الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع أبرز تلاميذه
ليس غريبًا أن يعلو ذكره ويرتفع قدره، ويشتهر في الآفاق بين الخاصة والعامة، وتسير بكتبه وتصانيفه الركبان، وليس غريبًا أن يكون محطّ أنظار طلبة العلم وقد جاب البلاد الإسلامية دهرًا طويلًا، وحصل له من المسموعات والإجازات والقراءات ما لم يحصل لكثير من أقرانه.
هذا بالإضافة إلى الأخلاق النبيلة التي كان عليها الحافظ ابن حجر، فكان محبًا لطلاّبه يبشّ في وجوههم، ويحسن إليهم ويقضي حوائجهم، وقد نوّه بذلك غير واحد من تلاميذه وأقرانه (1).
ولقد سرد السخاوي في (الجواهر والدرر) أسماء جماعة من الذين أخذوا عنه رواية ودراسة، وأوصل عددهم إلى خمسمائة شخص، وسأذكر أبرزهم على وجه الإيجاز:
أولًا- الحافظ السخاوي (831 - 902 هـ)(2):
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، شمس الدين السخاوي
(1) الجواهر والدُّرر (ص 226 - 227).
(2)
ينظر في ترجمته: البدر الطالع (2/ 184)؛ وشذرات الدهب (8/ 15)؛ ونظم العقيان للسيوطي (ص 152) وقد شنّع عليه وبخسه حقّه لما بينهما من منافسة.
الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، وهو من كبار العلماء المؤرّخين، والأئمة المتقنين. لازم الحافظ ابن حجر ملازمة طويلة، وأخذ عنه أكثر تصانيفه، وقدّمه الحافظ، وأذن له وهو بحقّ أنجب تلامذة ابن حجر.
ومن مصنفاته البديعة (فتح المغيث) في شرح ألفية الحديث للعراقي و (المقاصد الحسنة)، و (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)، و (الجواهر والدُّرَر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر)، وغيرها.
ثانيًا- برهان الدين البِقَاعي (809 - 885)(1):
هو الإمام إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّباط -بضم الراء المهملة وتخفيف الموحّدة- بن علي البقاعي، الشافعي، الحافظ المفسّر، المؤرّخ الأديب. قال الشوكاني (2): "
…
وبرع في جميع العلوم وفاق الآفاق، لا كما قال السخاوي: إنه ما بلغ رتبة العلماء، بل قصارى أمره إدراجه في الفضلاء
…
"، ثم قال: "وتصانيفه شاهدة بخلاف ما قاله (3)
…
ومن أمعن النظر في كتاب المترجم له في التفسير الذي جعله في المناسبة بين الآي والسور (4)، عَلِمَ أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء، الجامعين بين علمي المعقول والمنقول.
وكثيرًا ما يشكل علي شيء في الكتاب العزيز، فأرجع إلى مطولات التفاسير ومختصراتها، فلا أجد ما يفيد في الغالب".
وله تصانيف كثيرة من أجلّها الكتاب الذي أشار إليه الشوكاني آنفًا، وكتاب (عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران)، وغيرهما.
(1) ينظر في ترجمته: نظم العقيان (ص 24)؛ والبدر الطالع (1/ 19)؛ وشذرات الذهب
(7/ 339).
(2)
البدر الطالع (1/ 20).
(3)
يعني السخاوي.
(4)
يشر إلى كتاب البقاعي العظيم: "نظم الدُّرر في تناسب الآي والسور"، وهو مطبوع.
ثالثًا- التقي ابن فهد المكلي (787 - 871هـ)(1):
هو محمد بن محمد بن فهد المكي، الشافعي، أبو الفضل الهاشمي. برع في الحديث، وكثر من المسموع والشيوخ، وجدّ واجتهد، وعرف العالي والنازل، وشارك في فنون الأثر، وصار المعوّل عليه في هذا الشأن ببلاد الحجاز قاطبة (2).
لقي الحافظ ابن حجر بمكة وسمع منه (المسلسل بالأولية) وشيئًا من ترجمة البخاري، وجزءًا في الحج، ونخبة الفكر، وتخريج الأربعين النووية وغيرها. ومن أشهر مصنفاته (لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ)، وقد ترجم فيه للحافظ ابن حجر.
