الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَابَّةً تَذْهَبُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى إِصْطَبْل أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، أَوْ تَنَازَعَا زَوْجَ خُفٍّ أَوْ مِصْرَاعَ بَابٍ مَعَ الآْخَرِ شَكْلُهُ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ لأَِحَدِهِمَا كَالزُّرْبُول الَّتِي لِلْجُنْدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ (1) .
وَكَذَلِكَ لَوْ تَدَاعَيَا بَهِيمَةً أَوْ فَصِيلاً فَشَهِدَ الْقَائِفُ أَنَّ دَابَّةَ هَذَا أَنْتَجَتْهَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَتُقَدَّمُ عَلَى الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ (2) ، وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَْثَرِ فِي السَّيْفِ فِي قَضِيَّةِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ (3) .
فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُمَا: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَال: هَل مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَال: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ (4) .
الإِْثْبَاتُ بِقِيَافَةِ الأَْثَرِ فِي الْجِنَايَاتِ:
12 -
يُرْجَعُ إِلَى قَائِفِ الأَْثَرِ لِلْقَبْضِ عَلَى الْمُتَّهَمِينَ وَإِحْضَارِهِمْ مَجْلِسَ الْقَاضِي، كَمَا
(1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية 4 / 587، وانظر هذه الأمثلة في البحر الرائق لابن نجيم 7 / 225، وحاشية ابن عابدين 8 / 53، 38، ورمز الحقائق 2 / 110، 115، والمبسوط 17 / 63، 78، 87، 94، ومعين الحكام 130، 163، والمغني لابن قدامة 9 / 320 - 325، والطرق الحكمية ص10، وتبصرة الحكام 2 / 70، 123.
(2)
الفتاوى الكبرى 4 / 587.
(3)
تبصرة الحكام 2 / 121.
(4)
حديث " ابني عفراء ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 246 - 247) ، ومسلم (3 / 1372) من حديث عبد الرحمن بن عوف.
حَدَثَ فِي قَضِيَّةِ الْعُرَنِيِّينَ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَبَعَثَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهِمْ قَافَةً فَأُتِيَ بِهِمْ (1) .
وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ كَذَلِكَ فِي جَمْعِ الأَْدِلَّةِ وَالْكَشْفِ عَنْ كَيْفِيَّةِ ارْتِكَابِ الْجِنَايَةِ.
وَيُعَدُّ رَأْيُ الْقَائِفِ شَهَادَةً تَثْبُتُ بِهَا الْحُقُوقُ وَالدَّعَاوَى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، مِثَالُهُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ أَنَّهُ ذَهَبَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَيَثْبُتَ ذَلِكَ، فَيَقْتَصُّ الْقَائِفُ أَثَرَ الْوَطْءِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، فَشَهَادَةُ الْقَائِفِ أَنَّ الْمَال دَخَل إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تُوجِبُ أَحَدَ الأَْمْرَيْنِ: إِمَّا الْحُكْمُ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي، وَهُوَ الأَْقْرَبُ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَْمَارَاتِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ مَشْرُوعَةٌ فِي أَقْوَى الْجَانِبَيْنِ (2) ، وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَْثَرِ فِي السَّيْفِ كَمَا يَذْكُرُ ابْنُ فَرْحُونَ (3) فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم لَمَّا دَخَلُوا الْحِصْنَ عَلَى ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لِيَقْتُلُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلاً، فَوَقَعُوا فِيهِ بِالسُّيُوفِ، وَوَضَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ السَّيْفَ
(1) حديث " العرينين ". أخرجه أبو داود (2 / 532 - 533) وأصله في مسلم (3 / 1298) .
(2)
الفتاوى الكبرى 4 / 587.
(3)
تبصرة الحكام 2 / 121.
فِي بَطْنِهِ وَتَحَامَل عَلَيْهِ حَتَّى نَبَعَ ظَهْرُهُ، فَلَمَّا رَجَعُوا وَقَدْ قَتَلُوهُ نَظَرَ عليه الصلاة والسلام إِلَى سُيُوفِهِمْ فَقَال: هَذَا قَتَلَهُ لأَِنَّهُ رَأَى عَلَى السَّيْفِ أَثَرَ الطِّعَانِ (1) .
وَقَدِ اسْتَنَدَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى الأَْثَرِ حِينَ اخْتَصَمَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ فِي قَطِيفَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا حَمْرَاءُ وَالأُْخْرَى خَضْرَاءُ، وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي الَّتِي بِيَدِ الآْخَرِ، وَأَنَّهُ تَرَكَ قَطِيفَتَهُ لِيَغْتَسِل، فَأَخَذَهَا الآْخَرُ وَتَرَكَ قَطِيفَتَهُ هُوَ فِي مَحَلِّهَا، وَلَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ، فَطَلَبَ إِيَاسٌ أَنْ يُؤْتَى بِمُشْطٍ، فَسَرَّحَ رَأْسَ هَذَا وَرَأْسَ هَذَا، فَخَرَجَ مِنْ رَأْسِ أَحَدِهِمَا صُوفٌ أَحْمَرُ، وَمِنْ رَأْسِ الآْخَرِ صُوفٌ أَخْضَرُ، فَقَضَى بِالْحَمْرَاءِ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ الصُّوفُ الأَْحْمَرُ وَبِالْخَضْرَاءِ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ الصُّوفُ الأَْخْضَرُ (2) .
وَفِي إِحْدَى الْقَضَايَا هَرَبَ الْقَاتِل وَانْدَسَّ بَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ يُعْرَفْ، فَمَرَّ الْمُعْتَضِدُ عَلَى النَّاسِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى قَلْبِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَيَجِدُهُ سَاكِنًا، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِ ذَلِكَ الْغُلَامِ، فَإِذَا بِهِ يَخْفِقُ خَفْقًا شَدِيدًا، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ، وَاسْتَقَرَّهُ فَأَقَرَّ فَقَتَلَهُ (3) .
(1) حديث " قصة عبد الله بن أنيس ". ذكره ابن سعد في الطبقات (2 / 91 - 92) بدون إسناد.
(2)
الطرق الحكمية ص32.
(3)
الطرق الحكمية ص41.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الاِسْتِنَادَ إِلَى الأَْثَرِ لَيْسَ قَرِينَةً قَطْعِيَّةً عَلَى ارْتِكَابِ الْجَرِيمَةِ، تُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَضِيَّةُ الْقَصَّابِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَى خَرِبَةٍ لِلتَّبَوُّل وَمَعَهُ سِكِّينُهُ، فَإِذَا بِهِ أَمَامَ مَقْتُولٍ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، وَمَا أَفَاقَ مِنْ ذُهُولِهِ حَتَّى وَجَدَ الْعَسَسَ يَقْبِضُونَ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَجَزَ الرَّجُل عَنِ الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ الأَْدِلَّةَ جَمِيعَهَا ضِدُّهُ، وَلَمْ يُنْقِذْهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمَحْتُومَةِ - وَهِيَ الْقَتْل - إِلَاّ إِقْرَارُ الْقَاتِل الْحَقِيقِيِّ بِالْجَرِيمَةِ (1) .
(1) الطرق الحكمية ص28 - 29.