الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَضَاءِ الْفُلَانِيِّ فِي وَقْتِ كَذَا فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. كَمَا ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ، كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ لأَِنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يَلِيقُ بِهَا الاِسْتِيثَاقُ، سَوَاءٌ طَابَتْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ بِالْكَفَالَةِ أَوْ لَمْ تَطِبْ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْل إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا، أَمَّا الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ فِيهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، أَوْ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ، إِنْ طَابَتْ بِهَا نَفْسُ الْمَطْلُوبِ؛ لأَِنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ؛ لأَِنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ، فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيل، فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ.
وَإِنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيل بِلَا جَبْرٍ - فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ - فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِعْطَاءِ كَفِيلٍ بِنَفْسِهِ يَحْضُرُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لإِِثْبَاتِ ادِّعَاءِ خَصْمِهِ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْبَدَنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، لِوُجُودِ حَقِّ الْعَبْدِ، فَيَلِيقُ الاِسْتِيثَاقُ (1) .
وَيُمَيِّزُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْ كَفَالَةِ الْوَجْهِ:
(1) ابن عابدين 5 / 297 - 298، وبدائع الصنائع 6 / 8، وفتح القدير 6 / 285 - 286.
ضَمَانُ الْوَجْهِ:
31 -
وَهُوَ الْتِزَامُ الإِْتْيَانِ بِذَاتِ الْمَضْمُونِ وَإِحْضَارِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَاّ إِذَا كَانَ الْمَضْمُونُ مَدِينًا؛ لأَِنَّ مُقْتَضَى الضَّمَانِ إِحْضَارُهُ إِلَى الطَّالِبِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْوَجْهِ فِيمَنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ (1) ، وَلِلزَّوْجِ رَدُّ ضَمَانِ الْوَجْهِ إِذَا صَدَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ضَمَانُهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَضْمُونِ يَبْلُغُ ثُلُثَ مَالِهَا أَوْ أَقَل أَوْ أَكْثَرَ؛ لأَِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِهَا لِطَلَبِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَرَّةٌ عَلَيْهِ (2) .
الضَّمَانُ بِالطَّلَبِ:
32 -
وَهُوَ الْتِزَامُ طَلَبِ الْغَرِيمِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ إِنْ تَغَيَّبَ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ دُونَ الاِلْتِزَامِ بِإِحْضَارِهِ، وَقِيل: يَلْتَزِمُ بِإِحْضَارِهِ، وَلِذَا صَحَّ ضَمَانُ الطَّلَبِ فِيمَنْ كَانَ مَطْلُوبًا بِسَبَبِ حَقٍّ مَالِيٍّ، أَوْ بِسَبَبِ قِصَاصٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ حُدُودٍ وَتَعْزِيرَاتٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِآدَمِيٍّ، كَأَنْ يَقُول الْكَفِيل: أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوْ لَا أَضْمَنُ إِلَاّ الطَّلَبَ، أَوْ لَا أَضْمَنُ إِلَاّ وَجْهَهُ، أَوْ أَضْمَنُ وَجْهَهُ بِشَرْطِ عَدَمِ غُرْمِ الْمَال إِنْ لَمْ
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 344 والمواق 5 / 105 وما بعدها.
(2)
الدسوقي والدردير 3 / 344.
أَجِدْهُ (1) .
وَحَاصِل كَفَالَةِ الْبَدَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَال الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ: الْتِزَامُ إِحْضَارِ الْمَكْفُول بِبَدَنِهِ، فَكُل مَنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ الاِسْتِعْدَاءِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارُهُ، تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِهِ، فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ لآِدَمِيٍّ كَمَدِينٍ وَأَجِيرٍ وَكَفِيلٍ، وَبِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ آدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ - عَلَى الأَْظْهَرِ - وَقِيل: لَا تَصِحُّ قَطْعًا، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالْخَمْرِ - عَلَى الْمَذْهَبِ - وَقِيل: قَوْلَانِ.
فَإِنْ كَفَل بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطَ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْكَفِيل، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ.
وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارَهُمَا لإِِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الإِْتْلَافِ وَغَيْرِهِ، وَبِبَدَنِ مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيل الْغَرَضِ فِي الْحَال، وَبِبَدَنِ مَيِّتٍ قَبْل دَفْنِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ بِإِذْنِ الْوَارِثِ.
وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُل دَيْنٍ، لَوِ ادُّعِيَ بِهِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ حَاكِمٍ لَزِمَهُ الْحُضُورُ لَهُ تَصِحُّ
(1) الدسوقي والدردير 3 / 346، والمواق 5 / 105 وما بعدها.
الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الاِلْتِزَامِ بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ إِلَى رَبِّهِ، سَوَاءٌ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلِذَا صَحَّتِ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَازِمٌ، مَعْلُومًا كَانَ الدَّيْنُ - لِلْكَفِيل - أَوْ مَجْهُولاً، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُول مَحْبُوسًا عِنْدَ الْحَاكِمِ، إِذِ الْمَحْبُوسُ عِنْدَهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ.
وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ، - كَحَدِّ الزِّنَا، أَوْ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لآِدَمِيٍّ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ (2) ؛ وَلأَِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الإِْسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الاِسْتِيثَاقُ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ، وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَبِبَدَنِ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ.
وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ - عِنْدَهُمْ - مَعَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمَال إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْمَكْفُول، وَتَصِحُّ
(1) روضة الطالبين 4 / 253، والشرقاوي على التحرير 2 / 119، والقليوبي وعميرة 2 / 327 - 328، ونهاية المحتاج 4 / 431 وما بعدها، وتحفة المحتاج وحواشيها 5 / 258 - 261.
(2)
حديث: " لا كفالة في حد " أخرجه البيهقي (6 / 77) ، وضعف إسناده.