الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأْيِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، كَمَا فَعَل فِي تَلْقِيحِ النَّخْل، وَالنُّزُول بِبَدْرٍ، وَمُصَالَحَةِ أَهْل الأَْحْزَابِ.
وَكَذَلِكَ فَعَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرْسَل أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِنَعْلَيْهِ وَقَال لَهُ: مَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَقَال لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا تَفْعَل فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِل النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ. فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَخَلِّهِمْ (1) .
د -
تَغَيُّرُ اجْتِهَادِ الْقَاضِي:
10 -
مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ أَيْضًا تَغَيُّرُ الاِجْتِهَادِ، فَالْمُجْتَهِدُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ إِلَى رَأْيٍ يُخَالِفُ رَأْيَهُ الأَْوَّل يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنِ اجْتِهَادِهِ الأَْوَّل وَالْعَمَل بِمَا تَغَيَّرَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ رضي الله عنه إِلَى أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ: وَلَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَ بِهِ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ رَأْيَكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ فِيهِ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَلَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِل.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: يُرِيدُ أَنَّكَ إِذَا اجْتَهَدْتَ فِي حُكُومَةٍ ثُمَّ وَقَعَتْ لَكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَا يَمْنَعُكَ
(1) حديث: " من لقيت وراء هذا الحائط يشهد. . . " أخرجه مسلم (1 / 60 - ط الحلبي) .
الاِجْتِهَادُ الأَْوَّل مِنْ إِعَادَتِهِ، فَإِنَّ الاِجْتِهَادَ قَدْ يَتَغَيَّرُ، وَلَا يَكُونُ الاِجْتِهَادُ الأَْوَّل مَانِعًا مِنَ الْعَمَل بِالثَّانِي إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ الْحَقُّ، فَإِنَّ الْحَقَّ أَوْلَى بِالإِْيثَارِ؛ لأَِنَّهُ قَدِيمٌ سَابِقٌ عَلَى الْبَاطِل، فَإِنْ كَانَ الاِجْتِهَادُ الأَْوَّل قَدْ سَبَقَ الثَّانِيَ، وَالثَّانِي هُوَ الْحَقُّ فَهُوَ أَسْبَقُ مِنْ الاِجْتِهَادِ الأَْوَّل؛ لأَِنَّهُ قَدِيمٌ سَابِقٌ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَلَا يُبْطِلُهُ وُقُوعُ الاِجْتِهَادِ الأَْوَّل عَلَى خِلَافِهِ، بَل الرُّجُوعُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنَ التَّمَادِي عَلَى الاِجْتِهَادِ الأَْوَّل. (1)
11 -
عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الاِجْتِهَادِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إِلَى مَا تَغَيَّرَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِل الاِجْتِهَادَ الأَْوَّل إِذَا صَدَرَ بِهِ حُكْمٌ.
وَهَذَا فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي هِيَ مَحَل الاِجْتِهَادِ، قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمُجْتَهِدُ إِذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِرَأْيِهِ - وَهِيَ مَحَل الاِجْتِهَادِ - ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيْهِ ثَانِيًا فَتَحَوَّل رَأْيُهُ يَعْمَل بِالرَّأْيِ الثَّانِي، وَلَا يُوجِبُ هَذَا نَقْضَ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الأَْوَّل؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ بِالرَّأْيِ الأَْوَّل قَضَاءٌ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ لاِتِّفَاقِ أَهْل الاِجْتِهَادِ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ فِي مَحَل الاِجْتِهَادِ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ هَذَا قَضَاءً مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَا اتِّفَاقَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الرَّأْيِ الثَّانِي، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِل هَذَا الْقَضَاءَ، كَذَا هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه
(1) إعلام الموقعين 1 / 110، 234