الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَال: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَال لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُل وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خِدْمَة) .
الرِّفْقُ بِالْحَيَوَانِ:
10 -
مِمَّا وَرَدَ فِي الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانَاتِ النَّهْيُ عَنْ صَبْرِهَا وَتَعْذِيبِهَا، وَبَيَانُ فَضْل سَاقِيهَا وَالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الأَْنْعَامِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا. فَمِمَّا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُل خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَال ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَل هَذَا؟ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَل هَذَا، إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا (2) . وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ
(1) حديث أبي ذر: " إني ساببت رجلاً. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 84 - ط السلفية) . وانظر فتح الباري 5 - 174 ط. الرياض.
(2)
2) حديث ابن عمر: " مر بفتيان من قريش. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1550 - ط الحلبي) .
يُقْتَل شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا (1) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا (2) . وَمَعْنَى صَبْرِ الْبَهَائِمِ كَمَا قَال الْعُلَمَاءُ أَنْ تُحْبَسَ وَهِيَ حَيَّةٌ لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَعْنَى لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا، أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَانَ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ كَالْغَرَضِ (أَيِ الْهَدَفِ) مِنَ الْجُلُودِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَلِهَذَا قَال صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَل هَذَا؛ وَلأَِنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ، وَتَضْيِيعٌ لِمَالِيَّتِهِ، وَتَفْوِيتٌ لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى، وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى (3) . حَتَّى مَا يُذْبَحُ مِنَ الْحَيَوَانِ لأَِكْلِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالرِّفْقِ بِهِ، بِإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ وَإِرَاحَةِ الذَّبِيحَةِ. قَال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِْحْسَانَ عَلَى كُل شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ (4) .
وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْل مَنْ سَقَى حَيَوَانًا رِفْقًا بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(1) حديث جابر: " نهى أن يقتل شيء من الدواب صبرًا. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1550 ط الحلبي) .
(2)
حديث ابن عباس: " لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1549 ط الحلبي) .
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 107 - 108 ط - الأولى.
(4)
حديث: " إن الله كتب الإحسان. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1548 - ط الحلبي) من حديث شداد بن أوس.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَل فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَال الرَّجُل: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْل الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَل الْبِئْرَ فَمَلأََ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَال: فِي كُل ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ (1) .
وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ رِفْقًا وَرَحْمَةً بِهِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْهُ دِيَانَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي الإِْجْبَارِ عَلَيْهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ بَهِيمَةٌ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَى وُجُوبِهَا وَلُزُومِهَا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلَا خَصْمَ، فَلَا يُجْبَرُ، وَلَكِنْ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ فِي تَرْكِهِ جَائِعًا تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَتَضْيِيعَ الْمَال، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلأَِنَّهُ سَفَهٌ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ، وَالسَّفَهُ حَرَامٌ عَقْلاً (2) .
(1) حديث: " بينما رجل يمشي بطريق. . . . . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 438 - ط السلفية) .
(2)
بدائع الصنائع 4 / 40 ط. الجمالية، ابن عابدين 2 / 688 - 689 - ط. بولاق، فتح القدير 3 / 355 - 356 ط. الأميرية، الاختيار 4 / 14 ط. المعرفة، الفتاوى الهندية 1 / 573 - 574 ط. المكتبة الإسلامية.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ نَفَقَةَ الدَّابَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى وَاجِبَةٌ، وَيَقْضِي بِهَا، لأَِنَّ تَرْكَهُ مُنْكَرٌ، وَإِزَالَتُهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهِ، خِلَافًا لِقَوْل ابْنِ رُشْدٍ يُؤْمَرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَدَخَل فِي الدَّابَّةِ هِرَّةٌ عَمِيَتْ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنِ انْقَطَعَتْ عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الاِنْصِرَافِ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا؛ لأَِنَّ لَهُ طَرْدَهَا (1) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دَابَّةً لَزِمَهُ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا، وَيَقُومُ مَقَامَ الْعَلَفِ وَالسَّقْيِ تَخْلِيَتُهَا لِتَرْعَى وَتَرِدَ الْمَاءَ، إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَرْعَى وَيَكْتَفِي بِهِ لِخِصْبِ الأَْرْضِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعُ ثَلْجٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَجْدَبَتِ الأَْرْضُ وَلَمْ يَكْفِهَا الرَّعْيُ لَزِمَهُ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَلَفِ مَا يَكْفِيهَا، وَيَطَّرِدُ هَذَا فِي كُل حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ (يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ) ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ فِي الْمَأْكُولَةِ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ صِيَانَتِهَا عَنِ الْهَلَاكِ بِالْعَلَفِ أَوِ التَّخْلِيَةِ لِلرَّعْيِ أَوْ ذَبْحِهَا. وَفِي غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ عَلَى الْبَيْعِ أَوِ
(1) حاشية الدسوقي 2 / 522 ط. الفكر، جواهر الإكليل 1 / 407ط. المعرفة، الخرشي 4 / 201 - 202 ط. بولاق، الزرقاني 4 / 258 - 259 ط. الفكر، التاج والإكليل مع مواهب الجليل 4 / 206 - 207 ط. النجاح.
الصِّيَانَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَل نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَال، وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا يُخَلِّيهَا لِخَوْفِ الذِّئْبِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَكْرَاهَا، فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهَا لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ (مَرَضٌ مُزْمِنٌ) أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَيْتُ الْمَال (1) .
وَقَوْل الْحَنَابِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْل الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْكَافِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً لَزِمَهُ الْقِيَامُ بِعَلَفِهَا لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُل مِنْ خَشَاشِ الأَْرْضِ (2) . فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، فَإِنْ أَبَى أُكْرِيَتْ وَأُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ وَإِلَاّ بِيعَتْ، كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ إِذَا أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا (3) .
وَتَذْكُرُ كُتُبُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ أَنْ يُحَمِّلَهَا مَا لَا تُطِيقُ حَمْلَهُ؛ لأَِنَّ
(1) روضة الطالبين 9 / 120 ط. المكتب الإسلامي، حاشية القليوبي 4 / 94 ط. الحلبي، نهاية المحتاج 7 / 229 - 231 - ط. المكتبة الإسلامية، الشرواني 8 / 370 - 374 ط. دار صادر، الجمل على المنهج 4 / 527 - 529 ط. التراث، المهذب 2 / 169 - 170ط. الحلبي.
(2)
حديث: " عذبت امرأة في هرة. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 515 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 2022 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(3)
الكافي 3 / 390 ط. المكتب الإسلامي.
الشَّارِعَ مَنَعَ تَكْلِيفَ الإِْنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ مَا لَا يُطِيقُ؛ وَلأَِنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ حُرْمَةٌ فِي نَفْسِهِ وَإِضْرَارًا بِهِ. وَيَحْرُمُ أَنْ يَحْلُبَ مِنْ لَبَنِهَا مَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا؛ لأَِنَّ كِفَايَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ، وَسُنَّ لِلْحَالِبِ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَاّ يَجْرَحَ الضَّرْعَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ (1) .
(1) كشاف القناع 5 / 493 - 95 ط. النصر، الإنصاف 9 / 414 - 415 ط. التراث، القواعد لابن رجب 32 ق 23، ص 138 ق 75، المبدع 8 / 228 - 229 ط. المكتب الإسلامي، المغني 7 / 634 - 635 ط. الرياض.