الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني مكانته العلمية
ومدار الكلام في مكانته العلمية على محورين، هما: عقيدته، وثناء العلماء عليه:
المطلب الأول عقيدته
بعد التأمل في ترجمة هذا الإمام يخرج الباحث بنتائج، ومنها: أنه كان حسن الاعتقاد، مع أنه عاش في عصر قد كشفت البدع عن ساقها، وترعرعت شبهاتها، وفتنة القول بخلق القرآن في مقدمة الصفوف تفعل في العلماء فعل النار بالهشيم، بسبب تبني السلطة لنشرها، وإرغام العلماء على قبولها، فيخرج من كل ذلك سالمًا بتوفيق الله، كما فعل رحمه الله الأسباب لاجتثاث أي شبهة قد ترد عليه، وذلك بالاسترشاد بمن هو أمكن منه.
ويمكن أن ينطلق حكمي على حسن عقيدته من أمرين:
أحدهما: أن الإمام أحمد أشار على أبي زرعة بالكتابة عن مسدد -كما سيأتي في المحور الثاني-، وهما رحمهما الله معروف عنهما أنهما لا يحدثان عن أهل الباع ولا يأخذان عنهم، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصر، بل كانا
يتركان الرجل لأدنى ريبة، وما موقف الإمام أحمد من ابن المديني (1) لما أجاب إلى القول بخلق القرآن مكرهًا، وموقف (2) أبي زرعة وأبي حاتم من الإمام البخاري، لما كتب لهما الذهلي من نيسابور أنه يقول بخلق أفعال العباد، ومن ذلك قراءتنا للقرآن، ليست هذه المواقف عن الأذهان ببعيدة.
كما أن أحمد كتب إلى مسدد أن يحدث أبا الحسن الميموني، وسيأتي ذلك في المطلب التالي.
الثاني: ما رواه القاضي أبو يعلى بسنده عن أحمد بن محمد التميمي الزرندي، قال: لما أشكل على مسدد بن مسرهد بن مسربل أمر الفتنة، وما وقع الناس فيه من الاختلات في القدر، والرفض، والاعتزال، وخلق القرآن، والإرجاء، كتب إلى أحمد بن حنبل: اكتب إلى بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلما ورد كتابه على أحمد بن محمد بكى، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. يزعم هذا البصري أنه قد أنفق على العلم مالًا عظيمًا، وهو لا يهتدي إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم ...... - إلى أن قال في آخر رسالة طويلة- أحبوا أهل السنة على ما كان منهم، أماتنا الله وإياكم على السنة والجماعة ورزقنا الله وإياكم اتباع العلم، ووفقنا وإياكم لما يحب وبرضاه (3).
(1) انظر ترجمته في الميزان (3/ 138: 5874).
(2)
انظر: الجرح والتعديل (7/ 191).
(3)
انظر: طبقات الحنابلة (1/ 341 - 345).