الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِخِلَافِ مَا إِذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ نَسَاءً فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْهُ لأََضَرَّ بِهِمْ، وَلَامْتَنَعَ السَّلَمُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ فِيمَا هُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تَأْتِي بِهَذَا، وَلَيْسَ بِهِمْ حَاجَةٌ فِي بَيْعِ هَذِهِ الأَْصْنَافِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ إِلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا، فَأُبِيحَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُمْ وَلَيْسَ بِذَرِيعَةٍ إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ، وَمُنِعُوا مِمَّا لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَيُتَذَرَّعُ بِهِ غَالِبًا إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ (1) .
أَقْسَامُ الرِّبَا:
رِبَا الْبَيْعِ (رِبَا الْفَضْل) :
12 -
وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الأَْعْيَانِ الرِّبَوِيَّةِ، وَالَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَفْصِيل أَحْكَامِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ أَنْوَاعِهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (2) إِلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ:
1 -
رِبَا الْفَضْل. . وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ (3) .
2 -
رِبَا النَّسِيئَةِ. . . وَهُوَ: فَضْل الْحُلُول عَلَى
(1) أعلام الموقعين 2 / 157 - 158
(2)
بدائع الصنائع 5 / 183، وجواهر الإكليل 2 / 17، والقوانين الفقهية 254، المغني 4 / 3.
(3)
الدر المختار 4 / 176 - 177
الأَْجَل، وَفَضْل الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ رِبَا الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
1 -
رِبَا الْفَضْل. . وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنِ الآْخَرِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ.
2 -
رِبَا الْيَدِ. . وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ.
3 -
رِبَا النَّسَاءِ. . وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَجَلٍ وَلَوْ قَصِيرًا فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ.
وَزَادَ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ، قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى رِبَا الْفَضْل، وَقَال الرَّمْلِيُّ: إِنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْل، وَعَلَّل الشَّبْرَامَلِّسِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا جُعِل رِبَا الْقَرْضِ مِنْ رِبَا الْفَضْل مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي الْبَيْعَ -؛ لأَِنَّهُ لَمَّا شَرَطَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ بَاعَ مَا أَقْرَضَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ مِنْهُ حُكْمًا.
رِبَا النَّسِيئَةِ:
13 -
وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ نَظِيرَ الأَْجَل أَوِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الرِّبَا رِبَا النَّسِيئَةِ
(1) بدائع الصنائع 5 / 183، ومغني المحتاج 2 / 21، وحاشية القليوبي 2 / 167، ونهاية المحتاج 3 / 409.
مِنْ أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ: أَخَّرْتُهُ - لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ مُقَابِل الأَْجَل أَيًّا كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا (1) .
وَسُمِّيَ رِبَا الْقُرْآنِ؛ لأَِنَّهُ حُرِّمَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً. . .} (2) .
ثُمَّ أَكَّدَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَحْرِيمَهُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى.
ثُمَّ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
وَسُمِّيَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، لأَِنَّ تَعَامُل أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّبَا لَمْ يَكُنْ إِلَاّ بِهِ كَمَا قَال الْجَصَّاصُ.
وَالرِّبَا الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَتَفْعَلُهُ إِنَّمَا كَانَ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إِلَى أَجَلٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مِقْدَارِ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى مَا يَتَرَاضَوْنَ بِهِ (3) .
وَسُمِّيَ أَيْضًا الرِّبَا الْجَلِيَّ، قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْجَلِيُّ: رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْل أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَال، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَهُ فِي الْمَال حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً (4) . .
(1) المصباح المنير 2 / 605، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن 4 / 90 ط - مصطفى البابي الحلبي.
(2)
سورة آل عمران / 130.
(3)
أحكام القرآن 1 / 465، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن 6 / 8 - ط دار المعارف، وتفسير النيسابوري 3 / 79، وتفسير الرازي 7 / 91، وفتح القدير 1 / 265
(4)
أعلام الموقعين 2 / 154
14 -
وَرِبَا الْفَضْل يَكُونُ بِالتَّفَاضُل فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَال الرِّبَا إِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا، أَوْ بَيْعِ صَاعِ قَمْحٍ بِصَاعَيْنِ مِنَ الْقَمْحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيُسَمَّى رِبَا الْفَضْل لِفَضْل أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَإِطْلَاقُ التَّفَاضُل عَلَى الْفَضْل مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْفَضْل فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الآْخَرِ.
وَيُسَمَّى رِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ:
وَيُسَمَّى الرِّبَا الْخَفِيَّ، قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الرِّبَا نَوْعَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ، فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ، لأَِنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجَلِيِّ، فَتَحْرِيمُ الأَْوَّل قَصْدًا، وَتَحْرِيمُ الثَّانِي لأَِنَّهُ وَسِيلَةٌ، فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَأَمَّا رِبَا الْفَضْل فَتَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ (1) وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا، فَمَنَعَهُمْ مِنْ
(1) حديث أبي سعيد: " لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين؛ فإني أخاف. . . . " لم يرد هذا الحديث مرفوعًا من حديث أبي سعيد، وإنما ورد موقوفًا على عمر بن الخطاب بلفظ:" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض. . . " إلى أن قال: " إني أخاف عليكم الرماء "