الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلَائِمٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ هَبَّتِ الرِّيحُ أَوْ إِنْ نَزَل الْمَطَرُ أَوْ إِنْ دَخَلَتُ الدَّارَ فَأَنَا كَفِيلٌ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ (1) ؛ لأَِنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ إِذَا مَا عُلِّقَتْ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ، وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ (2) .
وَيَبْدُو مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ فُرُوعٍ: أَنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً إِذَا عُلِّقَتْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُلَائِمَةِ، وَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً إِذَا عُلِّقَتْ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ (3) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ عَدَمُ جَوَازِ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لأَِنَّ كُلًّا مِنَ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ عَقْدٌ كَالْبَيْعِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ: جَوَازُ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ؛ لأَِنَّ الْقَبُول لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا، فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلَاقِ، وَالْقَوْل الثَّالِثُ: يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لأَِنَّ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ (4) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ (5) : تَذْهَبُ أُولَاهُمَا
(1) الفتاوى الهندية 3 / 271، وفتح القدير 6 / 291.
(2)
ابن عابدين 5 / 307.
(3)
الدسوقي والدردير 3 / 338.
(4)
نهاية المحتاج 4 / 441، والشرقاوي على التحرير 2 / 119، وقليوبي وعميرة 2 / 330، ومغني المحتاج 2 / 207.
(5)
كشاف القناع 3 / 364، 365، والمغني والشرح الكبير 5 / 100 - 102، والإنصاف 5 / 213.
إِلَى بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لأَِنَّ فِي التَّعْلِيقِ خَطَرًا فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَالْكَفَالَةُ تُثْبِتُ حَقًّا لآِدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ ثُبُوتِهِ عَلَى شَرْطٍ.
وَتَذْهَبُ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى إِلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا، لأَِنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرْطٍ صَحِيحٍ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ (1)، وَقَدْ مَال إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لأَِنَّهُ أَضَافَ الضَّمَانَ إِلَى سَبَبِ الْوُجُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ كَضَمَانِ الدَّرَكِ (2) .
ج -
الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ:
12 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَال إِلَى أَجَلٍ مُسْتَقْبَلٍ كَأَنْ يَقُول الْكَفِيل: أَنَا ضَامِنٌ لَكَ هَذَا الْمَال أَوْ هَذَا الدَّيْنَ ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ الْقَادِمِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلاً إِلَاّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُعَدُّ كَفِيلاً وَلَا يُطَالَبُ بِالْمَال، وَإِذَا تُوُفِّيَ قَبْل الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لَا يُؤْخَذُ الدَّيْنُ مِنْ تَرِكَتِهِ.
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ (3) بَيْنَ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ وَتَأْجِيل الدَّيْنِ الْمَكْفُول بِهِ، فَالْكَفَالَةُ
(1) كشاف القناع 3 / 365.
(2)
المغني والشرح الكبير 5 / 101.
(3)
ابن عابدين 5 / 306 وما بعدها، وبدائع الصنائع 6 / 3، وفتح القدير 6 / 291، وما بعدها، والفتاوى الهندية 3 / 278، والمبسوط 19 / 172 وما بعدها.
الْمُضَافَةُ هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِدَيْنٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ عِنْدَ إِنْشَائِهَا، وَلَكِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِهِ بِسَبَبِ إِضَافَتِهَا إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال الْكَفِيل لِلدَّائِنِ: أَنَا كَفِيلٌ بِمَا سَتُقْرِضُهُ لِفُلَانٍ مِنَ الْمَال، أَوْ بِسَبَبِ تَعْلِيقِهَا بِهِ، كَمَا لَوْ قَال: إِنْ أَقْرَضْتُ فُلَانًا مَبْلَغَ كَذَا فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَفَالَةِ لَا يَنْعَقِدُ إِلَاّ بَعْدَ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ بِهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ إِلَاّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُول مَوْجُودًا عِنْدَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ، فَقَدْ يَكُونُ حَالًّا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَجَّلاً، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُول حَالًّا، وَأُضِيفَتْ كَفَالَتُهُ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَأَنْ يَقُول الْكَفِيل لِلدَّائِنِ: كَفَلْتُ لَكَ دَيْنَكَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ الآْتِي، فَلَا يَكُونُ لِلْكَفَالَةِ أَثَرٌ إِلَاّ مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ الآْتِي، وَيَتَأَجَّل الدَّيْنُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَفِيل وَحْدَهُ بِسَبَبِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينِ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَصْفُ الدَّيْنِ بَل يَظَل حَالًّا؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْجِيل الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيل بِسَبَبِ كَفَالَتِهِ الْمُضَافَةِ تَأْجِيلُهُ عَلَى الْمَدِينِ الأَْصِيل، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنْعَقِدَةً فِي الْحَال، وَلَكِنَّ آثَارَهَا لَا تَظْهَرُ إِلَاّ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُول مُؤَجَّلاً عِنْدَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ، وَكَانَتِ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَال الْكَفِيل: كَفَلْتُ لَكَ دَيْنَكَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ،
فَإِنَّ مُطَالَبَةَ الْكَفِيل تُرْجَأُ إِلَى وَقْتِ حُلُول الدَّيْنِ عَلَى الأَْصِيل؛ لأَِنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ بِدَيْنٍ تَلْزَمُ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنَ الْحُلُول أَوِ التَّأْجِيل، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنْعَقِدَةً فِي الْحَال، وَلَكِنَّ آثَارَهَا لَا تَظْهَرُ إِلَاّ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل.
وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ يُجِيزُ إِضَافَةَ الْكَفَالَةِ بِالْمَال إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل، وَيُرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ. أَوْ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا إِلَى الأَْجَل الَّذِي ذُكِرَ، وَذَلِكَ كَإِضَافَتِهَا إِلَى الْحَصَادِ أَوْ إِلَى الْمِهْرَجَانِ أَوْ إِلَى النَّيْرُوزِ، أَمَّا إِضَافَةُ الْكَفَالَةِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً - كَنُزُول الْمَطَرِ - فَلَا تَصِحُّ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الآْجَال الْمُتَعَارَفَةِ أَوِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَإِذَا بَطَل الأَْجَل لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ فِيهِ وَعَدَمِ تَعَارُفِهِ، صَحَّتِ الْكَفَالَةُ، وَكَانَتْ مُنَجَّزَةً (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعْلُومٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيل إِلَاّ إِذَا حَل الأَْجَل، وَكَذَلِكَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ، كَخُرُوجِ الْعَطَاءِ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلاً بِقَدْرِ مَا يَرَى، وَعِنْدَئِذٍ لَا
(1) نفس المراجع السابقة.