الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْعَدِمُ الْجِنَايَةُ بِعَوْدِهِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ مَا تَلَبَّسَ بِأَفْعَال الْحَجِّ مِنْ طَوَافٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِاتِّفَاقٍ. (1)
ب -
رُجُوعُ الْمُعْتَدَّةِ إِلَى مَنْزِل الْعِدَّةِ:
25 -
يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ خَرَجَتْ لِحَجٍّ أَوْ زِيَارَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا مُوجِبُ الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجِهَا هَل يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتَعْتَدَّ فِيهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ شَرْعًا عَلَيْهَا حَيْثُ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُعْتَدَّاتِ عَنِ الْخُرُوجِ بِقَوْلِهِ عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} (2) أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ؟ قَال الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ عِدَّةُ وَفَاةٍ بَعْدَمَا خَرَجَتْ لِلْحَجِّ فَإِنْ كَانَ إِلَى مَنْزِلِهَا أَقَل مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ وَإِلَى مَكَّةَ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتَعْتَدَّ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِنْشَاءُ سَفَرٍ فَصَارَ كَأَنَّهَا فِي بَلَدِهَا.
وَإِنْ كَانَ إِلَى مَكَّةَ أَقَل مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ وَإِلَى مَنْزِلِهَا مُدَّةُ سَفَرٍ مَضَتْ إِلَى مَكَّةَ؛ لأَِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْمَحْرَمِ فِي أَقَل مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَقَل مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِيَكُونَ الاِعْتِدَادُ فِي مَنْزِل الزَّوْجِيَّةِ، وَهُوَ
(1) البدائع 2 / 165، وجواهر الإكليل 1 / 170، ومغني المحتاج 1 / 475، والمغني 3 / 266.
(2)
سورة الطلاق / 1.
أَوْجَهُ. نَقَل هَذَا ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ، وَفِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ؛ لأَِنَّهَا إِذَا رَجَعَتْ صَارَتْ مُقِيمَةً، وَإِذَا مَضَتْ كَانَتْ مُسَافِرَةً.
وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مُدَّةُ سَفَرٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِلَا مَحْرَمٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ فِي بَعْضِ الْقُرَى بِحَيْثُ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْضِيَ فَتَدْخُل مَوْضِعَ الأَْمْنِ، ثُمَّ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، سَوَاءٌ وَجَدَتْ مَحْرَمًا أَمْ لَمْ تَجِدْ.
وَعِنْدَهُمَا تَخْرُجُ إِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: عَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تُمْضِيَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ قَبْل طُرُوءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ نَقَلَهَا الزَّوْجُ قَبْل الْمَوْتِ أَوِ الطَّلَاقِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَاتُّهِمَ أَنَّهُ نَقَلَهَا لِيُسْقِطَ سُكْنَاهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُقِيمَةً بِغَيْرِ مَسْكَنِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوِ الطَّلَاقِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ لِمَنْزِلِهَا لِتَعْتَدَّ فِيهِ.
(1) البدائع 2 / 1242، 3 / 206 - 207، وابن عابدين 2 / 622، وفتح القدير والعناية عليه 4 / 168.
وَلَوْ خَرَجَتْ لِحَجِّ الصَّرُورَةِ (1) مَعَ زَوْجِهَا وَمَاتَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ سَيْرِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ لِتَعْتَدَّ بِمَنْزِلِهَا إِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الْعِدَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهَا وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا. لَكِنَّ الرُّجُوعَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَتْ لَمْ تُحْرِمِ بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ فِي الإِْحْرَامِ وَلَوْ فِي أَوَّل يَوْمٍ مِنْ سَفَرِهَا فَلَا تَرْجِعُ.
وَلَوْ خَرَجَتْ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ لِزِيَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرَبِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ وَلَوْ وَصَلَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُهُ وَلَوْ بَعْدَ إِقَامَتِهَا نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَلَوْ خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِلإِْقَامَةِ فِي مَكَانٍ آخَرَ بَعْدَ رَفْضِ السُّكْنَى فِي الْمَسْكَنِ الأَْوَّل فَطُلِّقَتْ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي الاِعْتِدَادِ بِأَيِّ مَكَانٍ شَاءَتْ. (2) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ انْتَقَلَتِ الزَّوْجَةُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ إِلَى مَسْكَنٍ آخَرَ فِي الْبَلَدِ فَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ قَبْل وُصُولِهَا إِلَى الْمَسْكَنِ الآْخَرِ فَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَسْكَنِهَا الأَْوَّل، بَل تَعْتَدُّ فِي الثَّانِي عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ لأَِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْقِيَامِ فِيهِ، وَقِيل: تَعْتَدُّ فِي الأَْوَّل؛ لأَِنَّ مُوجِبَ الْعِدَّةِ لَمْ يَحْصُل وَقْتَ الْفِرَاقِ فِي الثَّانِي، وَقِيل: تَتَخَيَّرُ لِتَعَلُّقِهَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
(1) حجة الصرورة - بفتح الصاد المهملة -: حجة الإسلام.
(2)
جواهر الإكليل 1 / 392، والدسوقي 2 / 485، والمواق 4 / 163.
أَمَّا إِذَا وَجَبَتِ الْعِدَّةُ بَعْدَ وُصُولِهَا لِلثَّانِي اعْتَدَّتْ فِيهِ جَزْمًا. وَإِنْ كَانَ الاِنْتِقَال بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ رَجَعَتْ إِلَى الأَْوَّل وَلَوْ بَعْدَ وُصُولِهَا لِلثَّانِي لِعِصْيَانِهَا بِذَلِكَ، إِلَاّ إِذَا أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْوُصُول.
وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ فِي سَفَرِ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ تِجَارَةٍ، أَوِ اسْتِحْلَال مَظْلِمَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَسَفَرٍ لِحَاجَتِهَا، ثُمَّ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُفَارِقْ عُمْرَانَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ فِي السَّفَرِ.
وَإِنْ فَارَقَتْ عُمْرَانَ الْبَلَدِ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ وَلَهَا الْمُضِيُّ فِي السَّفَرِ؛ لأَِنَّ فِي قَطْعِهَا عَنِ السَّفَرِ مَشَقَّةً، لَا سِيَّمَا إِذَا بَعُدَتْ عَنِ الْبَلَدِ، أَوْ خَافَتْ الاِنْقِطَاعَ عَنِ الرُّفْقَةِ، وَالأَْفْضَل الرُّجُوعُ. وَإِذَا اخْتَارَتِ الْمُضِيَّ وَمَضَتْ لِمَقْصِدِهَا أَوْ بَلَغَتْهُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهَا دُونَ تَقَيُّدٍ بِمُدَّةِ السَّفَرِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَيَجِبُ الرُّجُوعُ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِتَعْتَدَّ مَا بَقِيَ مِنَ الْعِدَّةِ فِي مَسْكَنِهَا.
وَإِذَا سَافَرَتْ لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ سَافَرَ بِهَا الزَّوْجُ لِحَاجَتِهِ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ فَلَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ ثُمَّ تَعُودُ.
وَإِنْ قَدَّرَ لَهَا الزَّوْجُ مُدَّةً فِي نُقْلَةٍ أَوْ سَفَرِ حَاجَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَاعْتِكَافٍ، اسْتَوْفَتْهَا وَعَادَتْ لِتَمَامِ الْعِدَّةِ.