الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس أهم شيوخه
ذكرنا فيما سبق أن من أهم أسباب نبوغ هذا الإمام وسعة اطلاعه هو ما اجتمع له من الشيوخ الذين يشار إليهم ما لم يجتمع لغيره، وكان كل واحد منهم رأسًا في الفن الذي اشتهر به.
وهؤلاء الشيوخ منهم من كان في بلده، ومنهم من كان في بلد آخر كان اجتماعه بهم نتيجة الرحلات العلمية التي قام بها. وقد ذكر عددهم الحافظ في كتابه (المجمع المؤسس)، فزاد عددهم على (640 نفسًا)(1)، مُرتبين على حروف المعجم وقسمهم فيه على قسمين:
القسم الأول: من حمل عنهم على طريق الرّواية.
والثاني: من أخذ عنهم على طريق الدراية، وأضاف إلى الثاني من أخذ عنه شيئًا بالمذاكرة من الأقران ونحوهم (2).
وقسّمهم السخاوي إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من سمع منه الحديث ولو حديثًا واحدًا.
الثاني: من أجازوا له.
(1) ابن حجر ودراسة مصنفاته (1/ 144).
(2)
المجمع المؤسس (1/ 76).
الثالث: من أخذ عنه مذاكرة أو إنشادًا أو سمع خطبته أو تصنيفه (1).
فذكر في القسم الأول ما يزيد على (230) نفسًا.
وفي القسم الثاني ذكر ما يزيد على (220) نفسًا.
وفي القسم الثالث ذكر ما يزيد على (180) نفسًا، ثم قال: فجملة الأقسام الثلاثة ستمائة وأربعة وأربعون نفسًا (2).
وقد حظي رحمه الله بالتتلمذ على كبار أئمة عصره؛ قال الشوكاني رحمه الله: "أدرك من الشيوخ جماعة كل واحد رأس في فنه الذي اشتهر به، فالتنوخي في معرفة القراءات، والعراقي في الحديث، والبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقن في كثرة التصانيف، والمجد صاحب القاموس في حفظ اللغة، والعز بن جماعة في تفننه في علوم كثيرة. اهـ.
وقال الحافظ في ترجمة شيخه ابن الملقن: "وهؤلاء الثلاثة (العراقي والبلقيني وابن الملقن) كانوا أعجوبة هذا العصر على رأس القرن، الأول في معرفة الحديث وفنونه، والثاني في التوسع في معرفة مذهب الشافعي، والثالث: في كثرة التصانيف. اهـ.
وسأقتصر في هذه العُجالة على بعض شيوخه الذين كان لهم الأثر الواضح في تكوين شخصية ابن حجر العلمية:
(1) الجواهر والدُّرَر (ق 43: ب)، والمطبوع (1/ 134)، وابن حجر ودراسة مصنفاته (1/ 144).
(2)
انظر: الجواهر والدُّرَر (ق 43 - 53).
أولًا - الحافظ العراقي (725 - 806هـ)(1):
هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، العراقي الأصل، أبو الفضل الكردي، صاحب التصانيف المفيدة المشهورة. ويُعد من أبرز شيوخ ابن حجر وأهمهم في علوم الحديث، وهو أبرز شخصية تأثر بها. والعراقي رحمه الله من أئمة هذا الشأن ونقّاده الذي شهد له بالتفرد في فنه أئمة عصره وأوانه (2).
لازمه ابن حجر مدّة طويلة (من 796 هـ إلى 806هـ)، وقرأ وسمع عليه الكثير من الكتب والأجزاء والعوالي والأمالي ونحوها مما لا يتسع ذكره ها هنا (3).
ثانيًا- البُلْقِيني (724 - 805 هـ)(4):
هو عمر بن رَسلان بن نُصيْر بن صالح البُلقيني، أبو حفص المصري الشافعي، الشيخ الفقيه المحدث، وهو من أبرز شيوخ ابن حجر في الفقه، وكان أعجوبة في عصره في التوسع في معرفة مذهب الشافعي خاصة، والمذاهب
(1) ينظر في ترجمته: إنباء الغُمر (5/ 170)؛ ولحظ الألحاظ (ص 220)؛ وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص 543)، وينظر كذلك: الدراسة التي كتبها الدكتور عبد الكريم الخضير في مقدّمة تحقيقه لشرح "ألفية العراقي" للسخاوي (فتح المغيث) في رسالته التي أعدّها لنيل درجة الدكتوراه في الستة وعلومها. وقد استغرق ذلك مجلدة كاملة.
