعله وهو الظاهر أنّه كان محتاجًا، فلا ضير" (3).
المطلب الخامس رحلاته
كانت سُنَّة المُحدِّثين الرحلة في طلب الحديث تَحقيقًا لفوائد وأهداف سامية (4)، وقد بدأت الرحلة في زمن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ونشطت في القرن الثالث أكثر من ذي قَبل حِرْصًا على جَمع الحديث من علماء الأمصار المختلفة.
(1) ميزان الاعتدال (3/ 678). وانظر: "نقد ابن حزم للرواة في المحلى في ميزان الجرح والتعديل (3/ 787).
(2)
لسان الميزان (4/ 198).
(3)
السير (13/ 389) بتصرف يسير.
(4)
انظر للرحلة وآدابها، وآثار عن السلف في ذلك: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 223)، وللخطيب البغدادي أيضًا كتاب: الرحلة في طلب الحديث، وهو مطبوع.
وكانت المدن التي يقصدها المُحدثون هي: مَكة المُكَرمة، والمدينة المُنَورة، والكوفة، والبَصرة، والشام، واليمن، ومصر، وبلاد ما وراء النهر، وغيرها من المدن المشهورة التي يكثر فيها العلماء، وتنثط فيها الرواية.
والحارث بن أبي أسامة رحمه الله من أولئك الذين حرصوا على الرحلة، وإن كان أكثر الذين روى عنهم قد وردوا بغداد، أو كانوا مِن أهلها، غير أن المصادر لا تُصَرِّح برحلاته، وإنما يمكن معرفة ذلك بدراسة أحوال بعض شيوخه، وفيما يلي بيان لبعض رحلاته:
رحلته إلى مكة المكرمة:
ثَبَتَت رحلة الحارث رحمه الله إلى مَكة، ولا ندري كم كرة دخلها لكنه قد سجل وجوده فيها سنة (209 هـ) روى ذلك عنه أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي (1)، قال: حَدثنا الحارث، حَدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي البصري (2) بِمَكة سنة تسع ومائتين
…
ثم ذكر بقِية السَّنَد (3).
ومِمن التَقى بهم عبد الله بن يزيد المُقرىء (4)، فإنه سافر إليها سنة
(1) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الثاني الجَبّلِي، يروي عن محمد بن الجهم السِّمَّرِي وأبي قلابة وإسماعيل القاضي وغيرهم. قال الدارقطني: كان ثقة مأمونًا، تُوُفِّى سنة (354 هـ). انظر: المؤتلف والمختلف (2/ 953)؛ والإكمال (3/ 227) والأنساب (3/ 183).
(2)
محمد بن عبد الملك الأزدي البصري، أبو جابر نزيل مكة، مشهور بكنيته. قال أبو حاتم الرازي: أَدْركته وليس بقوي، وذكره ابن حِبان في الثقات. انظر: التهذيب (9/ 138).
(3)
الغيلانيات (ق/ 78).
(4)
هو عبد الله بن يزيد المكي، أبو عبد الرحمن المقرئ، أصله من البصرة أو الأهواز ثقة، فاضل، أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة، وقعد بمكة يُقرِىء القرآن خمسًا وثلاثين سنة، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقد قارب المائة، وهو من كبار شيوخ البخاري.
انظر: السير (10/ 166)؛ والتهذيب (6/ 83)؛ والتقريب (ص 330)، رقم (3715).
(178 هـ)، أيْ قبل ولادة الحارث بثماني سنين، وقد تُوُفي عبد الله سنة (213 هـ، فيكون الحارث الْتَقَى به هناك وعمره سبع وعشرون سنة هذا إذا اعتبرنا لقاءه به عام وفاته.
البصرة:
اهَتم الحارث بمدينة البصرة كاهتِمامه بمدينة بغداد والكوفة وغيرها من المراكز العلمية، فدخلها، ومِما يدلّ على ذلك أنّه روى عن بعض علمائها الذين لم يَرِدوا بغداد، منهم: الضحاك بن مخلد (1)، وهدبة بن خالد مُحدث البصرة (2)، وهدبة لم يرحل (3)، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي (4)، وبشر بن عمر الزهراني (5)، وسعيد بن عامر الضُّبَعي (6)
(1) هو الضحاك بن مَخلَد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، أبو عاصم النبيل، البصري، ثقة، ثَبت، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين أو بعدها.
انظر: السير (9/ 480)؛ والتهذيب (4/ 450)؛ والتقريب (280: 2977).
(2)
هو هُدْبة بن خالد بن الأسود القيسي، أبو خالد البصري، ويقال له: هَدَّاب. ثقة، عابد، تفرَّد النسائي بتليينه، من صغار التاسعة، مات سنة بضع وثلاثين ومائتين. انظر: تهذيب الكمال (3/ 1434)؛ والسير (11/ 97)؛ والتقريب (571: 7269).
(3)
تذكرة الحُفاظ (2/ 465).
(4)
هو مسلم بن إبرهيم الأزدي الفَرَاهِيدي، أبو عمرو البصري، ثقة، مأمون، مُكثِر، عُمِي بأخَرَة، من صغار التاسعة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين. انظر: السير (10/ 314)؛ والتقريب (529: 6616).
(5)
هو بِشر بن عمر بن الحكم الزّهراني، الأزدي، أبو محمد البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع -وقيل: تسع- ومائتين. انظر: السير (9/ 417)؛ والتهذيب (1/ 455)؛ والتقريب (123: 698).
(6)
هو سعيد بن عامر الضّبَعي، أبو محمد البصري، ثقة، صالح، وقال أبو حاتم: ربما وَهِم، من التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين، وله ست وثمانون سنة. انظر: تهذيب الكمال (1/ 498)؛ والسير (9/ 385)؛ والتقريب (237: 2338).