الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ غَسْلِهِ وَلَا يُجْزِئُ الْفَرْكُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ إِلَاّ بِالْغَسْل فِيمَا لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْل. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُسَنُّ غَسْل الْمَنِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ جَافًّا. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُسَنُّ غَسْلُهُ رَطْبًا وَفَرْكُهُ جَافًّا؛ لِقَوْل عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي الْمَنِيِّ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا، فَيُصَلِّي فِيهِ (1) عِلْمًا بِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِطَهَارَتِهِ (2) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (نَجَاسَة، وَمَنِيّ) .
(1) حديث عائشة رضي الله عنها: " لقد رأيتني أفركه من ثوب. . . . " أخرجه مسلم (1 / 238 - ط الحلبي) .
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 207، 208، القوانين الفقهية 40 ط دار الكتاب العربي، نهاية المحتاج 1 / 244 ط مصطفى البابي الحلبي) ، المبدع في شرح المقنع 1 / 254 ط المكتب الإسلامي.
رُعَافٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الرُّعَافُ لُغَةً: اسْمٌ مِنْ رَعَفَ رَعْفًا، وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنَ الأَْنْفِ، وَقِيل: الرُّعَافُ الدَّمُ نَفْسُهُ، وَأَصْلُهُ السَّبْقُ وَالتَّقَدُّمُ، وَفَرَسٌ رَاعِفٌ أَيْ سَابِقٌ، وَسُمِّيَ الرُّعَافُ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ يَسْبِقُ عِلْمَ الشَّخْصِ الرَّاعِفِ (1) .
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرُّعَافِ:
انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِالرُّعَافِ:
2 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَدَمِ الْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْقَيْءِ، وَالرُّعَافِ، سَوَاءٌ قَل ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ
(1) المصباح المنير مادة (رعف) ، والحطاب 1 / 470، 471
(2)
حاشية الدسوقي 1 / 201، وجواهر الإكليل 1 / 38، وفتح القدير 1 / 35.
عَلَى غَسْل مَحَاجِمِهِ. (1) وَبِهَذَا قَال عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى، وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. قَال الْبَغَوِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ (2) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الرُّعَافَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَاّ إِذَا كَانَ فَاحِشًا كَثِيرًا (3) . أَمَّا كَوْنُ الْكَثِيرِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ عَنْ دَمِ الاِسْتِحَاضَةِ: إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَوَضَّئِي لِكُل صَلَاةٍ. (4)
وَلأَِنَّهُ نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ مِنَ الْبَدَنِ أَشْبَهَتِ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيل. وَأَمَّا كَوْنُ الْقَلِيل لَا يَنْقُضُ فَلِمَفْهُومِ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدَّمِ إِذَا كَانَ فَاحِشًا
(1) حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم " احتجم فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه " أخرجه الدارقطني (1 / 151 - 152 - ط دار المحاسن) ، والبيهقي (1 / 141 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وضعفه.
(2)
المجموع 2 / 54، وموهب الجليل 1 / 471، والمنتقى 1 / 83.
(3)
المراد بالكثير ما فحش في نفس كل أحد بحسبه (كشاف القناع 1 / 124)
(4)
حديث عائشة: " إنما ذلك عرق " أخرجه الترمذي (1 / 217، 218 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن صحيح ".
فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ. قَال أَحْمَدُ: عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَابْنُ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ الدَّمُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى عَصَرَ دُمَّلاً، وَذَكَرَ أَحْمَدُ غَيْرَهُمَا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إِجْمَاعًا (1) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِسَيَلَانِ الدَّمِ عَنْ مَوْضِعِهِ أَنَّ الرُّعَافَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَكَذَا لَوْ نَزَل الدَّمُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى مَا لَانَ مِنَ الأَْنْفِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الأَْرْنَبَةِ نَقَضَ الْوُضُوءَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَال الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْوُضُوءُ مِنْ كُل دَمٍ سَائِلٍ (3)
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلَال أَنَّ مِثْل هَذَا التَّرْكِيبِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْوُجُوبُ (4) .
