الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَوْ فِعْلِهِ فِي الرُّؤْيَا:
9 -
مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ يَقُول قَوْلاً أَوْ يَفْعَل فِعْلاً فَهَل يَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا أَوْ فِعْلُهُ حُجَّةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ أَوْ لَا؟ .
ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: -
الأَْوَّل: أَنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً وَيَلْزَمُ الْعَمَل بِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ مِنْهَا الأُْسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ؛ لأَِنَّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ حَقٌّ وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّل بِهِ.
الثَّانِيَ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ؛ لأَِنَّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّل بِهِ لَكِنِ النَّائِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْل التَّحَمُّل لِلرِّوَايَةِ لِعَدَمِ حِفْظِهِ.
الثَّالِثَ: أَنَّهُ يُعْمَل بِذَلِكَ مَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْعًا ثَابِتًا.
قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الشَّرْعَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم قَدْ كَمَّلَهُ اللَّهُ عز وجل وَقَال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1) .
وَلَمْ يَأْتِنَا دَلِيلٌ يَدُل عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي النَّوْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَال فِيهَا بِقَوْلٍ، أَوْ فَعَل فِيهَا فِعْلاً يَكُونُ دَلِيلاً وَحُجَّةً، بَل قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَمَّل لِهَذِهِ الأُْمَّةِ مَا شَرَعَهُ لَهَا عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَبْقَ
(1) سورة المائدة / 3.
بَعْدَ ذَلِكَ حَاجَةٌ لِلأُْمَّةِ فِي أَمْرِ دِينِهَا، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْبَعْثَةُ لِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ وَتَبْيِينِهَا بِالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ رَسُولاً حَيًّا وَمَيِّتًا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا ضَبْطَ النَّائِمِ لَمْ يَكُنْ مَا رَآهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ فِعْلِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأُْمَّةِ (1) .
وَذَكَرَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَا التَّعْوِيل عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لاِحْتِمَال الْخَطَأِ فِي التَّحَمُّل وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّوْمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِرَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ يَقُول لَهُ إِنَّ فِي الْمَحَل الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ وَلَا خُمُسَ عَلَيْكَ فَذَهَبَ وَوَجَدَهُ وَاسْتَفْتَى ذَلِكَ الرَّجُل الْعُلَمَاءَ، فَقَال لَهُ الْعِزُّ: أَخْرِجِ الْخُمُسَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَقُصَارَى رُؤْيَتِكَ الآْحَادُ، فَلِذَلِكَ لَمَّا اضْطَرَبَتْ آرَاءُ الْفُقَهَاءِ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ فِيمَنْ رَآهُ عليه السلام فِي الْمَنَامِ فَقَال لَهُ إِنَّ امْرَأَتَكَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهُوَ يَجْزِمُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا لِتَعَارُضِ خَبَرِهِ عليه السلام عَنْ تَحْرِيمِهَا فِي النَّوْمِ، وَإِخْبَارِهِ فِي الْيَقَظَةِ فِي شَرِيعَتِهِ الْمُعَظَّمَةِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ، اسْتَظْهَرَ الأَْصْل أَنَّ إِخْبَارَهُ عليه السلام فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي النَّوْمِ لِتَطَرُّقِ الاِحْتِمَال لِلرَّائِي بِالْغَلَطِ فِي ضَبْطِهِ الْمِثَال قَال: فَإِذَا عَرَضْنَا عَلَى
(1) إرشاد الفحول / 249 ط. الحلبي.