الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِي: مَا يُوقِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ، فَيَعْلَمُونَ أَحْوَال بَعْضِ النَّاسِ بِنَوْعٍ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَإِصَابَةِ الظَّنِّ وَالْحَدْسِ (1) ، وَلَا يُكْتَسَبُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْفِرَاسَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ طِبْقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَحِدَّةِ الْخَاطِرِ وَصَفَاءِ الْفِكْرِ. . . وَتَفْرِيغِ الْقَلْبِ مِنْ حَشْوِ الدُّنْيَا، وَتَطْهِيرِهِ مِنْ أَدْنَاسِ الْمَعَاصِي، وَكُدُورَةِ الأَْخْلَاقِ وَفُضُول الدُّنْيَا (2) .
وَتَتَمَيَّزُ الْقِيَافَةُ عَنِ الْفِرَاسَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَائِفَ يَقُومُ بِجَمْعِ الأَْدِلَّةِ وَيَكْشِفُ عَنْهَا، مَعَ النَّظَرِ فِيهَا وَالْمُوَازَنَةِ بَيْنَهَا بِنَوْعِ خِبْرَةٍ لَا تُتَاحُ إِلَاّ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّمَرُّسِ وَمُدَاوَمَةِ النَّظَرِ وَالدِّرَاسَةِ، أَمَّا التَّفَرُّسُ فَيُخْتَصُّ بِإِعْمَال الذَّكَاءِ الشَّخْصِيِّ وَالْقُدْرَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْخَاصَّةِ لِوَزْنِ الأَْدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ وَتَقْدِيرِهَا.
وَيُلْحِقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْفِرَاسَةَ بِالإِْلْهَامِ وَالْكَرَامَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِالْفِرَاسَةِ عِنْدَهُمْ لِهَذَا.
ج -
الْقَرِينَةُ:
4 -
الْقَرِينَةُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُقَارَنَةِ، وَهِيَ الْمُصَاحَبَةُ، يُقَال: فُلَانٌ قَرِينٌ لِفُلَانٍ أَيْ
(1) لسان العرب مادة (فرس) وتفسير القرطبي 10 / 44.
(2)
تفسير القرطبي 10 / 44.
مُصَاحِبٌ لَهُ.
وَفِي الاِصْطِلَاحِ: الْعَلَامَةُ الدَّالَّةُ عَلَى شَيْءٍ مَطْلُوبٍ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِيَافَةِ وَبَيْنَ الْقَرِينَةِ أَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعٌ مِنَ الْقَرَائِنِ.
نَوْعَا الْقِيَافَةِ:
5 -
يَقْسِمُ صَاحِبُ كَشْفِ الظُّنُونِ الْقِيَافَةَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَوَّلِهِمَا: قِيَافَةُ الأَْثَرِ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْعِيَافَةُ كَذَلِكَ، وَيُعْرَفُ هَذَا النَّوْعُ بِأَنَّهُ: عِلْمٌ بَاحِثٌ عَنْ تَتَبُّعِ آثَارِ الأَْقْدَامِ وَالأَْخْفَافِ وَالْحَوَافِرِ فِي الطُّرُقِ الْقَابِلَةِ لِلأَْثَرِ.
أَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَهُوَ قِيَافَةُ الْبَشَرِ الَّذِي يُعَرِّفُهُ بِأَنَّهُ: عِلْمٌ بَاحِثٌ عَنْ كَيْفِيَّةِ الاِسْتِدْلَال بِهَيْئَاتِ أَعْضَاءِ الشَّخْصَيْنِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَالاِتِّحَادِ فِي النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِمَا (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقِيَافَةِ:
أ -
إِثْبَاتُ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ:
6 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ إِلَى رَأْيَيْنِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
(1) التعريفات ص152.
(2)
كشف الظنون 2 / 1366.
إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ، وَأَجَازُوا الاِعْتِمَادَ عَلَيْهَا فِي إِثْبَاتِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَعَدَمِ الدَّلِيل الأَْقْوَى مِنْهَا، أَوْ عِنْدَ تَعَارُضِ الأَْدِلَّةِ الأَْقْوَى مِنْهَا.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَل عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَال: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا (1) نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَال: إِنَّ هَذِهِ الأَْقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (2) ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْدَحُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لأَِنَّهُ " كَانَ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ مِثْل الْقَارِ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ مِثْل الْقُطْنِ (3) ".