كَمَا احْتَجُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ
(1) كشاف القناع 1 / 124، والمغني 2 / 184.
(2)
الفتاوى الخانية بهامش الهندية 1 / 36، والمجموع 2 / 54.
(3)
حديث: " الوضوء من كل دم سائل " أخرجه الدارقطني (1 / 157 - ط دار المحاسن) من حديث تميم الداري، وأعله الدارقطني بالانقطاع في سنده، وبجهالة راويين فيه.
(4)
البناية 1 / 200، وفتح القدير والعناية 1 / 35 نشر دار إحياء التراث العربي.
لْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ. (1)
وَنَقَل الْعَيْنِيُّ أَنَّ وَجْهَ الاِسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الأَْمْرِ الإِْبَاحَةُ وَالْجَوَازُ، وَلَا جَوَازَ لِلْبِنَاءِ إِلَاّ بَعْدَ الاِنْتِقَاضِ، فَدَل بِعِبَارَتِهِ عَلَى الْبِنَاءِ وَعَلَى الاِنْتِقَاضِ بِمُقْتَضَاهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَمُطْلَقُ الأَْمْرِ لِلْوُجُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَبَاحَ الاِنْصِرَافَ، وَهُوَ لَا يُبَاحُ بَعْدَ الشُّرُوعِ إِلَاّ بِهِ (2) .
هَذَا وَمَنْ يَرَى أَنَّ الرُّعَافَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَعْتَبِرُ الرُّعَافَ الدَّائِمَ عُذْرًا مِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ الْعِبَادَةَ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ (3) .
3 -
وَشَرْطُ اعْتِبَارِ الرُّعَافِ عُذْرًا ابْتِدَاءً عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ اسْتِمْرَارُهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَامِلاً. بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَصَل لَهُ الرُّعَافُ وَاسْتَمَرَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّل صَلَاةٍ إِلَاّ فِي آخِرِ
(1) حديث: " من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم " أخرجه ابن ماجه (1 / 385 - 389 - ط الحلبي) من حديث عائشة، وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " (1 / 223 - ط دار الجنان) :" هذا إسناد ضعيف ".
(2)
البناية 1 / 202، فتح القدير 1 / 35.
(3)
الاختيار 1 / 29، وكشاف القناع 1 / 217، ومطالب أولي النهى 1 / 263.
وَقْتِهَا؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حُكْمِ دَائِمِ الْحَدَثِ لَهُ، وَاحْتِمَال انْقِطَاعِهِ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ الْحَدَثُ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ دَائِمِ الْحَدَثِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ أَوْ مَا بَعْدَهَا فِي أَوَّل وَقْتِهَا (1) .
كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَى الرَّاعِفِ وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَاّ وَالرُّعَافُ فِيهِ مَوْجُودٌ، حَتَّى لَوِ انْقَطَعَ الرُّعَافُ وَقْتًا كَامِلاً خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ مِنْ وَقْتِ الاِنْقِطَاعِ (2) .
4 -
وَمَنْ بِهِ رُعَافٌ دَائِمٌ يَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُل صَلَاةٍ، وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَوَضَّأُ عِنْدَهُمْ (3) .
وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الرَّاعِفِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يُنْتَقَضُ بِدُخُول الْوَقْتِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَيِّهِمَا كَانَ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يَعْلَى (4) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ رَعَفَ قَبْل الدُّخُول فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ لآِخِرِ الْوَقْتِ الاِخْتِيَارِيِّ إِذَا كَانَ يَرْجُو انْقِطَاعَ الرُّعَافِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَال فِي أَوَّل الْوَقْتِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي
(1) الفتاوى الهندية 1 / 40، ومطالب أولي النهى 1 / 262.
(2)
الفتاوى الهندية 1 / 41، والاختيار 1 / 30.
(3)
الفتاوى الهندية 1 / 41، ومطالب أولي النهى 1 / 264.
(4)
الاختيار 1 / 29، والمغني 1 / 341، وكشاف القناع 1 / 216، ومطالب أولي النهى 1 / 264.