الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنونهما، حتى كان لا يسمع شعرًا إلَاّ استحضر مِن أين أخذه (1).
إلَاّ أن هذا الفتور ما لبث أنْ فارقه، فقد استمرَّ عليه حتى عام (796 هـ) حينئذِ أقْبَل على العلم بِكُليته، وحرص على الطلب وخاصة في عِلْم الحديث، وهذه بداية ما يمكن الإطلاق عليه:
المرحلة الثالثة: فأقْبل رحمه الله على العلم، وعزم على التحصيل،
وصمم على المُضِى الجادَّ في الطلب (2)، واشتغل بعلم الحديث من جانب، إضافة إلى اهتمامه السابق بعلم التاريخ، مِمَّا أعانه على معرفة الرجال في أسرع مُدَّة.
ومِن وَقتِها وهو جادٌّ في الدَّرس والتحصيل، ومُلَازَمَة الشيوخ، والرحلة في الطلب، والإكثار مِنْ ذلك
…
وهذا ما سَنَطْرُق بابه في السطور التالية.
أهم العوامل التي ساعدت الحافظ في نبوغه:
ولَعَلَّ مِما أعان الشيخ رحمه الله على سُرعة التحصيل وكثرة الإنتاج: ما منحه الله عز وجل مِن أسباب كثيرة تتجلى في هذه الأمور الثلاثة:
"1 - سرعة القراءة الحَسَنَةِ: فقد قرأ "سُننَ ابن مَاجَه" في أربعة مجالس، وقرأ "السنن الكبرى" للنسَائِي في عَشرة مجالس، وكذا "صحيح البخاري" انتهى منه في مجالس أربعة (3)
…
وغير ذلك كثير.
2 -
سرعة الكتابة: فقد كتب بخطّه "التقييد" لابن نُقطَة في خمسة أيام (4)، وكان يكتب من "صحيح البخاري" جُزءًا من ثلاثين في
(1) معجم الشيوخ (ص 71).
(2)
الجواهر والدُّرَر (ق 18: أ)؛ وجُمَان الدُّرَر (ق 4: ب).
(3)
جُمَان الدُّرَر (ق 10: ب).
(4)
الجواهر والدُّرَر (ق 29: أ)؛ وجُمَان الدُّرَر (ق 11: ب). =
اليوم (1).
3 -
ذكاؤه وقابليته على الانْتِقاء، مِما سهل عليه كثيرًا من الأمور وهو يُفَتًش في مصنفات الحديث المُذهلَة (2) ".
ومن العوامل التي ساعدت على نبوغه واستفادته منها:
4 -
ما آتاه الله من ذكاء وسرعة في البديهة، والفهم، والقراءة،
والكتابة، مما جعله يستوعب قدرًا كبيرًا من المسموعات، ويُدَوَّنها في مدة
قصيرة.
5 -
ثم ما تحلى به من الصبر والعزم، والهمة العالية، وإلا فقد تعرض لمخاطر كبيرة في رحلاته ممثلة في الغرق، والعطش، وقطع الطريق، وغيرها، فكان الحافظ ممن ينطبق عليه قول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارًا
…
تعبت في مرادها الأجسام
وكان يكتب وهو في المركب برًا وبحرًا.
6 -
(ومنها الرفاق الذين كانوا غاية في الديانة والتواضع، والاعتناء بالبيان، والاهتمام بفنونه، والبعد عن التوَغُل في الغل والحسد والكتمان، وتكرر ذكر ما يقتضي الامتنان، فذا يعين رفيقه نوبة بالقراءة، ومرة بالكتابة، وأخرى بالعارية، ووقتًا بالمذاكرة، ومرة بالتنبيه على ما السلامة منه مختصة
= وكتاب "التقييد لمعرفة الرُّواة والسُّنَن والمسانيد" لأبي بكر محمد بن عبد الغني الشهير بِابْنِ نُقطَة المتوفَّى سنة (629 هـ). انظر في ترجمته: وَفَيَات الأعيَان (1/ 250)؛ والوافي بالوَفَيَات (3/ 267). وكتابه هذا جَمَع فيه رُوَاة الكتب السته وغيرها من السنن والمسانيد، كما صرح بذلك في مقدّمته للكتاب (1/ 2).
وقد طبع الكتاب عِدة طبعات منها: طبعة دار الحديث/ بيروت، عام 1407 هـ.
(1)
الجواهر والدُّرَر (ق 29: أ).
(2)
انظر: ابن حجر ودراسة مصنفاته (1/ 137).
بالمعصومين، والآخر يفعل مع رفيقه أيضًا كذلك، ويُجَمِّل كل واحد منهم الآخر بقلمه ولسانه، ويوجه ما ظاهره القبيح من قول أو فعل بالتوجيه المرضي حتى يصرفه عما يخالفه، ويثني من تأخرت وفاته على صاحبه الثناء الجميل، ولتلبسهم بذلك كانت لهم جلالة ووجاهة، وفيهم كثرة.
فأين هؤلاء ممن إذا كتب له رفيقه تجاه خطه: صوابه كذا، وقال له في حال قراءته: سقط عليك كذا، وكتب له على بعض ما يطالعه من خطه على جاري عادة المستفيدين بعضهم من بعض؛ يُضْمِر ذلك في نفسه إلى أن ينتقم بما يكون قصاصًا عن جناية بل ويهجوه نظمًا ونثرًا). اهـ. ملخصًا (1).
7 -
(ومنها كونه لم يَتَودد في غضون هذه المدة لأحد من رؤساء الشام، بل لم يكن حينئذ يجتمع بأحد من الرؤساء مطلقًا مع احتياجهم إلى مجالسته، واغتباطهم برؤيته. بل كانت همته المطالعة، والقراءة، والسماع، والعبادة، والتصنيف، والإفادة، بحيث لم يكن يُخلي لحظة من أوقاته عن شيء من ذلك حتى في حال أكله، وتوجهه، وهو سألك كما حكى بعض رفقته الذين كانوا معه في رحلته، وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه)(2).
وحوادث وأمثلة هذا كثيرة من حياته رحمه الله.
* * *
(1) الجواهر والدُّرَر (1/ 109).
(2)
المصدر السابق (1/ 110).