ولشيخنا الدكتور/ أحمد سعيد دراسة وافية عن العراقي في رسالته العلميّة لنيل درجة الدكتوراه.
(2)
لحظ الألحاظ/ ص 220).
(3)
ينظر: الجواهر والدُّرَر (ص 191 - 203)، وأعتذر في هذه العجالة عن الاختصار المقصود، وإلَّا، فالعراقي قد أفرد ببحث مستقل أشرنا إليه قبل قليل.
(4)
ينظر في ترجمته: إنباء الغُمر (5/ 107 - 109)؛ وطبقات الحفاظ. للسيوطي (ص 542)؛ والبدر الطالع (1/ 506).
الأربعة عامة، واستفاد منه فقهاء المذاهب الأربعة. أجاز له من دمشق الحافظان الذهبي والمزّي، كما أجاز له ابن الخبّاز وابن نباتة، وآخرون.
قال ابن حجر: "لازمت الشيخ مدّة، وقرأت عليه عدّة أجزاء حديثية، وسمعت عليه أشياء، وحضرت دروسه الفقهية، وقرأت عليه من الكتب (الروضة)، ومن كلامه في حواشيها، و (دلائل النبوّة) للبيهقي، وقرأت عليه (المسلسل بالأوّلية) ". كما قرأ عليه جزءًا من (الحلية)، وسمع عليه الكثير من صحيح البخاري وصحيح مسلم، والكثير من سنن أبي داود ومختصر المُزني (1).
ثالثًا- ابن المُلَقّن (723 - 804هـ)(2):
هو أبو علي عُمر بن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري المعروف بابن المُلقَّن، وبابن النحوي؛ لأن أباه كان عالمًا بالنحو. الأندلسي الأصل ثمّ المصريّ، الشافعى، صاحب التصانيف المفيدة.
وقد اجتمع ابن المُلقَّن بجماعة من الأئمة في عصره كالتاج السبكي والحافظ العلائي، فأثنوا عليه ونوّهوا به، كما وصفه تلميذه الحافظ الناقد ابن ناصر الدين الدمشقي بالحفظ والإتقان.
واستفاد الحافظ ابن حجر منه في كثرة تصانيفه وتنوعها وطريقته فيها، وما يحرره من فوائد خاصة في تخريجه المعروف (البدر المنير)، وهو موسوعة عظيمة تدل على سعة اطلاع هذا الإمام وتبحره، وقد لخّص ابن حجر هذا الكتاب في (التلخيص الحبير).
(1) الجواهر والدُّرَر (ص 69 - 70). وتغليق التعليق (1/ 115).
(2)
يُنظر ترجمته في: إنباء الغُمر (5/ 41 - 46)؛ وطبقات الحفاظ (ص 542)؛ ولحظ الألحاظ (ص 197).
رابعًا- ابن جَمَاعة (749 - 819هـ)(1):
هو محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جَمَاعة، أبو عبد الله الكنانيّ، الحموي الأصل، المصري، الشافعي، المحقق المُتقن الأصولي المتكلم
…
شيخ الديار المصرية في العلوم العقلية.
أخذ عن البلقيني في الحاوي وغيره، وأجاز له خلق من الشاميين والمصريين بعناية الحافظ العراقي، واشتغل بالعلوم من صغره، ومال لفنون المعقول فأتقنها.
قال السخاوي: "لم يرزق ملكة في الاختصار، ولا سعادة في حسن التصنيف إلى أن قال: بلى كان أعجوبة في حسن التقرير"(2).