رابعًا- قاسم بن قُطلُوبُغا (802 - 879هـ)(3):
هو قاسم بن قطلوبُغا زين الدين، أبو العدل، الحنفي، ولد بالقاهرة ونشأ بها وحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ في الجد حتى شاع ذكره وذاع صيته، وقد عُرف رحمه الله بالذكاء وقوّة الحافظة، وخلف وراءه تصانيف نافعة، منها:
1 -
تاج التراجم فيمن صنّف من علماء الحنفية، وقد طُبع بدار البشائر.
2 -
رجال شرح معاني الآثار للطحاوي.
وتوفي رحمه الله بالقاهرة.
(1) ينظر في ترجمته: لحظ الألحاظ (ص 377)؛ والبدر الطالع (2/ 259)؛ ونظم العقيان (ص 170)؛ وطبقات الحفاظ (ص 549).
(2)
ابن حجر أمير المؤمنين في الحديث (ص 309).
(3)
ينظر في ترجمته: شذرات الذهب (7/ 326)؛ والضوء اللامع (6/ 184)؛ والبدر الطالع (2/ 45).
خامسًا- ابن تَغْري بَرْدي (813 - 874)(1):
هو يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الحنفي، أبو المحاسن جمال الدين القاهري، الإمام المؤرّخ. أجازه غير واحد كابن حجر والمقريزي والعيني، وانتهت إليه رياسة هذا الشأن في عصره، واستفاد من الحافظ ابن حجر، لا سيما في اتصال أسانيد الحوادث التاريخية، وهو ينقل عنه في كتبه ويُثني عليه، ومما قال عنه:"وهو أوحد من لقيناه"(2)، له تصانيف جليلة نافعة، منها:
1 -
المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، طُبع منه ستة مجلدات إلى الآن.
2 -
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وهو مطبوع.
3 -
الدليل الشافي، وهو مختصر للمنهل.
سادسًا- ابن مزني (781 - 823 هـ)(3):
هو ناصر بن أحمد بن يوسف الفزاري، البِسْكري (4)، الجزائري، أبو زيان المعروف بابن مزني، مؤرخ مغربي الأصل. وُلِد ببسكرة، ومرّ بالقاهرة حاجًا سنة (803 هـ)، واتصل بالعلاّمة ابن خلدون، ولازم ابن حجر. من آثاره
(1) ينظر في ترجمته: مقدمة كتاب المنهل الصافي (ص 6)؛ وشذرات الذهب (7/ 317)؛ والبدر الطالع (2/ 351)؛ والأعلام، للزركلي (8/ 222).
(2)
الجواهر والدُّرَر (ص 251).
(3)
ينظر في ترجمته: إنباء الغُمر (7/ 404)؛ والبدر الطالع (2/ 314)؛ والأعلام، للزركلي (7/ 347).
(4)
نسبة إلى بَسكَرة، وهي مدينة تقع في الجنوب الشرقيّ من الجزائر العاصمة، وتبعد عنها بـ 400 كلم أو تزيد قليلًا. وبرز فيها كثير من العلماء على مرّ العصور. معجم البلدان تحقيق: فريد الجندي (1/ 501).
الضخمة كتاب في (تاريخ الرواة)، قال عنه الحافظ ابن حجر: "جمع تاريخًا لو قُدِّر أن يبيضه، لكان مائة مجلد، وكان قد مارس ذلك إلى أن صار أعرف الناس به، فإنه جمع في مسوّداته ما لا يعد ولا يدخل تحت الحد، ومات قبل تبييضه، فتفرق شذر مذر) (1).
وعَمِيَ قبل وفاته بسنة، وتوفي في شعبان سنة (823هـ) بالقاهرة.
وكثرة تلاميذ الحافظ ابن حجر رحمه الله واختلاف مواطنهم وتعدّد تخصصاتهم خير دليل على قيامه بواجب تبليغ العلم الذي أمر الله به ونبيه صلى الله عليه وسلم بصفته حاملًا له-، فقام بذلك أحسن قيام وبشتى الوسائل التي كانت في عصره من إقراء وتدريس وإفتاء وخطابة في الجامع الأزهر، وإملاء في مجالس العلم من مساجد ومدارس في مختلف أنحاء البلاد، وفي كثير من التخصّصات والفنون.
* * *
(1) البدر الطالع (2/ 314)؛ وإنباء الغُمر (7/ 404).