الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّأْبِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ (1) .
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَبَقَتْ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ (2)) .
وَالْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ حَلَالٌ، وَالرِّبَا حَرَامٌ.
ب -
الْعَرَايَا:
3 -
الْعَرِيَّةُ لُغَةً: النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا غَيْرَهُ لِيَأْكُل ثَمَرَتَهَا فَيَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا، أَوْ هِيَ النَّخْلَةُ الَّتِي أُكِل مَا عَلَيْهَا، وَالْجَمْعُ عَرَايَا، وَيُقَال: اسْتَعْرَى النَّاسُ أَيْ: أَكَلُوا الرُّطَبَ (3) .
وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الْعَرَايَا بِأَنَّهُ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْل بِتَمْرٍ فِي الأَْرْضِ، أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ (4) .
وَيَذْهَبُ آخَرُونَ فِي تَعْرِيفِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَحُكْمِهِ مَذَاهِبَ يُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (تَعْرِيَةٌ)(وَبَيْعُ الْعَرَايَا) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ 9 91.
وَبَيْعُ الْعَرَايَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَفِيهِ مَا فِي الْمُزَابَنَةِ مِنَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتِهِ، لَكِنَّهُ أُجِيزَ بِالنَّصِّ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَال: نَهَى رَسُول
(1) حاشية قليوبي 2 / 152.
(2)
الموسوعة الفقهية 9 / 5 وما بعدها
(3)
المصباح المنير والقاموس المحيط.
(4)
شرح المنهاج للمحلي 2 / 238
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا (1)، وَفِي لَفْظٍ: عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَقَال: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إِلَاّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ: النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْل الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا (2) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 -
الرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَلَمْ يُؤْذِنِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَاصِيًا بِالْحَرْبِ سِوَى آكِل الرِّبَا، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ فَقَدْ كَفَرَ - لإِِنْكَارِهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَاّ قُتِل، أَمَّا مَنْ تَعَامَل بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ (3) .
قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ الرِّبَا لَمْ يَحِل فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (4) يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ (5) .
(1) حديث: " نهى عن بيع الثمر بالتمر " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 387 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1170 - ط الحلبي) واللفظ الثاني هو لمسلم.
(2)
نيل الأوطار 5 / 226.
(3)
المبسوط 12 / 109، وكفاية الطالب 2 / 99، والمقدمات لابن رشد ص 501، 502، والمجموع 9 / 390، ونهاية المحتاج 3 / 409، والمغني 3 / 3.
(4)
سورة النساء / 161
(5)
المجموع 9 / 391، ومغني المحتاج 2 / 21.
وَدَلِيل التَّحْرِيمِ مِنَ الْكِتَابِ قَوْل اللَّهِ تبارك وتعالى: {وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1) .
وَقَوْلُهُ عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. . .} (2) .
5 -
قَال السَّرَخْسِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لآِكِل الرِّبَا خَمْسًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ:
إِحْدَاهَا: التَّخَبُّطُ. . قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (3) .
الثَّانِيَةُ: الْمَحْقُ. . قَال تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (4) وَالْمُرَادُ الْهَلَاكُ وَالاِسْتِئْصَال، وَقِيل: ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالاِسْتِمْتَاعِ حَتَّى لَا يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَا وَلَدُهُ بَعْدَهُ.
الثَّالِثَةُ: الْحَرْبُ. . قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (5) .
الرَّابِعَةُ: الْكُفْرُ. . قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (6) وَقَال سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّبَا: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُل كَفَّارٍ
(1) سورة البقرة / 275.
(2)
سورة البقرة / 275
(3)
سورة البقرة / 275
(4)
سورة البقرة / 276
(5)
سورة البقرة / 279
(6)
سورة البقرة / 278.
أَثِيمٍ} (1) أَيْ: كَفَّارٍ بِاسْتِحْلَال الرِّبَا، أَثِيمٍ فَاجِرٍ بِأَكْل الرِّبَا.
