الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال: إِذَا خَافَ أَنْ تُسْرَقَ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا أَنْ تُتَّخَذَ وِسَادَةً فَلَا (1) .
كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْكُتُبِ فَوْقَ بَعْضِهَا:
19 -
ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِ الْكُتُبِ مِنْ حَيْثُ الأَْوْلَوِيَّةُ عِنْدَ وَضْعِهَا فَوْقَ بَعْضِهَا. فَقَالُوا: تُوضَعُ كُتُبُ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ أَوَّلاً، ثُمَّ كُتُبُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا كَكُتُبِ ابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ شَاهِينَ لأَِفْضَلِيَّتِهِ، لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا لِمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الرُّؤْيَا، ثُمَّ كُتُبُ الْكَلَامِ، ثُمَّ كُتُبُ الْفِقْهِ؛ لأَِنَّ مُعْظَمَ أَدِلَّتِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ، بِخِلَافِ عِلْمِ الْكَلَامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالسَّمْعِيَّاتِ مِنْهُ فَقَطْ، ثُمَّ كُتُبُ الأَْخْبَارِ وَالْمَوَاعِظِ، ثُمَّ التَّفْسِيرُ، ثُمَّ الْمُصْحَفُ فَوْقَ الْجَمِيعِ (2) .
النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْل الْكِتَابِ وَمَا يُشْبِهُهَا:
20 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْل الْكِتَابِ، نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ قَوْل عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلْسِيِّ: نُهِينَا عَنِ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل، سَوَاءٌ نَقَلَهَا إِلَيْنَا الْكُفَّارُ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.
وَسُئِل أَحْمَدُ عَنْ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل وَالزَّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَغَضِبَ، وَظَاهِرُهُ الإِْنْكَارُ
(1) كشاف القناع 1 / 136، والآداب الشرعية 2 / 296 - 297.
(2)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 1 / 119.
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي (1)، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى فِي يَدِ عُمَرَ قِطْعَةً مِنَ التَّوْرَاةِ غَضِبَ وَقَال: أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً (2) .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ نَصَّ الْحَدِيثِ قَال (3) : نَسَخَ عُمَرُ كِتَابًا مِنَ التَّوْرَاةِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَل يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَغَيَّرُ، فَقَال لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَْنْصَارِ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرَى وَجْهَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسْأَلُوا أَهْل الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَل لَهُ إِلَاّ أَنْ يَتْبَعَنِي (4) .
وَقَدْ أَهْدَى رَجُلٌ إِلَى السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا هَدِيَّةً فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِي هَدِيَّتِهِ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَتَتَبَّعُ الْكُتُبَ الأُْوَل، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُول: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 118، والآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 106، 107، وكشاف القناع 1 / 434.
(2)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عمر قطعة من التوراة ". عزاه ابن حجر في الفتح (13 / 525) إلى أبي يعلى من حديث خالد بن عرفطة وقال: في سنده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف.
(3)
فتح الباري 13 / 525.
(4)
حديث جابر: نسخ عمر كتابًا من التوراة. أخرجه أحمد (3 / 338) والبزار (1 / 79 - كشف الأستار) واللفظ للبزار، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 174) وقال: فيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد، ويحيى بن سعيد وغيرهما وذكر طرقًا أخرى له وقال: مجموعها يقتضي أن لها أصلاً.
الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (1) .
وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنِ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الزَّرْكَشِيِّ أَنَّهُ قَال: اغْتَرَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَرَأَى جَوَازَ مُطَالَعَةِ التَّوْرَاةِ؛ لأَِنَّ التَّحْرِيفَ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا، وَالاِشْتِغَال بِنَظَرِهَا وَكِتَابَتِهَا لَا يَجُوزُ بِالإِْجْمَاعِ، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنَ التَّوْرَاةِ (2) . . إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مَا غَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ رِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةً لِلْحَدِيثِ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ قَال: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، ثُمَّ قَال: وَالأَْوْلَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَيَصِيرُ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الإِْيمَانِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّاسِخِ فَيَجُوزُ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الاِحْتِيَاجِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ نَقْل الأَْئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنَ التَّوْرَاةِ، وَإِلْزَامُهُمُ الْيَهُودَ بِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ، وَلَوْلَا اعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ النَّظَرِ فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ، وَغَضَبُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم
(1) الآداب الشرعية 2 / 107، والآية من سورة العنكبوت / 51.
(2)
حديث: " غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة. . . ". تقدم في نفس الفقرة.
لَا يَدُل عَلَى التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَغْضَبُ مِنْ فِعْل الْمَكْرُوهِ، وَمِنْ فِعْل مَا هُوَ خِلَافُ الأَْوْلَى إِذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ مِنْهُ ذَلِكَ، كَغَضَبِهِ مِنْ تَطْوِيل مُعَاذٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يَغْضَبُ مِمَّنْ يَقَعُ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي فَهْمِ الأَْمْرِ الْوَاضِحِ مِثْل الَّذِي سَأَل عَنْ لُقَطَةِ الإِْبِل (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْل الْبِدَعِ، وَلَا فِي الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِل، وَلَا رِوَايَتُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ إِفْسَادِ الْعَقَائِدِ (2) .
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: تَحْرُمُ قِرَاءَةُ كُتُبِ الرَّقَائِقِ وَالْمَغَازِي الْمَوْضُوعَةِ كَفُتُوحِ الشَّامِ وَقَصَصِ الأَْنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتِهِمُ الْمَنْسُوبَةِ لِلْوَاقِدِيِّ، وَقَال أَيْضًا: ذَكَرَ الإِْمَامُ الشَّعْرَاوِيُّ فِي الْمُغْنِي مَا نَصُّهُ: وَيُحَذَّرُ مِنْ مُطَالَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لِلْغَزَالِيِّ، وَمِنْ كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ لأَِبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ، وَمِنْ تَفْسِيرِ مَكِّيٍّ، وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ مَيْسَرَةَ الْحَنْبَلِيِّ، وَمِنْ كَلَامِ مُنْذَرِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيِّ، وَمِنْ مُطَالَعَةِ كُتُبِ أَبِي حَيَّانَ، أَوْ كُتُبِ إِخْوَانِ الصَّفَا، أَوْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ النَّجَّامِ، أَوْ كِتَابِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ لاِبْنِ قَسِيٍّ، أَوْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ
(1) فتح الباري 13 / 525 - 526.
(2)
كشف القناع 1 / 434.