الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَرِيحٌ فِي الرَّجْعَةِ، وَكَذَا إِذَا قَال: رَدَدْتُكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ ".
وَقَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الأَْلْفَاظَ الَّتِي تَصِحُّ بِهَا الرَّجْعَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: اللَّفْظُ الصَّرِيحُ مِثْل رَاجَعْتُكِ وَارْتَجَعْتُكِ إِلَى نِكَاحِي، وَهَذَا الْقِسْمُ تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْكِنَايَةُ: وَهِيَ الأَْلْفَاظُ الَّتِي تَحْتَمِل مَعْنَى الرَّجْعَةِ وَمَعْنًى آخَرَ غَيْرَهَا، كَأَنْ يَقُول: أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ، أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي وَنَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ.
فَأَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ تَحْتَمِل الرَّجْعَةَ وَغَيْرَهَا مِثْل أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ، فَإِنَّهَا تَحْتَمِل كَمَا كُنْتِ زَوْجَةً، وَكَمَا كُنْتِ مَكْرُوهَةً، وَلِذَلِكَ قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَيُسْأَل عَنْهَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الأَْلْفَاظِ مِثْل رَدَدْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ هَل هِيَ مِنَ الصَّرِيحِ أَوِ الْكِنَايَةِ، فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَتَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ " رَدَدْتُكِ " يَحْتَمِل الرَّدَّ إِلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ إِلَى بَيْتِ أَبِيهَا، " وَأَمْسَكْتُكِ " يَحْتَمِل الإِْمْسَاكَ بِالزَّوْجِيَّةِ أَوِ الإِْمْسَاكَ عَنِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا فِي عِدَّتِهَا.
وَذَهَبَ فَرِيقٌ آخَرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَعَهُمْ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ هَذَيْنِ
اللَّفْظَيْنِ مِنْ صَرِيحِ الرَّجْعَةِ فَلَا يَحْتَاجَانِ إِلَى نِيَّةٍ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ دَلَّتْ عَلَيْهَا بِلَفْظَيِ الرَّدِّ وَالإِْمْسَاكِ (1) . قَال تَعَالَى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (2) وَقَال تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (3) .
ثَانِيًا: الرَّجْعَةُ بِالْفِعْل:
13 -
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَمُقَدِّمَاتِهِ تَصِحُّ بِهِمَا الرَّجْعَةُ، جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ " قَال: أَوْ يَطَؤُهَا، أَوْ يَلْمَسُهَا بِشَهْوَةٍ، أَوْ يَنْظُرُ إِلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ، وَهَذَا عِنْدَنَا (4) "، وَقَوْلُهُمْ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالأَْوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّعْبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِ الزَّوْجَةِ سِوَى الْفَرْجِ رَجْعَةً.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الرَّجْعَةَ تُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةً لِلنِّكَاحِ
(1) البناية على الهداية 4 / 592 - 593، وبدائع الصنائع 3 / 181 - 182، والخرشي 4 / 80، ومغني المحتاج 3 / 337، وكشاف القناع 5 / 342.
(2)
سورة البقرة / 228.
(3)
سورة الطلاق / 2.
(4)
الهداية مع حاشية البناية 4 / 593.
وَاسْتِمْرَارًا لِجَمِيعِ آثَارِهِ، وَمِنْ آثَارِ النِّكَاحِ حِل الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، لِذَلِكَ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ بِالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ مَا زَال مَوْجُودًا إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.
كَمَا أَنَّ الأَْفْعَال صَرِيحَهَا وَدَلَالَتَهَا تَدُل عَلَى نِيَّةِ الْفَاعِل، فَإِذَا وَطِئَ الزَّوْجُ مُطَلَّقَتَهُ الرَّجْعِيَّةَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ، أَوْ لَامَسَهَا بِشَهْوَةٍ، اعْتُبِرَ هَذَا الْفِعْل رَجْعَةً بِالدَّلَالَةِ، فَكَأَنَّهُ بِوَطْئِهَا قَدْ رَضِيَ أَنْ تَعُودَ إِلَى عِصْمَتِهِ.
