الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسَافَةً مَعْلُومَةً أُخْرَى، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الإِْجَارَةُ بِهَذَا الاِسْمِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْقُبُ صَاحِبَهُ وَيَرْكَبُ مَوْضِعَهُ (1) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 -
قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْعَقِبِ وَلَهُ صُورَتَانِ:
الأُْولَى: أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّتَهُ لِرَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا وَذَا أَيَّامًا مَعْلُومَةً بِالتَّنَاوُبِ، أَوْ لِيَرْكَبَ أَحَدُهُمَا مَسَافَةً مَعْلُومَةً كَنِصْفِ الطَّرِيقِ أَوْ رُبُعِهِ مَثَلاً وَيَرْكَبَ الآْخَرُ مَسَافَةً مَعْلُومَةً أُخْرَى مَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ بِزَمَانٍ أَوْ مَسَافَةٍ اتُّبِعَتْ.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا شَخْصًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ مَضْبُوطًا - كَمَا سَبَقَ - بِزَمَانٍ أَوْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَتَيْنِ وَيَرْكَبَ الْمُؤَجِّرُ الْبَعْضَ الآْخَرَ تَنَاوُبًا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْبُدَاءَةِ بِالْمُؤَجِّرِ - كَمَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيَّةِ - سَوَاءٌ أَشَرَطَاهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ أَطْلَقَا أَوْ قَالَا لِيَرْكَبْ أَحَدُنَا، وَسَوَاءٌ وَرَدَتِ الإِْجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ، لِثُبُوتِ الاِسْتِحْقَاقِ حَالاً، وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ (2) .
أَمَّا إِذَا اشْتَرَطَا - فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ - أَنْ
(1) جواهر الإكليل 2 / 194، ومغني المحتاج 2 / 339، والمغني لابن قدامة 5 / 519.
(2)
فتح القدير 2 / 127، جواهر الإكليل 2 / 194، مغني المحتاج 2 / 339، المغني لابن قدامة 5 / 519.
يَرْكَبَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوَّلاً فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِتَأْخِيرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الإِْجَارَةِ بِالْمُسْتَقْبَل.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَا دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ الطَّرِيقِ وَيَرْكَبَ الثَّانِي الْبَعْضَ الآْخَرَ دُونَ تَحْدِيدِ هَذَا الْبَعْضِ فَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ بِزَمَانٍ مِثْل أَنْ يَرْكَبَ هَذَا لَيْلاً وَيَمْشِيَ نَهَارًا، أَوْ يَرْكَبَ الآْخَرُ نَهَارًا وَيَمْشِيَ لَيْلاً، أَوْ بِمَسَافَةٍ مِثْل أَنْ يَرْكَبَ أَحَدُهُمَا بِفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ وَيَرْكَبَ الآْخَرُ بِفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ أُخْرَى اتُّبِعَتْ هَذِهِ الْعَادَةُ فَيَقْتَسِمَانِ الرُّكُوبَ بِالتَّرَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ أَوِ الْمُبَيَّنِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الاِبْتِدَاءِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
وَالزَّمَانُ الْمَحْسُوبُ فِي الْمُنَاوَبَةِ زَمَنُ السَّيْرِ دُونَ زَمَنِ النُّزُول حَتَّى لَوْ نَزَل أَحَدُهُمَا لِلاِسْتِرَاحَةِ أَوْ لِعَلَفِ الدَّابَّةِ لَمْ يُحْسَبْ زَمَنُ النُّزُول؛ لأَِنَّ نَفْسَ الزَّمَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ (1) .
وَلَوِ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ دَابَّةً لَا تَحْمِلُهُمَا مَعًا حُمِل الاِسْتِئْجَارُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَقْتَسِمَانِ بِالزَّمَانِ أَوِ الْمَسَافَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ كَانَتْ تَحْمِلُهُمَا مَعًا رَكِبَاهَا جَمِيعًا.
وَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ مُتَوَالِيًا صَحَّ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ
(1) مغني المحتاج 2 / 339، المغني لابن قدامة 5 / 519.
نِصْفَ الدَّابَّةِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا صَحَّتِ الإِْجَارَةُ مُشَاعَةً كَبَيْعِ الْمُشَاعِ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ بِالزَّمَانِ أَوِ الْمَسَافَةِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ.
وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ يَوْمًا وَيَمْشِيَ يَوْمًا جَازَ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَمْشِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ مَا زَادَ وَنَقَصَ جَازَ كَذَلِكَ.
فَإِنِ اخْتَلَفَا لَمْ يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا؛ لأَِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، الْمَاشِي لِدَوَامِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، عَلَى الدَّابَّةِ لِدَوَامِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا رَكِبَ بَعْدَ شِدَّةِ تَعَبِهِ كَانَ أَثْقَل عَلَى الدَّابَّةِ.
وَإِنْ اكْتَرَى اثْنَانِ جَمَلاً يَرْكَبَانِهِ عُقْبَةً وَعُقْبَةً جَازَ وَيَكُونُ كِرَاؤُهُمَا طُول الطَّرِيقِ وَالاِسْتِيفَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَشَاحَّا قُسِمَ بَيْنَهُمَا لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَاسِخُ مَعْلُومَةٌ أَوْ لأَِحَدِهِمَا اللَّيْل وَلِلآْخَرِ النَّهَارُ، وَإِنْ كَانَ بِذَلِكَ عُرْفٌ رُجِعَ إِلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْبَادِئِ مِنْهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَحْتَمِل أَنْ لَا يَصِحَّ كِرَاؤُهُمَا إِلَاّ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى رُكُوبٍ مَعْلُومٍ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَجْهُولٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوِ اشْتَرَيَا عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا مُعَيَّنًا
مِنْهُمَا (1) .
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا الْمَنْعُ، أَيْ مَنْعُ كِرَاءِ الْعَقِبِ بِصُورَتَيْهِ؛ لأَِنَّهَا إِجَارَةُ أَزْمَانٍ مُنْقَطِعَةٍ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ كِرَاءُ الْعَقِبِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي تُؤَجَّرُ الدَّابَّةُ فِيهَا لِرَجُلَيْنِ؛ لاِتِّصَال زَمَنِ الإِْجَارَةِ فِيهَا دُونَ الصُّورَةِ الأُْخْرَى وَهِيَ الَّتِي يَتَعَاقَبُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ.
وَالثَّالِثُ: تَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ إِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ.
قَال الإِْمَامُ الْمُزَنِيُّ: لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الْعُقْبَةِ إِلَاّ مَضْمُونًا، لأَِنَّهُ يَتَأَخَّرُ حَقُّ أَحَدِهِمَا عَنِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَكْرَاهُ ظَهْرًا فِي مُدَّةٍ تَتَأَخَّرُ عَنِ الْعَقْدِ.
وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ إِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً (2) .
وَهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَجَاءَ فِي نُصُوصِ الْحَنَفِيَّةِ مَا يُفِيدُ جَوَازَ كِرَاءِ الْعَقِبِ، فَفِي بَابِ الْحَجِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الرَّاحِلَةِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً أَيْ مَا يُتَعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا بِفَرْسَخٍ أَوْ مَنْزِلاً بِمَنْزِلٍ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ
(1) مغني المحتاج 2 / 339، المغني لابن قدامة 5 / 519.
(2)
مغني المحتاج 2 / 339.