الْخَامِسَةُ: الْخُلُودُ فِي النَّارِ (2) . قَال تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (3) .
وَكَذَلِكَ - قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4)، قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} لَيْسَ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِهِ، بَل لِمُرَاعَاةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَادَةِ تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ الرَّجُل يُرْبِي إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَل الأَْجَل قَال لِلْمَدِينِ: زِدْنِي فِي الْمَال حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الأَْجَل، فَيَفْعَل، وَهَكَذَا عِنْدَ مَحَل كُل أَجَلٍ، فَيَسْتَغْرِقُ بِالشَّيْءِ الطَّفِيفِ مَالَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَنَزَلَتِ الآْيَةُ (5) .
6 -
وَدَلِيل التَّحْرِيمِ مِنَ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ
(1) سورة البقرة / 276.
(2)
المبسوط 12 / 109 - 110
(3)
سورة البقرة / 275
(4)
سورة آل عمران / 130
(5)
أحكام القرآن للجصاص 1 / 465، وتفسير أبي السعود 1 / 271، وروح المعاني 4 / 55.
قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْل النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ، وَأَكْل الرِّبَا، وَأَكْل مَال الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ (1) .
وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِل الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَال: هُمْ سَوَاءٌ (2) .
وَأَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَصْل تَحْرِيمِ الرِّبَا (3) .
وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيل مَسَائِلِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَتَفْسِيرِ شَرَائِطِهِ.
7 -
هَذَا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُقْرِضُ أَوْ يَقْتَرِضُ أَوْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي أَنْ يَبْدَأَ بِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ قَبْل أَنْ يُبَاشِرَهَا، حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً وَبَعِيدَةً عَنِ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَاّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَتَرْكُهُ إِثْمٌ وَخَطِيئَةٌ، وَهُوَ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ هَذِهِ الأَْحْكَامَ قَدْ يَقَعُ
(1) حديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 393 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 92 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا. . . . . " أخرجه مسلم (3 / 1219 - ط الحلبي) .
(3)
حاشية الصعيدي على كفاية الطالب 2 / 99، والمجموع 9 / 390، والمغني 3 / 3، والمقدمات لابن رشد 501، 502
فِي الرِّبَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الإِْرْبَاءَ، بَل قَدْ يَخُوضُ فِي الرِّبَا وَهُوَ يَجْهَل أَنَّهُ تَرَدَّى فِي الْحَرَامِ وَسَقَطَ فِي النَّارِ، وَجَهْلُهُ لَا يُعْفِيهِ مِنَ الإِْثْمِ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنَ النَّارِ؛ لأَِنَّ الْجَهْل وَالْقَصْدَ لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الرِّبَا، فَالرِّبَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ - مِنَ الْمُكَلَّفِ - مُوجِبٌ لِلْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ جل جلاله بِهِ الْمُرَابِينَ، يَقُول الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الرِّبَا إِلَاّ عَلَى مَنْ قَصَدَهُ مَا حُرِّمَ إِلَاّ عَلَى الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ أُثِرَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الاِتِّجَارِ قَبْل تَعَلُّمِ مَا يَصُونُ الْمُعَامَلَاتِ التِّجَارِيَّةَ مِنَ التَّخَبُّطِ فِي الرِّبَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عُمَرَ رضي الله عنه: لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إِلَاّ مَنْ فَقِهَ، وَإِلَاّ أَكَل الرِّبَا، وَقَوْل عَلِيٍّ رضي الله عنه: مَنِ اتَّجَرَ قَبْل أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ، أَيْ: وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشِبَ (1) .
وَقَدْ حَرَصَ الشَّارِعُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا؛ لأَِنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَكُل ذَرِيعَةٍ إِلَى الْحَرَامِ هِيَ حَرَامٌ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال: لَمَّا نَزَلَتْ:
(1) تفسير القرطبي 3 / 352، وتفسير ابن كثير 1 / 581 - 582، وتفسير الطبري 6 / 38، ومغني المحتاج 2 / 22 و 6 / 29.