وَقَدْ قَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْقُبْلَةَ وَالنَّظَرَ إِلَى الْفَرْجِ وَاللَّمْسِ بِالشَّهْوَةِ. أَمَّا إِذَا حَصَل لَمْسٌ أَوْ نَظَرٌ إِلَى الْفَرْجِ، أَوْ تَقْبِيلٌ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَلَا تَتَحَقَّقُ الرَّجْعَةُ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الأَْشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ، إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَإِنَّهَا تَحْصُل مِنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ كَالْمُسَاكِنِينَ لَهَا، أَوِ الْمُتَحَدِّثِينَ مَعَهَا، أَوِ الطَّبِيبِ وَالْقَابِلَةِ (الْمُوَلِّدَةِ) أَمَّا وُجُودُ الشَّهْوَةِ مَعَ هَذِهِ الأَْفْعَال فَإِنَّهَا لَا تَحْصُل إِلَاّ مِنَ الزَّوْجِ فَقَطْ.
فَإِذَا صَحَّتِ الرَّجْعَةُ مَعَ هَذِهِ الأَْفْعَال بِغَيْرِ شَهْوَةٍ احْتَاجَ الزَّوْجُ إِلَى طَلَاقِهَا، فَتَطُول عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَتَقَعُ الْمَرْأَةُ فِي حَرَجٍ شَدِيدٍ (1) .
وَإِذَا حَدَثَتْ هَذِهِ الأَْشْيَاءُ مِنَ الْمَرْأَةِ كَأَنْ قَبَّلَتْ زَوْجَهَا، أَوْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ، أَوْ لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ. وَاسْتَدَلَاّ عَلَى
(1) البناية على الهداية 4 / 594، وبدائع الصنائع 3 / 181 - 182، والمبسوط للسرخسي 6 / 21.
ذَلِكَ بِأَنَّ حِل الْمُعَاشَرَةِ الزَّوْجِيَّةِ قَدْ ثَبَتَ لَهُمَا مَعًا، فَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ مِنْهَا إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ بِشَهْوَةٍ، كَمَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهَا، كَأَنْ عَاشَرَتِ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ، كَمَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَيْضًا، لِذَلِكَ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ مِنْ جِهَتِهَا إِذَا لَمَسَتْهُ أَوْ قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ، أَوْ رَأَتْ فَرْجَهُ بِشَهْوَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ مِنْ جِهَتِهَا إِذَا لَمَسَتْهُ أَوْ قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إِلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ حَتَّى إِنَّهُ يُرَاجِعُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ مُرَاجَعَةِ زَوْجِهَا لَا بِالْقَوْل وَلَا بِالْفِعْل، فَسَوَاءٌ نَظَرَتْ إِلَيْهِ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا لَا تَثْبُتُ لَهَا الرَّجْعَةُ (1) .
14 -
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ بِالْفِعْل كَالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ بِهَذِهِ الأَْفْعَال الرَّجْعَةَ، فَإِذَا قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ الْجِمَاعِ بِشَهْوَةٍ، أَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَنْوِ الرَّجْعَةَ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِفِعْل هَذِهِ الأَْشْيَاءِ، جَاءَ فِي الْخَرَشِيِّ مَا نَصُّهُ: أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُل بِفِعْلٍ مُجَرَّدٍ عَنْ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَلَوْ بِأَقْوَى الأَْفْعَال كَوَطْءٍ وَقُبْلَةٍ وَلَمْسٍ، وَالدُّخُول عَلَيْهَا مِنَ الْفِعْل فَإِذَا نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ كَفَى (2) .
(1) المبسوط 6 / 22، وما بعدها، والبناية للعيني 4 / 595 - 596
(2)
الخرشي 4 / 81، والدسوقي 2 / 370.