الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذهبه، وأن من تكلم فيه من أهل جهته فإنه قد دل على نفسه وفضحها، وأبان عن سؤته ومخالفته لهدي السلف.
قال نعيم بن حماد -أحد أئمة السلف- (1): إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد ابن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتهمه في دينه. اهـ (2).
المطلب السادس حفظه للحديث، وإمامته فيه
لقد أثرت هذه الرحلات العلمية التي قام بها إسحاق مبكرًا -وقد تقدم ذكرها قريبًا- حصيلته العلمية، في شتى علوم الشريعة، وخاصة الحديث النبوي الشريف، وما يُروى عن الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم، فقد كان ذا ذهن وقاد، وحافظة منقطعة النظير، فاستطاع بذلك أن يلم بجل ما سمع، ويختزنه في حفظه، مع عدم إهمال الكتابة، زيادة في التثبت، وخوفًا من الزلل، أو السهو، والنسيان. فكان بعد ذلك يذاكر إخوانه الحفاظ، كأحمد، وابن معين، وغيرهما.
فكانوا يُقِرون له بتقدمه عليهم في الحفظ والإتقان، وما ذاك إلَّا شاهد قوي على سعة محفوظه، مع الفهم الدقيق، والضبط الأكيد.
قال محمد بن يحيى الذهلي (3): وافقت إسحاق بن إبراهيم -صاحبنا-
(1) تاريخ بغداد (6/ 348).
(2)
وإذا أردت التوسع في هذا الموضوع فانظر: ترجمته في القسم المحقق من مسنده -وهو مسند عائشة رضي الله عنها (ص 212 - 243).
(3)
تاريخ بغداد (6/ 351).
سنة تسع وتسعين، ببغداد، اجتمع في الرصافة أعلام أصحاب الحديث، فمنهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما. فكان صدر المجلس لإسحاق، وهو الخطيب. اهـ. ومع هذا كان يروي عنهما، وعن غيرهما من كبار أقرانه (1). كما أن أقرانه كانوا يروون عنه، كما هي عادة المحدثين في الأخذ عن أقرانهم وعمن هم في طبقة تلاميذهم.
وكان في الحفظ آية من آيات الله، لا يسمع شيئًا إلَّا حفظه، ولا حفظ شيئًا فنسيه.
قال ابن عدي (2): ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا علي بن خشرم، ثنا ابن فضيل، عن ابن شبرمة، عن الشعبي، قال: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلَّا حفظته، ولا أحب أن يعيده علي. فحدثت -المحدث هو علي بن خشرم- بهذا الحديث إسحاق بن راهويه، فقال: تعجب من هذا؟ قلت: نعم. قال: كنت لا أسمع شيئًا إلَّا حفظته. وكأني انظر إلى سبعين ألف حديث -أو قال: أكثر من سبعين ألف- في كتبي. اهـ. وقال الأمير عبد الله بن طاهر (3) لإسحاق: قيل لي: إنك تحفظ مائة ألف حديث؟ قال: مائة ألف حديث!! ما أدري ما هو، ولكني ما سمعت شيئًا قط إلَّا حفظته، ولا حفظت قط شيئًا فنسيته. اهـ. فكان يملي الأحاديث من حفظه ولا يمسك كتابًا. قال أبو يحيى الشعراني (4): ما رأيت بيد إسحاق كتابًا قط، وما كان يحدث إلَّا حفظًا. اهـ. وكان في بعض الأحايين يملي عليهم من حفظه، ثم يقرأ
(1) انظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص 60، 129).
(2)
الكامل (1/ 136)، وانظر الجامع لأخلاق الراوي وأداب السامع (2/ 309).
(3)
تاريخ بغداد (6/ 354).
(4)
تاريخ بغداد (6/ 354).
عليهم ما أملى حفظًا، فلا يزيد ولا ينقص. قال أبو داود الخفاف (1): أملى علينا إسحاق بن راهويه، أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفًا ولا نقص حرفًا. اهـ.
وقد حدث بمسنده -على ضخامته- حفظًا. قال إبراهيم بن أبي طالب (2): وكان قد أملى المسند كله من حفظه وقرأه أيضًا من حفظه ثانيًا. اهـ.
وكان كبار حفاظ عصره يتعجبون من حفظه، وإتقانه، وسلامته من الغلط.
قال أحمد بن سلمة (3) سمعت أبا حاتم الرازي يقول: ذكرت لأبي زرعة، إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وحفظه للأسانيد، والمتون، فقال أبو زرعة: ما روي أحفظ من إسحاق. قال أبو حاتم: والعجب من إتقانه وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ. قال أحمد بن سلمة:
فقلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه. فقال أبو حاتم: وهذا أعجب فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها. اهـ. وقال قتيبة بن سعيد (4): الحفاظ بخراسان: إسحاق بن راهويه، ثم عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، ثم محمد بن إسماعيل. اهـ.
(1) الكامل (1/ 136)، تاريخ بغداد (6/ 354).
(2)
تاريخ بغداد (6/ 354).
(3)
تاريخ بغداد (6/ 353).
(4)
تاريخ بغداد (6/ 353).