الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ ثُبُوتُ الاِسْتِحْقَاقِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالإِْقْرَارِ. (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحْقَاق) .
7 - الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الأَْدَاءِ وَوُجُودِ الإِْذْنِ:
20 -
أَدَاءُ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْمَدِينِ فِي الأَْدَاءِ أَوْ فِي الضَّمَانِ مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ، فَمَنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِضَمَانِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ أَذِنَ لَهُ بِأَدَائِهِ فَأَدَّاهُ قَاصِدًا الرُّجُوعَ بِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَدِينِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، مَعَ مُرَاعَاةِ تَوَافُرِ شُرُوطِ صِحَّةِ الضَّمَانِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كُل مَذْهَبٍ، كَكَوْنِ الضَّامِنِ أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ، وَكَكَوْنِ الدَّيْنِ ثَابِتًا عِنْدَ الضَّمَانِ، وَكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ ضَمَانَ الْمَجْهُول، وَكَأَنْ يُضِيفَ الْمَضْمُونُ الضَّمَانَ إِلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُول: اضْمَنْ عَنِّي. كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ وَالاِسْتِثْنَاءَاتِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ ضَمَانِ الدَّيْنِ وَأَدَائِهِ دُونَ إِذْنِ الْمَدِينِ فِي الضَّمَانِ أَوْ فِي الأَْدَاءِ. فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ أَدَّى
(1) ابن عابدين 5 / 118 - 119، والبدائع 7 / 83، 148، والفتاوى الهندية 3 / 165، ومنح الجليل 3 / 515 - 523، والدسوقي 3 / 461، والحطاب 5 / 296، ومغني المحتاج 2 / 276 وما بعدها، وأشباه السيوطي 232، وشرح منتهى الإرادات 2 / 374، 401، والقواعد لابن رجب 119 - 283 وأشباه ابن نجيم 264
دَيْنَ غَيْرِهِ دُونَ إِذْنِهِ فَلَا يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَدَّى؛ لأَِنَّ الْكَفَالَةَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدِينِ تَبَرُّعٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْغَيْرِ فَلَا يَحْتَمِل الرُّجُوعَ. (1)
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِصِحَّةِ الضَّمَانِ وَالأَْدَاءِ دُونَ إِذْنِ الْمَدِينِ، وَهَذَا إِذَا ضَمِنَ أَوْ أَدَّى عَلَى سَبِيل الرِّفْقِ بِالْمَدِينِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَرَضُ إِضْرَارَهُ بِسُوءِ طَلَبِهِ وَحَبْسِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَدِينِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي أَدَّاهُ لَهُ. (2)
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنِ انْتَفَى الإِْذْنُ فِي الأَْدَاءِ وَالضَّمَانِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لأَِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ رُجُوعٌ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَيِّتِ بِضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ. (3)
وَإِنْ أَذِنَ الْمَدِينُ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنِ الأَْدَاءِ رَجَعَ فِي الأَْصَحِّ لأَِنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الأَْدَاءِ، وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ لاِنْتِفَاءِ الإِْذْنِ فِي الأَْدَاءِ.
21 -
وَيُسْتَثْنَى مِنْ أَحَقِّيَّةِ الرُّجُوعِ - إِذَا وُجِدَ
(1) البدائع 6 / 13 - 14، وفتح القدير 4 / 303 - 304 ط دار إحياء التراث.
(2)
الدسوقي مع الشرح الكبير 3 / 334 - 336
(3)
فعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل ليصلي عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صلوا على صاحبكم؛ فإن عليه دَينًا " قال أبو قتادة: هو عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
الإِْذْنُ فِي الضَّمَانِ - مَا إِذَا ثَبَتَ الضَّمَانُ بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ، كَأَنِ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ وَغَائِبٍ أَلْفًا، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَمِنَ مَا عَلَى الآْخَرِ بِإِذْنِهِ، فَأَنْكَرَ زَيْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَغَرَّمَهُ، لَمْ يَرْجِعْ زَيْدٌ عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّصْفِ؛ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا بِالْبَيِّنَةِ، فَهُوَ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَكَذَا لَوْ قَال الضَّامِنُ بِالإِْذْنِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُؤَدِّيَ دَيْنَ فُلَانٍ وَلَا أَرْجِعَ بِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ.
وَإِنْ أَذِنَ الْمَدِينُ فِي الأَْدَاءِ وَانْتَفَى الإِْذْنُ فِي الضَّمَانِ فَضَمِنَ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَأَدَّى بِالإِْذْنِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ وُجُوبَ الأَْدَاءِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: يَرْجِعُ؛ لأَِنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنِ الأَْصِيل بِإِذْنِهِ،
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَدَّى وَشَرَطَ الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ. (1)
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ بَنَوْا ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى النِّيَّةِ. قَالُوا: إِنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ وَلَمْ يَنْوِ رُجُوعًا عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِمَا قَضَاهُ لَمْ يَرْجِعْ؛ لأَِنَّهُ مُتَطَوِّعٌ سَوَاءٌ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا، وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ رَجَعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّمَانُ أَوِ الْقَضَاءُ بِإِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ أَمْ بِدُونِ إِذْنِهِ؛ لأَِنَّهُ قَضَاءٌ مُبَرِّئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَالْحَاكِمِ إِذَا قَضَاهُ عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَضَاءٍ وَلَا ضَمَانٍ، وَأَمَّا
(1) مغني المحتاج 2 / 209
قَضَاءُ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ فَكَانَ تَبَرُّعًا؛ لِقَصْدِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ الْمُتَوَفَّى لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَالْكَلَامُ فِيمَنْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا فِيمَنْ تَبَرَّعَ،
هَكَذَا جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ وَشَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ، لَكِنَّ ابْنَ قُدَامَةَ ذَكَرَ رِوَايَةً فِي أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَقَضَى بِغَيْرِ إِذْنٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ، بِدَلِيل حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا يَسْتَحِقَّانِ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَيِّتِ صَارَ الدَّيْنُ لَهُمَا فَكَانَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِمَا كَاشْتِغَالِهَا بِدَيْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَمْ يُصَل عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأَِنَّهُ تَبَرَّعَ بِذَلِكَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَفَ دَوَابَّهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: إِنْ قَضَى الدَّيْنَ وَلَمْ يَنْوِ رُجُوعًا وَلَا تَبَرُّعًا بَل ذَهِل عَنْ قَصْدِهِ الرُّجُوعَ وَعَدَمَهُ لَمْ يَرْجِعْ كَالْمُتَبَرِّعِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ الرُّجُوعَ. (1)
22 -
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِدَيْنِ الآْدَمِيِّ، أَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنَّ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ غَيْرِهِ دُونَ إِذْنِهِ فَلَا يُجْزِئُ مَا أَدَّاهُ عَنِ الزَّكَاةِ لاِشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَدَّى، إِلَاّ أَنَّ الزَّكَاةَ إِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الإِْمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْل أَصْحَابِنَا فِي الأُْضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا
(1) كشاف القناع 3 / 371 - 372، وشرح منتهى الإرادات 2 / 250، والمغني 4 / 607 - 609