وَالْحُجَّةُ فِيهِ: أَنَّ سُرُورَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْل الْقَائِفِ إِقْرَارٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِجَوَازِ الْعَمَل بِهِ فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ (4) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ الأَْنْصَارِيَّةَ رضي الله عنها، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَتْ:
(1) سمي كذلك لوقوعه أسيرًا في الجاهلية، وكان الأسير تجزز ناصيته حينئذ ويطلق (فتح الباري 12 / 57) .
(2)
حديث: " ألم تري أن مجززًا نظر آنفًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 56) ، ومسلم (2 / 1082) من حديث عائشة، واللفظ للبخاري.
(3)
حديث: " كان أسود شديد السواد. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 700) من قول أحمد بن صالح.
(4)
نيل الأوطار 7 / 81، وسبل السلام 4 / 137.
يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَل عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَال: تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا (1) .
وَالاِسْتِدْلَال بِهِ: أَنَّ إِخْبَارَهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ (أَيِ الشَّبَهَ) مَنَاطٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَاّ لَمَا كَانَ لِلإِْخْبَارِ فَائِدَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا (2) .
وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يَلِيطُ - أَيْ: يُلْحِقُ - أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الإِْسْلَامِ فِي حُضُورِ الصَّحَابَةِ دُونَ إِنْكَارٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ يَدْعُو الْقَافَةَ وَيَعْمَل بِقَوْلِهِمْ، فَدَل هَذَا عَلَى جَوَازِ الْعَمَل بِهِ (3) .
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ أُصُول الشَّرْعِ وَقَوَاعِدَهُ وَالْقِيَاسَ الصَّحِيحَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الشَّبَهِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ، وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ إِلَى اتِّصَال الأَْنْسَابِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِهَا، وَلِهَذَا اكْتَفَى فِي ثُبُوتِهَا بِأَدْنَى الأَْسْبَابِ مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ مَعَ الإِْمْكَانِ وَظَاهِرِ الْفِرَاشِ، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ الشَّبَهُ
(1) حديث أم سليم قالت: " يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 228 - 229) ، ومسلم (1 / 251) .
(2)
نيل الأوطار 7 / 82.
(3)
الموطأ 2 / 215.
الْخَالِي عَنْ سَبَبٍ مُقَاوِمٍ لَهُ كَافِيًا فِي ثُبُوتِهِ (1)
7 -
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ الْقِيَافَةَ يَثْبُتُ بِهَا نَسَبُ الْوَلَدِ مِنَ الزَّوْجَةِ أَوِ الأَْمَةِ (2) .
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَرَافِيُّ وَالْمَوَّاقُ أَنَّ الْقَافَةَ إِنَّمَا يُقْضَى بِهَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَقَطْ لَا فِي النِّكَاحِ (3)، يَقُول الْقَرَافِيُّ: وَإِنَّمَا يُجِيزُهُ مَالِكٌ فِي وَلَدِ الأَْمَةِ يَطَؤُهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ قَبُولِهِ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ (4) .
كَمَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً وَطْئًا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي زَوَاجٍ فَاسِدٍ وَكَالأَْمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَإِنَّهَا إِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَاحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً وَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الزَّوَاجِ وَقَبْل انْتِهَاءِ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل، كَانَ الْقَائِفُ هُوَ الَّذِي يُلْحِقُهُ بِأَيٍّ مِنْ
(1) الطرق الحكمية ص222، والفروق 4 / 99، ومغني المحتاج 4 / 489، والمبدع 8 / 136.
(2)
نهاية المحتاج 8 / 375، ومغني المحتاج 4 / 489، والمغني لابن قدامة 7 / 483، ومنتهى الإرادات 3 / 224، والمبدع 8 / 136، والفروق 4 / 99، ومواهب الجليل 5 / 247، وبداية المجتهد 2 / 328.
(3)
بداية المجتهد 2 / 328، وذكر صاحب التبصرة (2 / 109) تعليل هذه الرواية بوقوع التساوي في ملك الأمة.
(4)
الفروق 4 / 99، وتهذيب الفروق 4 / 164، ومواهب الجليل 5 / 247.
الرَّجُلَيْنِ (1) .
كَمَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَازَعَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ بُنُوَّةَ أَحَدٍ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ قَوْل أَيٍّ مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ، فَلَوِ ادَّعَيَا جَمِيعًا صَبِيًّا وَاحِدًا. . . يَقُول كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا ابْنِي. . . الْوَاجِبُ فِي هَذَا عِنْدِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ تُدْعَى لَهُ الْقَافَةُ أَيْضًا (2) ، وَمِنْ جِنْسِهِ مَا أَوْرَدَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ نَزَل عَلَى رَجُلٍ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ حَامِلٌ، فَوَلَدَتْ هِيَ وَوَلَدَتِ امْرَأَةُ الضَّيْفِ فِي لَيْلَةٍ صَبِيَّيْنِ فَلَمْ تَعْرِفْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَهَا، دَعِي لَهُمَا الْقَافَةُ (3) ، وَكَذَا لَوْ وُضِعَ وَلِيدُهَا فِي مَكَانٍ فَاخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ، إِلَاّ إِذَا كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً فِي تَرْكِهَا لَهُ، كَأَنْ قَصَدَتْ نَبْذَهُ وَالْخَلَاصَ مِنْهُ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَلَا يُدْعَى لَهَا الْقَافَةُ.
وَيُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِالْقَافَةِ فِي اللَّقِيطِ إِذَا تَنَازَعَ بُنُوَّتَهُ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ (4) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْل الْقَافَةِ، لَا لأَِنَّ الْقِيَافَةَ كَالْكَهَانَةِ فِي الذَّمِّ وَالْحُرْمَةِ، أَوْ أَنَّ الشَّبَهَ لَا يَثْبُتُ بِهَا، وَإِنَّمَا؛ لأَِنَّ
(1) المغني 7 / 483، ومنتهى الإرادات 3 / 224، والمبدع 8 / 136.
(2)
مواهب الجليل 5 / 247.
(3)
مواهب الجليل 5 / 247، والتاج والإكليل للمواق بالموضع نفسه.
(4)
بداية المجتهد 3 / 327.
الشَّرْعَ حَصَرَ دَلِيل النَّسَبِ فِي الْفِرَاشِ، وَغَايَةُ الْقِيَافَةِ إِثْبَاتُ الْمَخْلُوقِيَّةِ مِنَ الْمَاءِ لَا إِثْبَاتُ الْفِرَاشِ، فَلَا تَكُونُ حُجَّةً لإِِثْبَاتِ النَّسَبِ. وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل شَرَعَ حُكْمَ اللِّعَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ نَفْيِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالرُّجُوعِ إِلَى قَوْل الْقَائِفِ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً لأََمَرَ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ عِنْدَ الاِشْتِبَاهِ (1) .
؛ وَلأَِنَّ مُجَرَّدَ الشَّبَهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَقَدْ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أَبَاهُ الأَْدْنَى، وَقَدْ يُشْبِهُ الأَْبَ الأَْعْلَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إِلَى الأَْجَانِبِ فِي الْحَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَال: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَل لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَال: حُمْرٌ، قَال: فَهَل فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَال: نَعَمْ، قَال صلى الله عليه وسلم: فَأَنَّى هُوَ؟ فَقَال: لَعَلَّهُ يَا رَسُول اللَّهِ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ (2) ، فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلشَّبَهِ (3)، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (4) . أَيِ الْوَلَدُ لِصَاحِبِ
(1) المبسوط 17 / 70.
(2)
حديث: " إن امرأتي ولدت غلامًا أسود. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 442) ، ومسلم (2 / 1137 - 1138) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(3)
المبسوط 17 / 70.
(4)
حديث: " الولد للفراش وللعاهر الحجر ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 292) ، ومسلم (2 / 1080) من حديث عائشة.
الْفِرَاشِ. . . وَالْمُرَادُ مِنَ الْفِرَاشِ هُوَ الْمَرْأَةُ.
وَفِي التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} أَنَّهَا نِسَاءُ أَهْل الْجَنَّةِ.
وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:
أَحَدِهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْقِسْمَةِ، فَجَعَل الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَالْحَجَرَ لِلزَّانِي، فَاقْتَضَى أَلَاّ يَكُونَ الْوَلَدُ لِمَنْ لَا فِرَاشَ لَهُ، كَمَا لَا يَكُونُ الْحَجَرُ لِمَنْ لَا زِنَا مِنْهُ، إِذِ الْقِسْمَةُ تَنْفِي الشَّرِكَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَعَل الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَنَفَاهُ عَنِ الزَّانِي بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ؛ لأَِنَّ مِثْل هَذَا الْكَلَامِ يُسْتَعْمَل فِي النَّفْيِ.
وَالثَّالِثِ: أَنَّهُ جَعَل كُل جِنْسِ الْوَلَدِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، فَلَوْ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدٍ لِمَنْ لَيْسَ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ لَمْ يَكُنْ كُل جِنْسِ الْوَلَدِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، فَعَلَى هَذَا إِذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لاِنْعِدَامِ الْفِرَاشِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ فِي جَانِبِهَا يَتْبَعُ الْوِلَادَةَ (1) .
وَمُفَادُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ لِلرَّجُل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ أَوْ مِلْكُ
(1) بدائع الصنائع 6 / 242.