الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَال: لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَال، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ (1) .
عَلَّقَ الْحَدِيثُ بِدَايَةَ صِيَامِ رَمَضَانَ وَالشُّرُوعِ فِي الإِْفْطَارِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَال، وَأَمَرَ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا فِي حَالَةِ الْغَيْمِ بِالتَّقْدِيرِ، فَقَال صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.
رَأْيُ الْقَائِلِينَ بِالْحِسَابِ:
12 -
تَضَمَّنَ هَذَا الرَّأْيُ الْقَوْل بِتَقْدِيرِ الْهِلَال بِالْحِسَابِ الْفَلَكِيِّ وَنُسِبَ إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ (2) .
وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَنَفَى نِسْبَةَ مَا عُرِفَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ إِلَى الشَّافِعِيِّ لأَِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (3) .
وَنَقَل ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَوْلَهُ: " يُعْتَبَرُ الْهِلَال إِذَا غُمَّ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِل الْقَمَرِ وَطَرِيقِ الْحِسَابِ، قَال: وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْرُوفُ لَهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَامُ
(1) حديث: " لا تصوموا حتى تروا الهلال. . . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 119 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 759 - ط الحلبي) .
(2)
العيني: عمدة القاري 10 / 261.
(3)
فتح الباري 1 / 122.
إِلَاّ بِرُؤْيَةٍ فَاشِيَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ عَادِلَةٍ كَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (1) ".
وَعَنْ مُطَرِّفٍ أَيْضًا أَنَّ الْعَارِفَ بِالْحِسَابِ يَعْمَل بِهِ فِي نَفْسِهِ (2) .
أَمَّا ابْنُ سُرَيْجٍ فَاعْتَبَرَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: فَاقْدُرُوا لَهُ: خِطَابًا لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْحِسَابِ، وَقَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الآْخَرِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ خِطَابًا لِلْعَامَّةِ (3) .
وَبَيَّنَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا قَصَدَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِالْحِسَابِ فَقَال: " مَعْرِفَةُ مَنَازِل الْقَمَرِ هِيَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الأَْهِلَّةِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ فَأَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الآْحَادُ. فَمَعْرِفَةُ مَنَازِل الْقَمَرِ تُدْرَكُ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ يُدْرِكُهُ مَنْ يُرَاقِبُ النُّجُومَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَال بِهِ فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا فِيمَا يَخُصُّهُ (4) ".
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّقْل عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي حُكْمِ صِيَامِ الْعَارِفِ بِالْحِسَابِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْهِلَال عِنْدَهُ، فَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُل بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَال بِجَوَازِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ
(1) المقدمات 1 / 188.
(2)
الحطاب: مواهب الجليل 2 / 388، وقد نسب القول إلى ابن رشد.
(3)
عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي 3 / 207 - 208 (دار العلم للجميع) ، وابن حجر فتح الباري 4 / 122 - 123، والزرقاني شرح الموطأ 2 / 154.
(4)
ابن حجر، فتح الباري 4 / 122.