الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْكَسْبِ، وَالنَّاسُ إِنَّمَا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى الْعِبَادِ دُونَ الْمُكْتَسِبِينَ (1) .
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ:
8 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا أَحْوَجَ مِنَ الْفَقْرِ مَكْرُوهٌ، وَمَا أَبْطَرَ مِنَ الْغِنَى مَذْمُومٌ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَفْضِيل الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ؛ لأَِنَّ الْغَنِيَّ مُقْتَدِرٌ، وَالْفَقِيرَ عَاجِزٌ، وَالْقُدْرَةَ أَفْضَل مِنَ الْعَجْزِ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ النَّبَاهَةِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَفْضِيل الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى؛ لأَِنَّ الْفَقِيرَ تَارِكٌ، وَالْغَنِيَّ مُلَابِسٌ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا أَفْضَل مِنْ مُلَابَسَتِهَا، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ السَّلَامَةِ (2) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ صِفَةَ الْفَقْرِ أَعْلَى (3) .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَفْضِيل التَّوَسُّطِ بَيْنَ الأَْمْرَيْنِ بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ إِلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْغِنَى، لِيَصِل إِلَى فَضِيلَةِ الأَْمْرَيْنِ، وَيَسْلَمَ مِنْ مَذَمَّةِ الْحَالَيْنِ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى تَفْضِيل الاِعْتِدَال، وَأَنَّ
(1) الكسب ص 48 - 49، والمبسوط للسرخسي 30 / 251 - 252.
(2)
أدب الدنيا والدين للماوردي 351 - 352 تحقيق محمد السواس ط. دار ابن كثير.
(3)
الكسب ص 50، والمبسوط 30 / 252.
خِيَارَ الأُْمُورِ أَوْسَاطُهَا (1) .
التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَسْبِ الرِّزْقِ وَبَيْنَ التَّوَكُّل:
9 -
جَاءَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ (2) .
وَتَقْصِيرُ الإِْنْسَانِ عَنْ طَلَبِ كِفَايَتِهِ - كَمَا قَال الْمَاوَرْدِيُّ - قَدْ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَيَكُونُ تَارَةً كَسَلاً، وَتَارَةً تَوَكُّلاً، وَتَارَةً زُهْدًا وَتَقَنُّعًا.
فَإِنْ كَانَ تَقْصِيرُهُ لِكَسَلٍ فَقَدْ حُرِمَ ثَرْوَةَ النَّشَاطِ وَمَرَحَ الاِغْتِبَاطِ، فَلَنْ يُعْدَمَ أَنْ يَكُونَ كَلًّا قَصِيًّا أَوْ ضَائِعًا شَقِيًّا.
وَإِنْ كَانَ تَقْصِيرُهُ لِتَوَكُّلٍ فَذَلِكَ عَجْزٌ قَدْ أَعْذَرَ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَرْكُ حَزْمٍ قَدْ غَيَّرَ اسْمَهُ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَكُّل عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحِيَل وَالتَّسْلِيمِ إِلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الإِْعْذَارِ (3) ، فَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَافِقُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ رُفَقَاءَ، فَجَاءَتْ رُفْقَةٌ يُهْرَفُونَ (4) بِرَجُلٍ يَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا مِثْل فُلَانٍ، إِنْ نَزَلْنَا فَصَلَاةٌ وَإِنْ رَكِبْنَا فَقِرَاءَةٌ، وَلَا يُفْطِرُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يَرْحَل لَهُ، وَمَنْ كَانَ يَعْمَل
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي 352.
(2)
الكسب ص 44، والمبسوط 30 / 250.
(3)
أدب الدنيا والدين للماوردي ص344 - 345 ط. دار ابن كثير.
(4)
أي يمدحونه ويطنبون في الثناء عليه.