ولازمه الحافظ ابن حجر مدّة طويلة (من 790 إلى 819هـ)، حيث لازمه في غالب العلوم التي كان يقرئها. وقد أخذ عنه في الأصول (شرح منهاج البيضاوي) و (جمع الجوامع) وشرحه لابن جماعة نفسه،
وغيرها.
قال عنه ابن حجر: "لازمته من سنة تسعين إلى أن مات، وكان يودّني كثيرًا، ويشهد لي في غيبتي بالتقدم، ويتأدب معي إلى الغاية مع مبالغتي في تعظيمه، حتى كنت لا أسمّيه في غيبته إلَاّ إمام الأئمة"(3).
(1) يُنظر ترجمته في: إنباء الغُمر (7/ 240)؛ وشذرات الذهب (7/ 139)؛ والبدر الطالع (2/ 147).
(2)
الضوء اللامع، للسخاوي (7/ 172)، وانظر: إنباء الغمر (7/ 241).
(3)
إنباء الغُمر (7/ 242).
خامسًا- الفيروزابادي (729 - 817 هـ)(1):
هو محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن أبي بكر الشيرازي الفيروزابادي، اللغوي الشافعي، إمام عصره في اللغة.
كان كثير الكتب، حتى إنه قال:"اشتريت كتبًا بخمسين ألف مثقال ذهب". ومن مروياته الكتب الستة (وسنن البيهقي)، و (مسند أحمد)، و (صحيح ابن حبان)، و (مصنف ابن أبي شيبة) وغيرها.
وأما معرفته باللغة واطّلاعه على نوادرها، فأمر مستفيض. لقيه الحافظ بزَبِيد في رحلته لليمن كما تقدم، وقرأ عليه ثمانين حديثًا من العوالي، وتناول منه النصف الثاني من القاموس وأذن له في روايته عنه، وقرظ له تغليق التعليق.
وله تصانيف كثيرة جليلة في شتى الفنون، ومن أهمها وأشهرها (القاموس المحيط) الذي لم يُؤلف في بابه مثله، وهو بحق جدير بالعناية والنظر.
سادسًا- الهيثمي (735 - 807 هـ)(2):
هو الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي، المصري، الشافعي نور الدين، الإمام الزاهد، صاحب التصانيف الكثيرة.
صحب العراقي وهو صغير، فسمع معه من ابتداء طلبه على جماعة من شيوخه، ثم رحل مع العراقي جميع رحلاته، ورافقه في جميع مسموعاته بمصر والقاهرة والحرمين وبيت المقدس وبعلبك وحمص وحماة وحلب وطرابلس وغيرها. وتزوج بنت العراقي، وتخرّج به في الحديث، وقرأ عليه أكثر مصنّفاته، وكتب عنه جميع مجالس إملائه.
(1) يُنظر في ترجمته: إنباء الغُمر (7/ 159)؛ والبدر الطالع (2/ 280)؛ وشذرات الذهب
(7/ 126)؛ والجواهر والدُّرَر (ص 80 - 87).
(2)
يُنظر في ترجمته: إنباء الغُمر (5/ 256)؛ ولحظ الألحاظ (ص 239)؛ وطبقات الحفاظ (ص 545)؛ وشذرات الذهب (7/ 70)؛ والبدر الطالع (1/ 441).
وكان كثير المحفوظات لمتون الأحاديث واستحضارها، حتى كأنها بين يديه، ويُعد الهيثمي الرائد في فن الزوائد، وله في ذلك مصنفات جليلة، أعظمها: كتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) و (غاية المقصد في زوائد مسند الإمام أحمد)، وكان تأليفه بإشارة من شيخه العراقي، و (بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث)، و (موارد الظمآن في زوائد ابن حبان) على الصحيحين، وغيرها.
وقرأ الحافظ عليه قرينًا للعراقي ومنفردًا، وقرأ عليه انفرادًا نحو النصف من (مجمع الزوائد)، ونحو الربع من (زوائد مسند أحمد)، و (مسند جابر) من (مسند أحمد)، وغير ذلك.
وقد تتبع ابن حجر أوهامه في (مجمع الزوائد)، فلما بلغه أن ذلك شقّ عليه، تركه رعاية له.