الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَأْخِيرِهِ، ثُمَّ إِنِ انْقَطَعَ فِي وَقْتِهِ لَيْسَتْ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ (1)
بِنَاءُ الرَّاعِفِ عَلَى صَلَاتِهِ:
5 -
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الرُّعَافَ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَيَجُوزُ لِلرَّاعِفِ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ (2) وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَرَعَفَ فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ (3) .
وَنَقَل الْبَاجِيُّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الرُّعَافَ لَا يُبْطِل الصَّلَاةَ وَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الدَّمُ مِنَ الْخَبَثِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ. فَمَنْ رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ وَظَنَّ دَوَامَهُ لآِخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ تَمَادَى فِي صَلَاتِهِ وُجُوبًا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا، وَلَا فَائِدَةَ فِي الْقَطْعِ مَا لَمْ يَخْشَ مِنْ تَمَادِيهِ تَلَطُّخَ فُرُشِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ خَشِيَهُ وَلَوْ بِقَطْرَةٍ قَطَعَ صَوْنًا لِلْمَسْجِدِ مِنَ النَّجَاسَةِ. وَإِنْ لَمْ
(1) الحطاب 1 / 471، والشرح الصغير 1 / 270.
(2)
حديث: " من أصابه قيء. . . " تقدم تخريجه ف 2
(3)
بدائع الصنائع 1 / 220، والدسوقي 1 / 207، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 83، والحطاب 1 / 484.
يَظُنَّ دَوَامَهُ لآِخِرِ الْمُخْتَارِ بَل ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فِيهِ أَوْ شَكَّ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلاً، أَوْ قَاطِرًا، أَوْ رَاشِحًا.
فَإِذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلاً، أَوْ قَاطِرًا وَلَمْ يُلَطِّخْهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَتْلُهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَطْعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَطْعَ، فَقَال: هُوَ أَوْلَى، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
قَال زَرُّوقٌ: إِنَّ الْقَطْعَ أَنْسَبُ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْعِلْمِ، وَاخْتَارَ جُمْهُورُ الأَْصْحَابِ (الْمَالِكِيَّةُ) الْبِنَاءَ لِعَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَقِيل: هُمَا سِيَّانِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ الْبِنَاءِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّمُ رَاشِحًا بِأَنْ لَمْ يَسِل وَلَمْ يَقْطُرْ بَل لَوَّثَ طَاقَتَيِ الأَْنْفِ وَجَبَ تَمَادِي الرَّاعِفِ فِي الصَّلَاةِ وَفَتْل الدَّمِ إِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ لَمْ يَكْثُرْ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ لِكَثْرَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ السَّائِل وَالْقَاطِرِ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْبِنَاءِ.
6 -
وَيَخْرُجُ مُرِيدُ الْبِنَاءِ لِغَسْل الدَّمِ حَال كَوْنِهِ مُمْسِكًا أَنْفَهُ مِنْ أَعْلَاهُ وَهُوَ مَارِنُهُ، لَا مِنْ أَسْفَلِهِ مِنَ الْوَتْرَةِ لِئَلَاّ يَبْقَى الدَّمُ فِي طَاقَتَيْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَهُ بَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ:
1 -
أَنْ لَا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ بِمَا يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ. أَمَّا إِذَا تَلَطَّخَ بِمَا زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَيَبْتَدِئُهَا مِنْ أَوَّلِهَا بَعْدَ غَسْل الدَّمِ.
2 -
أَنْ لَا يُجَاوِزَ أَقْرَبَ مَكَانٍ مُمْكِنٍ لِغَسْل الدَّمِ فِيهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الأَْقْرَبَ مَعَ الإِْمْكَانِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
3 -
أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي يَغْسِل الدَّمَ فِيهِ قَرِيبًا فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
4 -
أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنِ اسْتَدْبَرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَال اللَّخْمِيُّ: إِذَا اسْتَدْبَرَ الرَّاعِفُ الْقِبْلَةَ لِطَلَبِ الْمَاءِ لَمْ تَبْطُل صَلَاتُهُ. وَقَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ: يَخْرُجُ كَيْفَ أَمْكَنَهُ (1) .
5 -
أَنْ لَا يَطَأَ فِي مَشْيِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَإِلَاّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً أَمْ يَابِسَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا، أَمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَوَطِئَهَا عَمْدًا أَمْ سَهْوًا.
6 -
أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي مُضِيِّهِ لِلْغَسْل، فَإِنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (2) .
7 -
ثُمَّ الرَّاعِفُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إِمَامًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِهِ قَال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ؛ لأَِنَّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَمَا لَا يَمْنَعُهُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفَذُّ وَغَيْرُهُ، كَالسَّلَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ فِيمَا طَال وَفِيمَا قَصُرَ - وَالْمَأْمُومُ لَهُ الْبِنَاءُ بِاتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ - وَلأَِنَّهُ قَدْ عَمِل شَيْئًا مِنَ الصَّلَاةِ فَلَا يُبْطِلُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ؛ وَلأَِنَّهُ قَدْ حَازَ فَضِيلَةَ أَوَّل
(1) المنتقى 1 / 83.
(2)
الشرح الصغير 1 / 270 - 276، والحطاب 1 / 478 - 482
الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
وَالْقَوْل الآْخَرُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الرَّاعِفَ لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَيْثُ هُوَ فَقَدْ سَلِمَتْ صَلَاتُهُ عَنِ الْمَشْيِ، لَكِنَّهُ صَلَّى وَاحِدَةً فِي مَكَانَيْنِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى مُصَلَاّهُ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ الصَّلَاةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ مَشْيٍ فَاسْتَوَى الْوَجْهَانِ فَيُخَيَّرُ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يُصَلِّي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَلَوْ أَتَى الْمَسْجِدَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لأَِنَّهُ تَحَمَّل زِيَادَةَ مَشْيٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.
وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لأَِنَّ الْمَشْيَ إِلَى الْمَاءِ وَالْعَوْدَ إِلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ أُلْحِقَ بِالْعَدَمِ شَرْعًا.
وَإِنْ كَانَ الرَّاعِفُ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ إِمَامُهُ مِنَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بَعْدُ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّهُ إِنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا بِإِمَامِهِ لَا يَصِحُّ لاِنْعِدَامِ شَرْطِ الاِقْتِدَاءِ، وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ إِلَاّ إِذَا كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ، وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فِي بَيْتِهِ فَسَدَتْ
(1) بدائع الصنائع 1 / 223، والمنتقى 1 / 83، والحطاب 1 / 484.